أن تكون وزيراً فهذه مسؤولية، أما أن تكون وزيراً للتعليم فتلك مسؤولية أعظم، فرسمياً من المفروض أنك الشخص المنوط به الإشراف على التخطيط للمستقبل، والتحكم في مصير القادم.

لكن الأمور مختلفة في ليبيا، العلم ليس أولوية، وتبوأ المنصب لا تلزمه شهادات، وعليه، فوجود وزير التعليم المثير للجدل، عمران القيب، في منصبه أمر منطقي ومتسق مع الصورة الحزينة لليبيا اليوم.

مشانق 7 أبريل

حجز الوزير الأكثر جدلاً في البلاد منصات التواصل كل الأسبوع، وقبل قصة اليمن السعيد، احتلّت تصريحاته في جامعة طرابلس محركات البحث، عندما حاول القيب الردّ على الشكوى من عدم كفاية أعداد أساتذة الجامعة للإشراف على مشروعات التخرج، قال: “المفروض نردو مشانق 7 أبريل“.

تلك كانت بطاقة تعارف عمران القيب مع العالم العربي، حين تهكّم على جريمة إعدام القذافي طلاباً في جامعتي طرابلس وبنغازي، في 7 أبريل العام 1976، فيما عُرف باسم حفلات الإعدامالتي أقامها القذافي لطلاب الجامعة الذين ثاروا ضده، ورفضوا مناهج التعليم الرجعية، فشنقهم القذافي وعلّق جثثهم، وأجبر طلبة جامعتي طرابلس وبنغازي على المرور تحت أعواد المشانق ليشاهدوا جثث زملائهم المعلقة، عقاباً لهم على انتقاد الزعيم.

واجهت موجة الغضب تصريحات القيب، ما اضطره بعدها للخروج وتقديم اعتذاره لإخماد النار التي أشعلتها كلماته لتحول الأمر إلى قضية رأي عام، إذ خرج ببيان مصور قال فيه إن إخراج المقارنة عن سياقها وعباراتها أمر توقعه في حينه وذكره صراحة“.

جامعات القيب: الأفضل عالمياً

اعتذار القيب لم يخمد نار المواطنين الذين يعلمون جيداً تدني مستوى التعليم في البلاد، ويعلمون أيضاً أن الشخصيات السياسة المتصارعة هي من أوصلت الوضع التعليمي إلى هذا الحال، وأخرجت ليبيا من جميع التصنيفات العالمية للتعليم.

المفارقة أن عمران القيب، رغم كونه وزير التعليم، إلا أن علاقته بالتعليم شديدة التناقض، فمرّة يقول إن الجامعات الليبية من أحسن الجامعات في العالم، ولا داعي للسفر والدراسة في الخارج، وأخرى يتعهّد بإصدار قرار بإيفاد أوائل الشهادة الثانوية إلى الخارج، منتقداً الجامعات في ليبيا، واصفاً إياها أنها لا تعدو كونها مجرد دكاكينشهادات.

أبناء الوزراء يدرسون بالخارج

وفي أيار/مايو الماضي، تداول نشطاء تصريحاً آخر للوزير، خاطب فيه مجموعة من الطلبة الجامعيين، قائلاً: “احنا مش أحرص منكم على التعليم في ليبيا، هذه كليتكم وطلابكم وأولادكم يتعلمون فيها، نحن أولادنا يدرسون فيها، ما أثار تساؤلات حول أبناء الوزير الذين يدرسون خارج البلاد.

فرأى البعض أنه لا يعدو كونه مادة للتسلية لا يمكن التعامل معه بجديةواعتبر آخرون أن ما قاله الوزير هو اعتراف صريح منه بوضع التعليم في ليبيا؛ ولذلك أرسل أبناءه للخارج.

المدهش أن فضائح التعليمفي ليبيا لا تتوقف، ولعل أبرزها كان اتهام رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، بشراء درجته العلمية، حيث ادعى أنه حصل على شهادة ماجستير في تخصص الهندسة من جامعة ريجينافي كندا، إلا أن صحفيين ليبيين وباحثين تواصلوا مباشرة مع الجامعة التي أكدّت أنه لا يوجد لديها أيّ متخرّج يحمل اسم عبد الحميد الدبيبة، سواء في البكالوريوس أو الماجستير.

