أحمد عليبه

رغم تأكيد البيان الختامي للجنة المشتركة لإعداد القوانين الانتخابية (6+6) الليبية والمشكلة من مجلسي النواب والدولة عقب انتهاء جولة لها في بوزنيقة المغربية، في 24 مايو الجاري، على تحقيق تقدم كامل بشأن النقاط المتعلقة بانتخاب رئيس الدولة ومجلس الأمة (غرفتين من المجلسين)، وكيفية إشراك الأحزاب السياسية في انتخابات مجلس النواب عبر القوائم الحزبية والفردية.

إلا أن هذا البيان لم يتناول طبيعة هذا التقدم، خاصة ما يتعلق بالنقاط الخلافية الخاصة بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية في الانتخابات الرئاسية.

كما أشارت بعض التسريبات إلى نية طرح ما سيتم التوصل إليه في هذا الشأن للاستفتاء العام، بالإضافة إلى إمكانية إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بداية العام المقبل.

دلالات متعددة

على هذا النحو، يمكن تصور أن جولة بوزنيقة شكلت خطوة متقدمة على مسار التفاهم داخل اللجنة المشتركة (6+6) في بعض النقاط، لكنها لم تحسم كافة النقاط بشكل نهائي، وبالتالي سيكون أمامها جولات أخرى للانتهاء من باقي النقاط العالقة، حيث لا يزال أمامها بعض الوقت وفقاً للسقف الزمني الذي ينتهي بحلول الشهر المقبل، على نحو يطرح دلالات عديدة تتمثل في:

1- التقدم في النقاط التوافقية

ما جرى التقدم فيه في جولة بوزنيقة هو النقاط التوافقية، فقد تمت الإشارة إلى تشكيل مجلس الأمة من غرفتين هما مجلسا النواب والشيوخ، وبالتالي تحول المجلس الأعلى للدولة الاستشاري إلى الغرفة الثانية في البرلمان (مجلس الأمة)، بالإضافة إلى طريقة التمثيل في الانتخابات للأحزاب والمرأة والتزامن بين عقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والدعاية الإعلامية للانتخابات، وإجراء الطعون والجرائم الانتخابية؛ ومع ذلك أشارت اللجنة إلى أنه سيكون هناك حاجة للمزيد من الوقت للإجراءات التشريعية الخاصة بهذه النقاط.

2- التباين حول حسم النقاط الخلافية

حاول البيان الصادر عن اللجنة إضفاء حالة من التفاؤل على التقارب بين الفريقين في اللجنة وأجواء النقاش، بينما أشارت تقارير إعلامية ليبية إلى تضارب تصريحات منسوبة لرئيسى فريقي اللجنة تراوحت بين إشارة أحدهما إلى التقدم في النقاش حول النقاط الخلافية الخاصة باستحقاقات الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالنسبة للعسكريين ومزدوجي الجنسية، وتركيز الآخر على العكس، وهو ما يفسر عدم وجود إشارات بشأن تلك النقاط في البيان كون النقاش حولها لم ينضج إلى مستوى الحسم.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن رئيس مجلس النواب سبق وركز أكثر من مرة في تصريحات إعلامية على اقتراحه بأن يتنازل العسكريون عن مناصبهم ويتخلى مزدوجو الجنسية عنها أيضاً في حال فوز المرشح، لكن يبدو أن هذه المقترحات لم تتبلور بشكل واضح على طاولة الحوار.

ويقول سياسيون ومراقبون ليبيون إنه من الصعب ضمان حدوث ذلك في حال فوز المرشح، وأن هناك ضرورة لإجراء هذا الاستحقاق قبل الترشح لضمان إثبات جدية المرشحين لمنصب الرئاسة، وهو أمر معمول به في أغلب التشريعات.

3- التركيز على الجانب التكتيكي

 من المتصوّر أن انعقاد لقاء بوزنيقة يمثل محاولة تكتيكية من اللجنة لتفادي انقضاء المهلة الزمنية لعدم لجوء البعثة الأممية إلى البديل التالي وتشكيل لجنة بديلة من خارج المجلسين. والعامل الآخر الذي يشير إليه مراقبون ليبيون يتعلق بتوقيت انعقاد اللجنة الذي جاء في أعقاب إيقاف البرلمان لحكومة فتحي باشأغا.

وهو ما رجح معه المراقبون أن هناك اتجاهين لمستقبل السلطة التنفيذية، أحدهما يتعلق بالتوافق ما بين مجلسي النواب والدولة على تشكيل حكومة موحدة مصغرة، في ظل الاتفاق على إنهاء حالة الانقسام السياسي، وضرورة أن تكون هناك لجنة موحدة للانتخابات.

والآخر ينصرف إلى دمج الحكومتين بعد خروج رئيس الحكومة المشكلة من مجلس النواب (مارس 2022) فتحي باشأغا من المعادلة السياسية على إثر قرار المجلس إيقافه وإحالته للتحقيق قبل نحو أسبوعين.

