طرح تمرد قائد مرتزقة فاغنر يفغيني بريغوجين على ولي نعمته الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مسألة انضباطية مجموعات المرتزقة وإمكانية تحولها إلى صداع أو حتى سرطان يفتك بمن يستعين بها. فما هي تداعياتها على روسيا؟

أربع وعشرون ساعة حبس فيها العالم أنفاسه ترقباً لما ستسفر عنه الأحداث المتسارعة على الأراضي الروسية مع تمرد قائد  مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة  وإعلانه العصيان المسلح على القوات الروسية التي اتهمها باستهداف عناصر مجموعته وقتل العديد منهم.

لم تكن الصورة واضحة في بادئ الأمر مع ظهور قائد تلك المجموعة يفغيني بريغوجين في مقاطع مصورة من داخل أحد مقار الجيش الروسي في مدينة روستوف في جنوب روسيا، والذي يشكل مركزاً أساسياً للهجوم على أوكرانيا، وتهديده بالزحف نحو  العاصمة موسكو  وسط خلاف متصاعد تعود جذوره لشهور مضت بينه وبين  القيادة العسكرية الروسية.

وطالب بريغوجين بحضور وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف إلى روستوف، وإن اكتنف الغموض السبب وراء طلبه، معلناً السيطرة على جميع المواقع والمنشآت العسكرية والمطار بالمدينة.

طعنة في الظهر

ومع توالي البيانات والتصريحات من قبل قائد فاغنر، خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخطاب متلفز  ليكيل الاتهامات للرجل الذي طالما اعتمد عليه في العديد من العمليات العسكرية سواء في داخل روسيا أو خارجها وتوطدت علاقاتهما منذ مساعدته على ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014.

ووصف  الرئيس بوتين  ما قام به بريغوجين بأنه طعنة في الظهروخيانة لبلاده، متوعداً بسحق حركة التمرد ودعا الروس إلى الالتفاف حوله والوحدة في مواجهة العصيان المسلح، ليهاجم قائد المجموعة العسكرية بدوره بوتين شخصياً لأول مرة ويعتبر تخوين الرئيس الروسي له ولمجموعته خطأ كبيراً، وراح يتحدث بثقة عن التقدم نحو موسكو وعن رئيس جديد لنا (روسيا) قريباً، في أكثر لحظات الشقاق الكبير خطورة، ووسط مخاوف كبرى خيمت على الشارع الروسي من اندلاع حرب أهلية.

تذمر وشكوى منذ شهور

ولطالما انتقد بريغوجين القيادة العسكرية الروسية واستراتيجيتها في إدارة الحرب وأثار مخاوف من احتمال تصدع الجبهة العسكرية في الحرب الدائرة مع أوكرانيا منذ حوالي عام ونصف العام، لا سيما في وقت تلقي فيه الولايات المتحدة والحلفاء الغربيون بثقلهم وراء كييف وتقديمهم دعماً مادياً وعسكرياً لا محدود لها.

ولوح قائد فاغنر بترك مواقعه في باخموت شرق أوكرانيا في اللحظات الحاسمة قبل السيطرة على المدينة الاستراتيجية بسبب ما وصفه بتقاعس الجيش الروسي عن تلبية طلباته بإمداده بالأسلحة والذخيرة، كما رفض مؤخراً دعوة بوتين للجماعات المسلحة التي تقاتل إلى جانب صفوف بلاده للتوقيع على عقود تلزم عناصرها بالعمل تحت إمرة وزير الدفاع مع منحهم امتيازات العسكريين في صفوف الجيش الروسي.

حلفاء بوتين يطوقون التمرد

وبينما ازدادت الأوضاع سخونة مع بدء القوات الروسية عملية لمكافحة الإرهاب، دخل الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، وهو حليف آخر لبوتين، على الخط وعرض إرسال قوات له للتصدي لتمرد فاغنر، مع ترقب العديد من دول العالم لما سيتمخض عنه الصراع الذي انتقل من الحدود الروسية الأوكرانية إلى داخل الأراضي الروسية، وهو ما وصفه مراقبون بأنه هدية مجانيةلكييف التي استغلت الموقف وأعلنت التقدم على عدة محاور على الجبهة الشرقية.

