أزاح تحقيق لصحيفة إسبانية الستار عن العلاقة التي تربط المافيا المسؤولة عن المركب الذي غرق قبالة شواطئ اليونان مع الجنرال الانقلابي الليبي خليفة حفتر، الذي تريد بعض دول الاتحاد الأوروبي التفاوض معه للحد من الهجرة غير النظامية

ولقي مئات الأشخاص مصرعهم حين انقلب مركب صيد انطلق من شرق ليبيا وعلى متنه 750 شخصا متوجها إلى إيطاليا في 14 يونيو/ حزيران 2023، قبل أن يغرق على مسافة 57 ميلا بحريا من مدينة بيلوس جنوبي اليونان.

تحقيق كاشف

وقالت صحيفة الباييسفي تحقيق مشترك مع مجلة دير شبيغل الألمانية ومنظمة لايت هاوس ريبورتالمدافعة عن حقوق المهاجرين، إن شوارع مدينة طبرق، المدينة الساحلية في شرق ليبيا، كانت خالية خلال ليلة 9 يونيو 2023.

وقبلها بأيام قليلة، فرض في المدينة حظر تجول لشن عملية تستهدف المتورطين بالاتجار بالبشر وتهريب المخدرات.

لكن، خلال تلك الليلة، ومن شواطئ نفس المدينة الساحلية، أبحر قارب صيد، تحت اسم أدريانا، سرا ودون مواجهة أية معارضة، وعلى متنه 750 شخصا، بين رجال ونساء وأطفال.

في الحقيقة، كانت هذه هي السفينة التي غرقت بعد أربعة أيام، في 14 يونيو، قبالة مدينة بيلوس الساحلية، في المياه الإقليمية اليونانية، ولم ينج من الغرق سوى 104 أشخاص.  

وكشف التحقيق عن شبكة تهريب المهاجرين التي نظمت الرحلة ووجدت أدلة على أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بخليفة حفتر، الذي يهيمن على شرق ليبيا والذي تريد بعض الدول الأوروبية التفاوض معه لوقف الهجرة غير النظامية.

وبعد أيام من غرق السفينة أدريانا، كشف تحقيق آخر تابع للباييس مع نفس الشركاء عن جهود خفر السواحل اليوناني التي تهدف إلى إخفاء الدور الذي لعبته في الحادثة.

وفي هذا الصدد، فتحت المحكمة البحرية اليونانية تحقيقا لتغطي على المسؤولية المحتملة لخفر السواحل. لكن حتى الآن، لم يتخذ أي إجراء ضد المتورطين على الرغم من وجود دلائل تدينهم

وأشارت الصحيفة إلى أن الاعتقالات الوحيدة كانت لتسعة مصريين إلى حد الآن، إلا أنهم يعدون مجرد جزء من أحجية شبكة الاتجار بالبشر التي نظمت هذه الرحلة المميتة.

ويتهم المعتقلون بارتكاب ست جرائم تشمل: الاتجار غير المشروع بالأجانب، وتشكيل منظمة إجرامية، والتسبب في غرق سفينة، كما أنهم الآن رهن السجن الاحتياطي

في الأثناء، لم ترد وزارة النقل البحري وسياسة الجزر اليونانية على أسئلة هذه الصحيفة فيما يتعلق بالقضية لأنها تحقيق جنائي سري للغاية، وفقا لإرشادات مكتب المدعي العام للمحكمة العليا، حسب ما أشاروا من مكتبهم الصحفي.

ومع ذلك، فإن المصادر والوثائق التي تمكنت الباييس من الوصول إليها مع فريق لايت هاوس ريبورت تكشف أن رحلة أدريانا ليست حدثا منعزلا.

بل تتعلق بنشاط مزدهر لتهريب المهاجرين على الساحل الشرقي لليبيا، وأن المسؤولين عن هذه المافيا يتصرفون تحت حماية عائلة حفتر.

في هذا السياق، أدلى ما يصل إلى 17 من الناجين من غرق السفينة بشهاداتهم، وكشف العديد منهم عن أسماء المهربين المشاركين في تنظيم الرحلة من طبرق.

ومن بين أفراد العصابات المذكورين، لم يبحر أي منهم على متن سفينة الموت، بل إن بعضهم في الأصل من شرق ليبيا ولديهم صلات بعناصر من القوات البحرية في تلك المنطقة من البلاد.

مافيا حفتر

ونقلت الصحيفة أن من بين الأسماء التي تكررت أكثر من غيرها في شهادات الناجين، يبرز محمد سعد الكحشي المنفي .

وقد أكدت ثلاثة مصادر مختلفة، من بين الناجين من حادثة الغرق، أنه شخصية أساسية في عملية الاتجار بالبشر.