وعلى الرغم من أن عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة أشار إلى أن المجلسين لم يتواصلا بشكل جاد بشأن تشكيل حكومة ثالثة، إلا أن مواقف رئيسي مجلسي النواب والدولة توحي بأن هناك توافقاً على رفض استمرار حكومة الوحدة الوطنية لحين إجراء الانتخابات، ومع ذلك لم يتفقا على من سيخلفها.

تحديات محتملة

وفقاً لمحصلة هذه النقاط المستخلصة من بيان بوزنيقة، يمكن الإشارة إلى أن ملامح السيناريو أو الخطوات التالية تنطوي على عدد من التحديات، وهو ما يمكن الإشارة إليه في النقاط التالية:

1- إمكانية البحث عن بديل

في حال عدم حسم تلك النقاط خلال شهر أو أقل من لقاء بوزنيقة وإقرارها من مجلس النواب، بما فيها التشريعات الخاصة بالنقاط التفصيلية بشأن ملف مجلسي النواب والدولة، فعلى الأرجح سيتم اللجوء إلى بديل للجنة (6+6) وفقاً لخطة المبعوث الأممي لدى ليبيا عبد الله باتيلي، الذي سيكون لديه المبرر لتشكيل تلك اللجنة على الرغم من التحفظات التي أبداها العديد من السياسيين الليبيين على هذه الخطوة.

2- استمرار حكومة الوحدة الوطنية

سيعرقل عدم التوافق ما بين المجلسين دورهما في تشكيل حكومة موحدة مصغرة، وهو ما سيشكل نقطة لصالح بقاء واستمرار حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة بغض النظر عن التقدم في مسار الاندماج مع حكومة شرق ليبيا، بحكم أن مسار الدمج يتعلق باستحقاقات أو نضوج صفقة أخرى، مع الأخذ في الاعتبار أن بيان اللجنة أشار في فقرة ختامية إلى الحاجة إلى تشكيل حكومة موحدة بقوله:

نود لفت انتباه الرأى العام إلى أنه وقبل دخول قوانين الانتخابات حيز النفاذ وحتى لا يتم مصادرة آمال الليبيين، فإن الواقع الليبي الحالي يفرض علينا حميعاً تغليب مصلحة المواطن الليبي على كل الحسابات الضيقة وذلك من خلال تعزيز الثقة المتبادلة والإرادة السياسية المشتركة عبر تشكيل حكومة موحدة تمهد للاستحقاقات الانتخابية في كل البلاد وتتعامل معها بشكل مسئول وشفاف”.

3- إطالة الأمد الزمني للوصول للانتخابات

في حال توصل اللجنة المشتركة إلى صيغة موحدة بشأن الانتخابات الليبية، فإن اللجوء لعملية الاستفتاء قد يشكل تكتيكاً آخر في إطالة المدى الزمني للوصول إلى الانتخابات، حيث إن عملية الاستفتاء يتعين لها أولاً حسم ما الذي سيعرض على الاستفتاء، هل المواد الخلافية فقط أم القاعدة الدستورية بشكل عام؟

كما أن الاستفتاء يحتمل الموافقة عليه أو الرفض، وفي حال الرفض فستكون هناك إجراءات أخرى لجولات من النقاش ما بين الطرفين.

 وسيتعين أيضاً العودة لطرح نتائج التعديلات مرة أخرى على الاستفتاء، وهو ما يعني أن السقف الزمني ليس في حسابات الطرفين حتى الآن، وهي نقطة لافتة ترددت في إطار لقاء بوزنيقة؛ إذ يبدو أن إشارة اللجنة إلى أن الانتخابات يمكن أن تجري بداية العام المقبل تعد تكتيكاً لتفادي الإلحاح الدولي والأممي وحتى الداخلي في ليبيا على إجراء الانتخابات العام الجاري.

مسار غامض

إجمالاً، تعكس مخرجات لقاء بوزنيقة وردود الفعل عليها على الأقل من الداخل الليبي عدم حدوث اختراق فعلي في النقاط الجوهرية العالقة، ومن الوارد استمرار عدم توصل الفرقاء السياسيين إلى حسم النقاط الخلافية، أخذاً في الاعتبار أنه لا يمكن عزل تحرك اللجنة المشتركة (6+6) عن التطورات السياسية الأخرى في المشهد الليبي، خاصة ملف السلطة التنفيذية.

وبالتالي سيظل هذا المحدد يفرض نفسه على كل اجتماع تعقده اللجنة، بالإضافة إلى عامل آخر هو عامل الضغط المتمثل في السقف الزمني لعمل اللجنة من جهة ومخرجاتها من جهة أخرى، وهو عامل يصعب المناورة فيه من جانب الأطراف بترحيل الانتخابات إلى ما بعد العام الجاري، بالنظر لتداعياته في ظل وجود بدائل أخرى يمكن اللجوء إليها.

وفي كل الأحوال، فإن خطوة الانتقال إلى السيناريو التالي بشأن خريطة الطريق المرحلية للوصول إلى الانتخابات في ليبيا لا تزال غير واضحة الملامح.

______________

مواد ذات علاقة