إلا أن رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، وهو حليف مقرب هو الآخر من بوتين، لعب دور الوساطة واستطاع إقناع بريغوجين  بإنهاء العصيان المسلح عبر تسوية يغادر بموجبها إلى  بيلاروسيا  مع ضمان عدم ملاحقته قضائياً وإتاحة إمكانية انضمام بعض مقاتلي مجموعته ممن لم يشاركوا في التمرد لصفوف القوات المسلحة الروسية والتعاقد مع وزارة الدفاع، وعودة قوات فاغنر إلى معسكراتها.

رفع العلم الروسي وراية مرتزقة فاغنر على مدينة باخموت بعد الاستيلاء عليها

ومع عودة الأمور إلى طبيعتها رويداً رويداً، علق المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف على الأمر بأن جهود لوكاشينكو جاءت من منطلق تجنب إراقة الدماء والمواجهة الداخلية، علماً بأن قائد فاغنر أوضح أنه قبل بالعرض البيلاروسي حقناً للدماءفي وقت كانت قواته على بعد 200 كم من موسكو“.

وحرص بيسكوف على التأكيد على أن ما حدث خلال تمرد الساعات الـ24 “لن يؤثر بأي حال من الأحوال على مسار العملية العسكرية الخاصة، مشدداً على أن القوات الروسية تواصل بنجاح صد الهجوم الأوكراني المضاد“.

شوكة في الخاصرة

وبعيداً عن احتواء الموقف وما سيتركه من انعكاسات سواء على الحرب الروسية ضد أوكرانيا أو السياسات الروسية بشكل عام فيما يتعلق بالاستعانة بمجموعات عسكرية خاصة، يرى باحثون أن التحرك المفاجئ الذي قام به قائد فاغنر والصداع المستمر الذي سببه لبوتين على مدار الأشهر الماضية يوضح خطورة اعتماد الدول على المرتزقة.

فمن الممكن أن ينقلب السحر على الساحر فجأة، وتصبح هذه الجماعات المسلحة الخاصة شوكة في خاصرة الدول التي اختارت اللعب بورقتها، وتباغتها بسيناريوهات ربما تدخل تلك الدول في دوامات من العنف والاقتتال ما يكبدها خسائر فادحة يعجز أعداؤها عن إلحاقها بها.

وفي هذا السياق ذكر خبراء غربيون أن تمرد مجموعة فاغنر وزعيمها يفغيني بريغوجين كشف ضعفا شديدا، في نظام الأمن الروسي في خضم الحرب مع أوكرانيا.

وطبقا لتقرير صادر عن معهد دراسات الحربومقره واشنطن، فإن التمرد يمكن أن تضعف الروح المعنوية للجنود الروس في الجبهة. وكتب المعهد أن تمرد بريغوجين أظهر ضعفا خطيرا في الكرملين ووزارة الدفاع الروسية“.

وأضاف المعهد أن الاتفاق الذي تفاوض عليه حاكم بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، الذي طبقا له، سينسحب زعيم جماعة المرتزقة، بريغوجين، إلى بيلاروسيا حل قصير الأجل فقط“. وطبقا لتقييم المعهد، كان من الممكن أن يصل مرتزقة فاغنر إلى ضواحي موسكو، خلال تقدمهم، إذا كان بريغوجين، يرغب في ذلك. وألقى هذا العمل الضوء على الحاجة إلى احتياطيات عسكرية روسية، في المناطق النائية.

بوتين وأجهزة الأمن سيحاولون على الأرجح إضعاف فاغنر أو تنحية بريغوجين جانبا

تبعات في الشرق الأوسط

كما رأى محللون أن التمرد المسلح ستكون له تبعات على بريغوجين ومجموعته التي تنشط أيضا في مناطق نزاع حول العالموقال الباحث في مركز الدراسات البحرية سامويل بينديت إن بريغوجين يجب أن يرحل، وإلا فالرسالة ستكون أن قوة عسكرية يمكنها تحدي الدولة بشكل علني، وعلى الآخرين أن يفهموا أن الدولة الروسية لديها حصرية العنف (امتلاك السلاح) في داخل البلاد“.

واعتبر الباحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية في الولايات المتحدة روب لي أن بوتين وأجهزة الأمن سيحاولون على الأرجح إضعاف فاغنر أو تنحية بريغوجين جانبا، مشيرا الى أن الآثار الأكثر أهمية سيتمّ رصدها في الشرق الأوسط وإفريقيا حيث تتواجد فاغنر“.

____________

مواد ذات علاقة