أولا، يعد من الناجين، وهو أيضا من عناصر المافيا، لكن له أهمية أقل نوعا ما، كما أنه مخبر داخلي له معلومات مميزة.

ويقول ناجِ من غرق السفينة طلب عدم ذكر اسمه عن الكحشي: “هو الذي أصدر الرخصة التي تسمح للقارب بالإبحار في المياه الليبية“.

وبحسب شهود العيان: “يعمل الكحشي في وحدة خاصة من البحرية تسمى الضفادع يقودها أحد أقاربه، المدعو بحر التواتي المنفي. ويخضع هذا العنصر بدوره لأوامر مباشرة من خليفة حفتر“.

وأوضح هذا الشاهد أن جميع رحلات القوارب جرت بإشراف صدام حفتر، نجل خليفة حفتر“. وتكمن أهمية رجال الضفادع في أنه لا يمكن لأي سفينة أن تدخل أو تغادر الشواطئ والموانئ الليبية دون موافقتهم.

ويقول هذا المصدر: “إما أن يقود صدام العملية بنفسه أو أن يسندها إلى إحدى وحدات الضفادع“.

في الأثناء، يتلقى خفر السواحل الليبي أموالا مقابل إطفاء الرادارات البحرية التي تكشف تحركات السفن، ما يسهل خروج سفن المهربين

وفي نفس السياق، يؤكد جلال حرشاوي، الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، أن: “السفينة التي غرقت في اليونان أبحرت من مصر وعبرت المياه الإقليمية الليبية إلى طبرق وغادرت مرة أخرى من تلك المدينة الليبية. وبشكل عام، لا يمكن لهذا النوع من العمليات أن يحدث إلا بموافقة البحرية التي يسيطر عليها حفتر“. 

ونقلت الباييس عن خمسة ناجين من حادثة الغرق، سافروا من سوريا إلى ليبيا عبر الطائرة، للإبحار على متن قارب الصيد في طبرق، أن عملية خروجهم من المطار العسكري في بنغازي، المدينة الرئيسة في شرق ليبيا، كانت سهلة للغاية وذلك بفضل مساعدة الضباط المشرفين على العمل هناك“.

ويصف أحدهم قائلا: “في المطار، أخذ شخص جواز سفري، وذهب إلى مكتب الهجرة، ووضع ختما عليه واصطحبنا إلى الخارج“. 

خلال ليلة مغادرة أدريانا، في ظل حظر تجول كامل، قال ناجون آخرون إنهم نُقلوا مع مئات الركاب الآخرين إلى خليج صغير شرق طبرق دون عراقيل، ثم صعدوا على متن السفينة.

أسئلة جدية

وأضافت الصحيفة أن حفتر يسيطر على المناطق الشرقية من ليبيا، حيث إن له صلاحيات وقوة تعادل صلاحيات رئيس دولة.

ويصف حرشاوي قائلا: “يتعين على جميع العناصر المسلحة إبلاغ حفتر بطريقة ما لأن لديه القدرة على نشر نفوذه في جزء كبير من مناطق برقة“.

ويواصل قائلا: “لا يستطيع حفتر أن يقول إنه لا يعرف ما الذي يحدث. ولا يمكنه إنكار تورطه“. 

من جانب آخر، يشير بابلو ساباغ، الباحث في الاتصالات والنزاعات المسلحة بجامعة كومبلوتنسي بمدريد، إلى أن هذه الفترة تتزامن مع وقت أقل عنفا بسبب توصل الجماعات المسلحة إلى اتفاق يتم بموجبه توزيع المخارج إلى الموانئ وطرق النفط وطرق الاتجار بالبشر وما إلى ذلك

ويضيف ساباغ: “خلال فترة عدم الاستقرار العسكري الكبير في ليبيا، بين عامي 2012 و2018، كانت عمليات الاتجار بالبشر أكثر صعوبة بسبب الظروف الأمنية“.

ويضيف قائلا: “منذ سنتي 2021 و2022 ارتفع عدد ضحايا الاتجار بالبشر بشكل كبير“. ويفسر ذلك بحالة الاستقرار الجزئي في البلاد

وأوردت الصحيفة أن هذه النتائج تثير أسئلة جدية حول سياسات منع الهجرة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي سبق لها أن اتفقت مع حكومة الوحدة الوطنية غرب ليبيا وبدأت الآن محادثات مع حفتر.

وأضافت الباييس أن الاتحاد الأوروبي على دراية بأن السلطات في شرق ليبيا تستفيد من تهريب المهاجرين.

في الواقع، تُظهر وثيقة داخلية للحكومة الألمانية أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي قد أُبلغوا قبل أشهر بزيادة التدفقات الخارجة من شرق ليبيا، واصفة إياها بأنها مصدر مربح للدخل بمشاركة حكام شرق ليبيا“. 

____________

مواد ذات علاقة