إسلام الأطرش

متخصصون يعتبرون إنشاء مدرج في محيط المعلم الأثري تشويهاً لتحفة معمارية ومسؤولو المدينة القديمة يرونه مناسباً للجلوس والتأمل.

يعد قوس ماركوس أوريليوسأحد الشواهد الثمينة التي تربط ليبيا بتاريخها العريق، إذ يعود تاريخ بنائه للقرن الثاني الميلادي، تخليداً لذكرى الإمبراطور الروماني الذي حكم روما في الفترة بين عامي 161 و180 ميلادية، وحالياً يعمل جهاز المدينة القديمة بطرابلس على إنشاء مدرج أسمنتي وسط القوس العتيق مما يهدد بتشويهه، بحسب علماء آثار ومتخصصين.

على مدى الحقب المتتالية طرأت على المدينة العتيقة بطرابلس الليبية بعض التغيرات، فتحولت بعض مقار البنوك الإيطالية إلى مصارف محلية، بينما أطلقت مبادرات عدة بقصد المسارعة في إنقاذ الطابع التاريخي للمدينة، وانتقد المندوب السابق لليبيا في منظمة يونيسكوحافظ الولدة بناء مدرج في محيط قوس ماركوس أوريليوسمن دون إجراء دراسة تقييم الأخطار على القوس وترميمه وصيانته.

وقال الولدة لـاندبندنت عربيةإن بناء مدرجات أسمنتية وحجرية لا تناسب قوس نصر رومانياً ذا أربع واجهات ويتعارض مع تنظيم الزوار، مشيراً إلى أنه من المفترض إنشاء مسارات واضحة ولافتات لتوجيههم وتزويد لوحات إعلامية بالحقائق التاريخية والسياق حول القوس، وكذلك إنشاء مناطق مخصصة للاصطفاف والانتظار، مما يضمن التدفق السلس وتثبيت مناطق جلوس للزوار للراحة والاستمتاع بالمناطق المحيطة بالقوس وليست مدرجات تساعد على الازدحام.

وأضاف أن لغياب ممارسات الحفظ الدورية عواقب وخيمة على المعالم المعمارية الأثرية الفريدة ويؤثر في عمرها، وهو ما يتجلى في معلم قوس ماركوس أوريليوس، إذ إنه لم يرمم منذ عام 1936 مما أدى إلى التدهور المادي للهيكل نفسه مع تعرضه للعوامل البيئية مثل الرطوبة وارتفاع نسبة الأملاح بالمياه الجوفية.

واستطرد أن تطوير قوس النصر الروماني ماركوس أوريليوس بطريقة غير صحيحة سيكون له تأثير سلبي في سمعة ليبيا من حيث الحفاظ على التراث وحمايته، وسيؤدي إلى ضرر لا رجعة فيه لتلك التحفة المعمارية، مشدداً على ضرورة التزام الجهات المعنية الضوابط التي تنظم ترميم المباني الأثرية وصيانتها.

ونوه بأن قوس ماركوس أوريليوسفي طرابلس هو المعلم الوحيد المتبقي من مدينة أوياالقديمة، معتبراً أن الأعمال الجارية حالياً حول القوس مخالفة صريحة لقانون حماية الآثار.

فضاء ثقافي 

ولا يعد قوس ماركوس أوريليوسمعلماً تاريخياً فحسب، بل مساحة ثقافية نابضة بالحياة تحتضن مختلف التجارب الفنية والثقافية، إذ تنظم فيه معارض فنية وعروض موسيقية ومسرحية، مما يعزز دور المدينة في السياحة الثقافية والتاريخية.

تقول عضو لجنة إدارة المدينة القديمة هاديا قانا لـاندبندنت عربيةإن المشروع الحالي ليس مختصراً في مدرج بمحيط قوس ماركوس، والتطوير يحدث منذ اكتشافه، وكان مستعملاً من قبل السكان كمتجر أو سينما بحسب الفترات، بالتالي فالمشروع الحالي هو امتداد للتطورات القديمة“.

وتبرر قانا تلك التعديلات بأسباب عدة منها تحويل حديقة القوس المهملة إلى متحف مفتوح وفضاء عام مريح للجلوس والتأمل، كما أن إنشاء المدرج في حديقة القوس والممر الجانبي يهدف إلى توجيه الزوار وابتعادهم من المبنى الأثري

وتضيف، افتتح القوس عام 1936 للزوار والوفود والاحتفالات، مما تسبب في تهالك الأرضيات الرومانية، لذا رأينا أن أفضل طريقة لإبعاد الزوار هي توفير بديل مريح والتوعية بدلاً من النهي والتهديد بالعقاب“.

وحول استعمالهم الآليات الثقيلة قالت قانا إن كل الآليات المستعملة بموافقة مصلحة الآثار وتحت إشرافها، فالقطع الرخامية تزن أطناناً فما هي الآليات التي يمكن استعمالها للنقل؟، وتابعت أن الآليات دخلت وباشرت العمل في حديقة القوس وليس في حرمه، بينما تمت أعمال الإزالة بشكل يدوي.

وأكدت أن تطوير قوس ماركوس الحالي مدروس وصحيح، إذ إن شركة إيطالية أجرت دراسة عام 2010، ثم أعيدت مراجعتها لتناسب العصر الحالي بشكل أكثر تلاؤماً، وأبدت دهشتها من الانتقادات الموجهة إليهم بسبب الأعمال الجارية، قائلة إن القوس سيكون فضاء حضارياً ثقافياً يجمع بين الآثار والتاريخ.

وحاولت اندبندنت عربيةالحصول على توضيحات إضافية من مصلحة الآثار في حكومة الوحدة الوطنية الموقتة، لكن المسؤولين رفضوا التعليق على الموضوع.

حملات توعوية 

في المقابل، أطلق عدد من النشطاء المهتمين بالآثار حملة بعنوان إنقاذ قوس ماركوس أوريليوسلإيمانهم بأهمية الحفاظ على التراث وحمايته من أي تدخلات قد تؤثر سلباً في قيمته التاريخية، بينما يستعدون لتقديم عريضة حول التخريب الذي طاول المكان.

من بين النشطاء المصورة هبة شلابي، البالغة من العمر 40 سنة التي جالت في شوارع المدينة القديمة بطرابلس ووثقت بعدستها حال الإهمال التي تعانيها بعض المباني القديمة والمعالم الأثرية والتاريخية، بما في ذلك عملية ترميم قوس ماركوس، وبعد ذلك أطلقت حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بوسم “#أنقذوا المدينة القديمة طرابلس.

وتقول شلابي لــاندبندنت عربية، انطلقت الحملة على تويتر أثناء جولاتي للتصوير في المدينة القديمة والتقاط صور للمباني التاريخية المهملة والمساحات الواسعة المتهدمة. شعرت بصدمة لا توصف حينما شاهدت أقواساً متهالكة بسبب الإهمال في الصيانة أو تضررها بفعل سيارات مرتفعة تسببت في هدم أجزاء منها. وصارت بعض البيوت القديمة تحوي تجمعات للقمامة، مما يعرض موروثنا الثقافي والتاريخي والأثري للخطر“.

وأوضحت أن هدف الحملة تسليط الضوء على وضع المدينة القديمة والكشف عن حجم الإهمال والتخريب والتشويه والهدم الذي تعرض له تاريخنا القيم وإيقاظ الجميع من غفوتهم، بخاصة الجهات المسؤولة عن حماية هذا التاريخ“.

____________

مواد ذات علاقة