بيير بوسيل

إثر التقارير عن استغلال المهاجرين على نطاق واسع، تبذل السلطات الليبية في طرابلس وطبرق جهودًا تستهدف قمع التهريب.

لا تمارس تقارير المنظمات الدولية التي تدق ناقوس الخطر تأثيرًا يُذكَر على تدهور الظروف المعيشية لأكثر من 700 ألف مهاجر في ليبيا.

ففيما يأمل كثرٌ في الوصول إلى الاتحاد الأوروبي، يحمل عبور المتوسط خطر الموت: حيث لقي نحو 2000 شخص مصرعهم أو فُقِدوا في البحر منذ مطلع العام الجاري.

في تموز/يوليو الماضي، توسّل السوريون على متن أحد قوارب التهريب إلى الربّان ليعود أدراجه حين بدأ المركب بالغرق، على الرغم من أن ذلك يعرّضهم لخطر اعتقالهم على أيدي خفر السواحل الليبية الذين عمدوا إلى زيادة دورياتهم بحيث بات بعض المهاجرين يُرغَمون على العودة من حيث أتوا مرات عدّة قد تصل إلى عشر مرات قبل وصولهم إلى أوروبا.

ينقل الجهاز الليبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية المهاجرين عند توقيفهم إلى مراكز الاعتقال مثل بئر الغنم وغريان وعين زارة وطريق السكة والمبني.

وتبلّغ المنظمات غير الحكومية بانتظام عن حالات تعذيب واعتداءات جنسية، وقد وجد محققو الأمم المتحدة أن بعض المهاجرين يُقدِمون بدافع اليأس على الانتحار شنقًا أو بشرب الشامبو.

أحيانًا تدفع عائلات المهاجرين رشاوى تصل قيمتها إلى 5000 دولار أميركي لقاء الإفراج عنهم وخروجهم من مراكز الاعتقال.

في آذار/مارس 2023، أوردت بعثة تقصّي حقائق تابعة للأمم المتحدة أن استغلال المهاجرين في ليبيا يشكّل انتهاكًا للقانون الدولي، وقدّمت أدلة على ارتكاب الميليشيات المسلحة والأفرقاء الحكوميين جرائم ضد الإنسانية.

وأشار التقرير إلى أن التهريب، والتجارة غير الشرعية، والاستعباد، والعمل القسري، والسجن وابتزاز المهاجرين تولّد إيرادات طائلة للأفراد والمجموعات المسلّحة والمؤسسات الحكومية، بما في ذلك كيانات الدولة الليبية التي تحصل على تمويل كبير من الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية.

في حين نفى الاتحاد الأوروبي مساعدته للمهرّبين في ليبيا، أطلقت السلطات الليبية – الحكومة المعترف بها دوليًا في طرابلس، والحكومة التي تتخذ من طبرق مقرًّا لها في شرقي البلاد على السواء – مبادرات جديدة في مسعى لمكافحة التهريب وإظهار أنها تتبع سياسة مسؤولة في موضوع الهجرة.

يأتي معظم المهاجرين في ليبيا من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولكن في شرقي البلاد، تُمارَس ضغوط إضافية عن طريق الحدود المصرية التي يمرّ عبرها مهاجرون من بنغلاديش وباكستان وغيرهم من المهاجرين الآسيويين.

في البرّ، تنفّذ القوات المحلية عمليات لهدم مستودعات التهريب؛ وفي البحر، تحدّثت تقارير عن عمليات لإعادة المهاجرين بقيادة لواء طارق بن زياد، وهو تنظيم ميليشياوي يقوده صدام حفتر، نجل خليفة حفتر .

ربما يتخذ نظام حفتر، على الرغم من عدم الاعتراف به على الساحة الدولية، هذه التدابير لمكافحة التهريب من أجل الحصول على التمويل الأوروبي من جملة أمور أخرى.

أما السلطات في طرابلس فقد لجأت من جهتها إلى الإجراءات القانونية لتتميز عن الحكومة في طبرق.

وقد أعلن مكتب المدعي العام الليبي في الآونة الأخيرة إدانة 38 مهرّبًا أرسلوا 11 مهاجرًا إلى حتفهم المؤكّد في قارب مشؤوم.

ولكن طرابلس لجأت أيضًا إلى القوة في قمع التهريب:

ففي أيار/مايو الماضي، شنّت الحكومة عمليات عسكرية في منطقة الزاوية غرب البلاد لتفكيك مخيّمات المهاجرين غير الشرعيين الخاضعة لسيطرة المهرّبين.  ووفقًا للتقارير، دمّرت الهجمات بالطائرات المسيّرة سبعة قوارب لتهريب المهاجرين، وستة مستودعات لتهريب المخدرات وتسعة صهاريج لتهريب الوقود“. واتخذت السلطات في طرابلس أيضًا إجراءات لمرافقة المهاجرين في طريق عودتهم إلى أوطانهم الأم، ولطرد مئات المصريين والتشاديين والسودانيين إلى بلدان ثالثة، مثل رواندا أو غامبيا.

يبقى أن نرى إذا كانت هذه المبادرات ستنجح في إقناع شركاء ليبيا، أي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة.

ويواجه هؤلاء الشركاء أيضًا تحدّي إرساء توازن دبلوماسي صعب يتمثل في ممارسة الضغوط على المسؤولين الليبيين في الشرق والغرب على السواء من أجل احترام حقوق الإنسان، من دون تقويض المبادرات الحكومية.

ولكن في مواجهة الأزمات الإقليمية، من المؤكّد أن السلطات الليبية ستخضع باستمرار لمحك الاختبار.

فالنزاع الدائر في السودان المجاور دفع بأعداد كبيرة من اللاجئين إلى محاولة عبور الحدود.

لا تعرف السلطات السودانية ولا الليبية عدد الأشخاص الذين لقوا مصرعهم خلال هذه المحاولات، هذا فضلًا عن أن كثرًا من الأشخاص الذين كُتِبت لهم النجاة يجدون أنفسهم الآن عالقين عند الحدود.

طالما أن ليبيا مقسّمة، ستبقى غير مجهّزة كما يجب للتعامل مع هذه الموجات المفاجئة وغير المتوقعة من اللاجئين، ما يمنح المهرّبين السيطرة القصوى في هذا المجال.

***

بيير بوسل باحث معاون في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية (Foundation for Strategic Research)، حيث يركّز في عمله على العالم العربي والتطرّف. يُقيم في شمال أفريقيا منذ عام 1999، وقد نُشِرت أبحاثه وتحاليله من قبل مراكز للسياسات العامة في أوروبا والولايات المتحدة والخليج.

__________

مؤسسة كارنيغي

مواد ذات علاقة