عبدالله الكبير

تعجز الكلمات عن وصف هول الكارثة، وتقصر مفردات اللغة عن ترجمة مشاعر الحزن والألم، آلام الفقد المفاجئ، لمن كانوا قبل ساعات، يتسامرون ويضحكون قبل أن يخلدوا للنوم، على وقع أمطار غزيرة ظنوا أنها كتلك المألوفة في مواسم الخصب، وقد وطّنوا أنفسهم على الاستيقاظ في صباح يوم جديد مترع بالشوارع المغطاة ببرك المياه.

ما يضاعف الحزن والألم هو ضعف استعدادات الاستجابة للكارثة، إذ كان بالإمكان التقليل من حجم اضرارها، وصون الأرواح، باتباع السبل الصحيحة في إدارة الازمة، لأن موعد وصول الإعصار إلى الشاطئ الليبي معروف، ومساره معروف، كما يعرف الجميع أن غزارة الأمطار ستبعث الوديان من مرقدها، وسوف تتدفق السيول الجارفة لكل ما يقع في طريقها، ويعرف الخبراء والمهندسون أن السدود متصدعة، مهددة بالانهيار إذا تجاوزت المياه المحتبسة حدود الاحتمال.

فالدراسة العلمية المنشورة بدورية جامعة سبها العام الماضي، حول سدي وادي درنة، أطلقت إشارات التحذير، ومن المفارقات العجيبة أن بيت درنة الثقافي، عقد ندوة علمية تحت عنوان وادي درنة.. تبعات الإهمال و مخاطر الانهيارات ، قبل الكارثة ببضعة أيام، ما يعني أن هناك أصوات حذرت ولكن السلطات الفاشلة المستبدة لم تستمع، أو سمعت ولكنها لم تأخذ التحذيرات على محمل الجد لقصورها عن تحمل المسؤولية.

ندرك أن كل التركيز في اللحظة الراهنة، يتعين أن يصب في جهود الإنقاذ والاغاثة، وانتشال جثامين من قضوا، فلا شئ يعلو الآن عن بذل كل الجهود، وتسخير كل الإمكانيات لإنقاذ الضحايا، ومعالجة كل آثار وتداعيات الكارثة الكبرى، غير المسبوقة في تاريخنا المعاصر، فكل الكوارث الطبيعية السابقة،  كفيضانات الوادي في العقود الماضية، وزلزال المرج، تتضاءل أمام هول كارثة اعصار دانيال، ونتائجه المروعة.

وبعد ذلك ستأتي لحظة المحاسبة، إذ لا يمكن لهذا الحدث أن يمضي دون أن نعرف الإجابة على الكثير من الأسئلة

كيف كانت الاستعدادات لمواجهة وقائع إعصار معلن؟

كيف جرت إدارة الأزمة؟

وهل كانت لجنة إدارتها في مستوى المسؤولية؟

وهل كانت على دراية بالمهمة العسيرة ذات الأبعاد المتعددة؟

هل كان باللجنة خبراء لديهم المعرفة والخبرة لإدارة الأزمة في مراحلها الثلاث؟

وهل في قيادتها شخصية وطنية مشهود لها بالخبرة والكفاءة؟ أم ترأسها طفل عابث فاشل لم يحقق أي نجاح في حياته سوى الاستيلاء على أموال المصارف؟

ستقودنا الإجابات حتما إلى أصل البلاء في بلادنا هذه السنوات، ستنتهي بنا إلى

السلطة الغاشمة التي عرقلت التحول الطبيعي نحو نظام أكثر عدلا، بعد ثورة فبراير، الإعصار المقيم في شرق ليبيا، الذي منع الحكومات من العمل هناك، وسد كل السبل أمام الشباب لبناء حياتهم، فاتحا لهم طريقا واحدا يؤدي إلى الموت في حروبه العبثية.

هذا هو الإعصار الذي يتعين علينا أن نتخلص منه، أن نجثثه من أرضنا ونلحقه بإعصار دانيال العابر.

__________

مواد ذات علاقة