لم يكن الدبيبة وحده هو من حامت حوله فضائح الشهادات المزورة، فوزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش أيضاً تم اتهامها بتزوير مؤهلها العلمي والإدلاء بشهادة غير رسمية، وعلى عكس الدبيبة الذي قال إنه يتعرض لحملة منظمة لتشويه صورته، لم تكلّف الوزيرة نفسها عناء الردّ، وآثرت تجاهل تلك الاتهامات.

لم يتوقف الأمر على الوزراء في ليبيا، بل امتد صفّ الشهادات المزورة ليشمل سفراء، مثل مهند سعيد يونس، سفير ليبيا لدى إيطاليا، الذي نفت كلية القانون جامعة طرابلس حصوله على شهادة منها على عكس العادة!

مجمل فضائح الشهادات المزورة للمسؤولين الليبيين يجعلنا نستوعب كمّ التقليل من قيمة الشهادة العلمية في ليبيا، وكيف وصل الحال بوزير التعليم الليبي العالي أن يشجّع على التكاثر والزواج بدل التعليم، في تصريح آخر صادم له، شارحاً أسباب ذلك الموقف من قبله بأنه يجب تعويض الأرواح التي خسرناها في الحروب.

آخر تصريحات الوزير المثيرة للجدل المرّ كان إعلانه عن إمكانية إيفاد الطلبة المتفوقين إلى اليمن لاستكمال دراستهم، وهو ما فتح باباً من التهكمات والسخرية من القيب، وتساءل البعض عن سرّ تمسكه بالتعاون مع اليمن في مجال التعليم، فهي لا تبعد كثيراً عن ليبيا من حيث الترتيب العالمي.

بين بورنموث وطرابلس: كتاب مدرسي ضائع

ومع كل هذا اللغط الذي يصنعه عمران القيب في كل مرة يظهر في حوار أو لقاء مصور أو اجتماع، إلا أن أفكاره هذه يبدو أنها لا تنطبق على عائلته وأبنائه، إذ إن ابنه إلياس القيب، يزاول تعليمه بمدرسة خاصة بمدينة بورنموث في بريطانيا، بينما يعاني الطلاب كل سنة من أزمة فقدان الكتب المدرسية إلى ما بعد انطلاق العام الدراسي، رغم الميزانية التي تعد بالمليارات.

معضلة الكتاب المدرسي التي بدأت لأول مرة سنة 2021، ورآها الجميع على أنها كارثة بأتم معنى الكلمة، أصبحت في الأعوام التي تلت أمراً عادياً، وفي كل سنة بموعد انطلاق السنة الدراسية، تكتشف العائلات أنه لا يوجد كتب مدرسية مطبوعة للتلاميذ؛ ما يؤدي إلى حالة احتقان شاملة. كُلف بعدها القيب برئاسة اللجنة الحكومية لحل أزمة الكتاب المدرسي.

خير كتاب في الزمان: “آيفون

أزمة الميزانية التي لم تتوفر لطبع الكتب المدرسية للطلاب لم تؤثر أبداً على إمكانيات وزارة التعليم العالي في شراء هواتف جوّالة قدرت ب 155 ألف دينار ليبي، من نوع آيفون 13 برو ماكس، لأعضاء لجان بالوزارة، اتضح أن بعضهم أعضاء في أكثر من لجنة، وحصلوا على أكثر من هاتف، وهو ما اعتُبر فضيحة كبرى للقيب، طالب بعدها الناس أن يتم إقالته وتحويل ملفه للنائب العام.

بين وزراء تحاصرهم تهم تزويرالشهادات، ووزير تعليم لا يحترم أساتذة جامعات بلاده، ولا يثق في جودة التعليم بها، يقف الشباب الليبي الطامح في غد أفضل عاجزاً، لا يعلم سبل الوصول إليه، بعد أن سدّ المسؤولون عنهم طرق الوصول إلى الغد.

______________

مواد ذات علاقة