عبدالله الكبير

الاضطراب المستمر هو سمة العالم في المرحلة الحالية، فالنظام الأحادي الذي هيمنت فيه أمريكا بعد انهيار نظام مابعد الحرب الباردة آخذ في التداعي، وعندما يبدأ النظام الدولي في التداعي تبرز قوى جديدة متنافسة.

وهذا التحول في موازين القوة لم يتبلور بعد في نظام دولي جديد، وليبيا من أكثر الدول تأثرا بهذا التحول، ويمكن من خلال الصراع الدائر فيها وحولها، رؤية نموذج مصغر لحالة الصراع الأكبر على مستوى العالم.

هكذا يري جايسون باك الخبير الأمريكي في الشؤون العربية والشرق الاوسط، حالة ليبيا في مرحلة مابعد القذافي، في كتابه المترجم حديثا إلى العربية ( ليبيا في ظل الاضطراب الدولي المستمر) و يرى أن ليبيا وسوريا واليمن وفنزويلا أوكرانيا، يمكن أن تبقى غارقة في صراعاتها لعدة سنوات قادمة، مادام النظام الدولي مجزأ، ويفتقد لتنسيق العمل الجماعي لتحقيق الأهداف التي سوف تصب في مصلحة الجميع في النهاية.

ولعل مساحة الاختلاف بين القوى الكبرى في مجلس الأمن، والعجز المستمر عن التوصل ولو للحد الأدنى من التوافق، حول قضايا أزمات عديدة يؤكد صحة ما ذهب إليه الكاتب، فمجلس الأمن هو تقريبا أهم مؤسسة دولية يمكن خلالها تنسيق السياسات والأهداف، ومع ذلك فشل المجلس على مدى السنوات الماضية في وضع الأزمة الليبية، أو غيرها من الأزمات على طريق الحل.

فهم الحالة الليبية هو الطريق لفهم العلاقات الدولية، إذ تتصارع في ليبيا عدة دول اقليمية لتأمين مصالحها التجارية والجيوسياسية، فمصر وتركيا والإمارات تسعى لقلب ميزان القوى الإقليمي لمصلحتها.

ومع حالة الانهيار في ليبيا، وتقويض روسيا لمحاولات الغرب تعزيز النظام، وعجز الاتحاد الأوروبي، بسبب التنافس بين بعض أعضائه لتعظيم المكاسب الخاصة، يظهر بشكل جلي تراجع دور النظام العالمي في ضبط وتسوية الأزمات.

ويكمن السبب الرئيس في هذا التراجع بما يسميه الكاتب خلو العرش، أو غياب قوة عالمية تفرض على الجميع مسارا واضحا، يراعي المصالح المختلفة ويوازن بينها. فأمريكا تخسر قوتها المهيمنة جزئيا بالمنافسة مع الصين وروسيا، والصين تفشل في قيادة العالم أو لا ترغب في ذلك، ولا وجود لأقطاب حقيقية توازن النظام. وهذا ما يسميه الكاتب الاضطراب المستمر.

 يطرح الكتاب عدة مقترحات ونصائح لتفكيك الأسباب الرئيسية للصراع، خاصة على جهة الاقتصاد، الذي يعتبره المحرك الدائم للصراع والمنافسة، فلابد من إعادة كتابة قواعد الاقتصاد الليبي بأسلوب شفاف، فالقضايا الاقتصادية الأساسية، التي أدت إلى ست سنوات من الصراع سوف تظل قائمة، ولكن تبني نهج جديد يأخذ بعين الاعتبار مشورة الخبراء، وإرادة الشعب الليبي، سوف تعيد صياغة الدور الاقتصادي، وتضع البلاد على طريق الازدهار وتنمية رأس المال البشري.

نشرت ضمن الكتاب عدة قراءات وتعليقات وشهادات حول الكتاب والأزمة الليبية، لشخصيات عملت في مهمات مختلفة في ليبيا، مثل جوناثان واينر المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى ليبيا، ستيفاني وليامز المبعوث الأممية بالإنابة السابقة، السفير البريطاني السابق في ليبيا بيتر ميليت وغيرهم.

يقدم الكتاب بشكل عام رؤية تحليلية عميقة للأزمة الليبية، وتطوراتها ومحركاتها الداخلية والخارجية، رغم بعض الاستطراد في بعض فصوله، وهو جدير بالقراءة للوصول إلى فهم عميق وشامل، لكل جوانب الأزمة وديناميكياتها ومآلاتها.

_____________

مواد ذات علاقة