خيري عمر

بعد طول خلافٍ في ليبيا على القاعدة الدستورية، توصلت لجنة 6 + 6 إلى مشروعي قانوني الانتخابات التشريعية والرئاسية، غير أنه خلال فترة قصيرة (22 مايو/ أيار – 6 يونيو/ حزيران 2023) وضعت ملامح نظام انتخابي، تقوم على تمكين الأحزاب السياسية ومعالجة الخلاف بشأن ازدواج الجنسية.

تكمن أهمية مناقشة مخرجات اللجنة في مدى استجابة النص القانوني للمشكلات المشروعية وفرصة الوصول إلى الانتخابات، وتمكين الإرادة الشعبية من تقرير مستقبل ليبيا

من حيث الأساس القانوني، استندت اللجنة للتعديل الدستوري رقم 13، وخصوصاً في معالجته عيوب تعديلات الإعلان الدستوري بإلغاء المواد من 17 – 30، لينتهي إلى تشكيل لجنة مشتركة من المجلسين، ومنحها اختصاص (المادة 31) إعداد مشاريع قوانين الاستفتاء والانتخاب. وعلى الرغم من الجدل بشأن مشروعيته، ساهم التعديل الدستوري في تحسين الإطار القانوني فيما يتعلق بنظام الحكم الانتقالي، وصار أكثر وضوحاً في ترتيب العلاقة بين السلطات

وبغض النظر عن القضايا التفصيلية في مهام اللجنة، يمكن تناول مسألتي تعدّد جنسية مرشحي الرئاسة وعلاقة قانون الانتخابات التشريعية بتطوير النظام السياسي. من ناحية أولية، كانت تغطية أعمال اللجنة على أفكار العزل السياسي معالجة لعيوب تشريعية تسبّبت في تعطيل الحل السياسي والإخلال بحقوق المواطنة، وأخذت البلاد نحو التفكّك والصراع، وكانت سبباً منطقياً لعدم قدرة الحكومات على تطبيق القوانين سنوات مضت.

يبدو عصياً على الفهم الإصرار على الاحتفاظ بجنسيةٍ أجنبيةٍ في أثناء شغل المناصب السيادية

وفي تناول لجنة 6 + 6 مُشكل تعدّد الجنسية، استكملت معالجة اللجنة الدستوريةفي اجتماعات القاهرة الخلاف بشأن ترشيح العسكريين وإبقاء حرمان متعدّدي الجنسية قيد النقاش، باعتبارها (حسب رأي رئيس مجلس الدولة) كافية لإبعاد خليفة حفتر.

وقد ظهرت المعالجة على مرحلتين، في الأولى قبول أوراق كل المرشّحين، وفي الثانية، يقدّم المرشحان الأعلى أصواتاً في الجولة الأولى إثبات خلوّهما من حمل جنسية أجنبية قبل بدء الجولة الثانية. بدت صيغة مشروع القانون خجولةً لغرض امتصاص حدّة الخلاف على تطبيق شرط الجنسية الليبية، وتبنّت التدرّج في استبعاد مزدوجي التبعية القانونية.

وبمناقشة مسألة تعدّد الجنسية والسيادة الوطنية، فإنه باعتبار وظيفة التشريعات الوطنية هي ضمان استقلال السلطة، يترتّب على وجود التزاماتٍ تجاه دولة أخرى مساس بالحاكم الوطني وجرح للسيادة الوطنية والحصانة أو تعطيلها. في التشريعات الوطنية، قد يكون مفهوماً التمسّك بترشيح العسكريين، باعتبارهم مواطنين، للمناصب المدنية، لكنه يبدو عصياً على الفهم الإصرار على الاحتفاظ بجنسيةٍ أجنبيةٍ في أثناء شغل المناصب السيادية.

توجّهت اللجنة لتطوير المساهمات السابقة، عندما رجعت إلى القانون رقم 4/ 2012 ومقترحات المجلس الأعلى للدولة بشأن نظام المجلسين، بحيث صاغت قانوناً يقوم على القوائم الحزبية 154 مقعداً والأفراد 143 مقعداً، على أن يقدّم الحزب قوائم في ست دوائر على الأقل.

ويعد التخلّي عن القانون رقم 10/ 2014، وكذلك القانون رقم 2/ 2021، توجّهاً إلى تجميع النخبة السياسية مع مراعاة التوازن ما بين النظام الحزبي والمستقلين، لتكون الأولوية لتخفيف الجهوية وتوسيع الاهتمام بالسياسة العامة وخفض الفجوة مع رئاسة الدولة. ورغم هذا التقدّم، يمثل نظام الفائز الأول والصوت الواحد غير المتحوّل عيباً مزمناً في النظام الانتخابي، حيث يهدر أغلبية الأصوات الصحيحة، ويدعم تشتت القوة السياسية للمؤسّسات.

بدت دورة صياغة قوانين الانتخابات وطنية وداخل المؤسّسات الليبية

ومع ظهور مشروعي قانوني الانتخابات، تتابعت الملاحظات الفنية والسياسية. من ناحية أولى، رأت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وعدّة أحزاب صواب التوجّه العام للتشريعَين، سوى من ملاحظات شكلية تتعلق بتصحيح أرقام تمثيل النساء في مجلس الشيوخ، فضلاً عن الخلاف حول توزيع المقاعد على الدوائر، وأخرى موضوعية، تتعلّق بضمانات الوصول إلى الانتخابات.

لم تخلُ سوى من اعتراضات مجموعات مسلحة (كتائب 17 فبراير) في مصراتة وطرابلس، وتردّد بعض السياسيين في التجاوز عن ترشيح العسكريين والتهاون في منع مزدوجي الجنسية.

في هذا السياق، يتعارض طلب أحزاب بحذف شرط الترشّح في ست دوائر مع غاية القانون في دعم النظام الحزبي، حيث تؤدي كثرة الأحزاب الصغيرة في البرلمان لنتائج مشابهة للنظام الفردي في تشتيت القوة السياسية للمؤسّسات وإضعاف قدرتها على تجميع مصالح الكتل الكبرى.

ورغم صعوبة حسم المسائل الخلافية، تعكس مخرجات اللجنة وعياً أكثر بالسيادة الوطنية. بدت دورة صياغة قوانين الانتخابات وطنية وداخل المؤسّسات الليبية، وهو نوع من اكتمال ممارسة السيادة، فيما وقفت الأمم المتحدة عند مراقبة ما يحدُث مع التلويح بتشكيل لجنة رفيعة المستوىبديلة عن مجلسي النواب والدولة، غير أن طريقة التعامل مع تعدّد جنسية المرشّحين، تحمل في طياتها أسباب فشل الانتخابات السابقة، عندما تمنح نتائج الجولة الأولى المرشَّحين وضعاً مكتسباً، وتضع هيئة الانتخابات أمام المفاضلة ما بين ثقة الناخبين والاستبعاد لأسبابٍ إجرائية تجري أحداثها في دولة أخرى، ما يشكّل معضلة أمام استكمال الانتخابات أو تعليق نتائجها.

وبغض النظر عن الطعن في التعديل الدستوري رقم 13، لقيت مخرجات اللجنة قبولاً واسعاً واعترافاً من رئيسي النواب والأعلى للدولة بإلزامية مشروعي القانونين. وبمضي الوقت، تزايد تأييد أعمال لجنة الانتخابات، وأيضاً، تحت الأعباء الأمنية، يشكل استقرار ليبيا مصلحة إقليمية ولدول الجوار، ولذلك، يمكن فهم دعم مصر وبعض دول الخليج العربي اللجنة في إطار تزايد القلق من اتساع نطاق الاضطراب الإقليمي بين وسط أفريقيا والبحر المتوسط.

يمكن قراءة مواقف البعثة الأممية توجّهاً لإثارة الخلافات أكثر من اقتراح الحلول

وبينما تحظى هذه المخرجات بتوافق عربي وقطاع كبير من الليبيين، تتشارك بيانات المجلس الرئاسي والدول الخمس (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، بريطانيا والولايات المتحدة) مع رأي البعثة الأممية في انخراط جميع المؤسّسات الليبية والفئات الاجتماعية في مشاورات لا نهاية لها.

وخلال الأيام من 19 – 21 يونيو 2023، عقد المبعوث الخاص، عبد الله باتيلي، والمبعوث الأميركي، ريتشارد نورلاند، لقاءات منفصلة مع كل المسؤولين الليبيين للترويج للمشاورات المفتوحة بشأن الانتخابات والحكومة الجديدة، وفي ظل غموض المقترحات الغربية.

يمكن قراءة مواقف البعثة الأممية توجّهاً لإثارة الخلافات أكثر من اقتراح الحلول، بحيث تعمل، في نهاية المطاف، لاستبدال لجنة 6+6 بـلجنة رفيعة المستوى، كمسار جديد لا يختلف جوهره عن مبادرات المبعوثين السابقين. تدعم هذه المواقف نوعاً من فوضى تفكير لا تناسب مرحلة إعادة البناء، ولا تراعي انخفاض مستوى نضج المؤسّسات وغياب الكتل السياسية المستقرة.

وعلى الرغم من النضج النسبي لقوانين الانتخابات، ترتبط صعوبة الوصول إلى المرحلة المؤقتة الجديدة بثلاثة مصادر. فمن وجهة أساسية، يرتبط استمرار عيوب التشريعات الليبية فترة ما بعد 2011 بتحيّز المُشرع أو رغبته في تأمين الانتخابات.

فيما يتعلق بالوضع الحالي، ترجع الأخطاء الشكلية والحسابية، وفقاً لبيان المفوضية الوطنية، إلى تعدّد أشكال الضغوط على اجتماع اللجنة في بوزنيقة (المغرب)، أو الموضوعية، كما في احتجاج نواب من مجلسي الدولة والنواب، 54 و61 على الترتيب، بالإضافة إلى حزب العدالة والبناء وعدد من القيادات العسكرية في طرابلس ومصراتة بعدم إلزامية أعمال اللجنة، ومطالبة 17 حزباً (إسطنبول في 19 و20 يونيو/ حزيران الجاري) بإلغاء إلزامية الجولة الثانية في حالة حصول المرشّح على أغلبية مطلقة، والتخلي عن شرط الأبوين الليبيين.

تبدو معوقات الانتخابات في تحوّل ليبيا إلى مناطق نفوذ متعارضة ومُقسمة ما بين حكومتين

أما المصدر الثاني للصعوبات، فهو ما يتعلّق بالصعوبات الإدارية، فإنه وفي ظل توقع صعوبة تشكيل حكومة جديدة، يساعد إدراج النائب العام، في مايو/ أيار الماضي، مراجعة سجل المدن من 89 ألف رقم وطني، تم منحها لأفراد بطرقٍ غير قانونية على ضبط الترشيح لرئاسة الدولة، لكنه، في الوقت نفسه، يتلاقى مع عوامل تأجيل الانتخابات وإثارة مشكلات الحقوق السياسية.

ورغم توقّع محدودية تأثيرها، حيث يمثلون 3% من إجمالي الناخبين تقريباً، يرتبط موقف السلطة بجانبين، يتمثل الأول في تطبيق المادة 17 من قانون الانتخابات التشريعية والمتعلقة بالوالدية لأبوين ليبيين، وحساسية المجتمعات الجهوية لتغير التركيبة السكانية، وخصوصاً مع تداخل الغرباء مع الشأن السياسي، وتمتعهم بالميزات والخدمات العامة.

فيما ينحدر المصدر الثالث من عيوب تفكّك الإرادة السياسية وتدهور حماية القانون. شكّل هذا المناخ حِزمة معوّقات، تبدو معوقات الانتخابات في تحوّل ليبيا إلى مناطق نفوذ متعارضة ومُقسمة ما بين حكومتين، بجانب تقاسم الجماعات المحلية للمؤسسات القاعدية، وهنا، تمثل ملاحظة بتوجه عمل اللجنة لتجميع الإرادة الليبية والخروج بموقف وسط بين متناقضات لتجنب إحباط المسار السياسي، وتمهيد الطريق لعمليةٍ منفصلةٍ لتشكيل حكومة مؤقتة للإشراف على الانتخابات

على أية حال، ورغم وجود تطوّر نوعي في أداء التشريعات الليبية، يتوقّف الوصول إلى الانتخابات على مدى تماسك مواقف الليبيين في مواجهة القيود الخارجية، فالمحصلة السياسية هي نتيجة قدرة الليبيين على الاستجابة للملاحظات الفنية والإجرائية، وتجاوز محاولات البعثة الأممية وروابطها الغربية للوصول إلى طرح أفكار لا تراعي اضطراب البيئة السياسية وتتجاهل الحل المُمكن. ويمثل التأييد العام للجنة فرصة لتفسير القصد التشريعي في النقاط الخلافية وتجنّب فتح القانون للنقاش مرّة أخرى.

________________

مواد ذات علاقة