رابعامقترحات بتعديلات شكلية على قانون باطل

كان من المؤسف أن مجلس النواب الليبي تقاعس مرة أخرى عن الامثال لالتزامه الدستوري بسن تشريع جديد يضمن حرية واستقلال المجتمع المدني في ليبيا، فقرر العودة لقانون 19 لسنة 2001، مكتفيًا باقتراح تعديلات شكلية عليه تتلخص فقط في تغيير مسمى الجهة الإدارية التي ستتولى قمع الجمعيات، لتصبح (المفوضية العامة للمجتمع المدني) بدلًا من (اللجنة الشعبية العامة أو مؤتمر الشعب العام) وذلك دون أي تغيير يذكر في طبيعة الصلاحيات الواسعة غير الدستورية المخولة لهذه الجهة.

فبحسب التعديل الذي اقترحه بعض أعضاء مجلس النواب، هذه المفوضية الجديدة، ذات الشخصية الاعتبارية والميزانية.

المستقلة، ستتبع السلطة التشريعية وتختار رئاسة مجلس النواب أعضائها. وستتولى منفردة، دون إبداء أسباب أو أذن قضائي، قبول أو رفض تسجيل الجمعيات، إيقاف أو حل الجمعية، إلغاء قرارات مجلس إدارة الجمعية وتبديله، والموافقة المسبقة على أي نشاط أو تمويل للجمعية. كما تختص المفوضية بمنح كافة الأذونات، وإتمام الإجراءات القانونية والإدارية، والإشراف والمتابعة للجمعيات والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية.

ومرة أخرى، الصلاحيات الواسعة والقمعية، لا تعصف فقط بحرية واستقلال العمل الأهلي المصونة بموجب الإعلان الدستوري، وإنما تخالف مبادئ حرية التنظيم التي أقرها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وضمانات حرية تكوين الجمعيات حسب المادة (10/1) من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

كما تخالف بشكل جذري المعايير الأساسية الواجبة في أي قانون وطني منظم للعمل الأهلي، والواردة في تقرير المقرر الخاص الأممي المعني بحرية التنظيم الصادر في مايو 2012.

كما أن هذا القانون الوطني ما زال فاقدًا لشرعيته باعتراف السلطة القضائية الليبية، وذلك بموجب الطعن الدستوري رقم 57/01 الصادر في ديسمبر 2013، والذي أوضح أن «الاتفاقية الدولية التي صادقت عليها السلطات التشريعية الليبية تعلو على القانون الوطني. وفي حالة التناقض بين القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية، يجب تطبيق أحدث (اتفاقية دولية) مباشرةً أمام المحاكم الوطنية».

خامساقانون جديد ينظم الحق في حرية تكوين الجمعيات

يعتبر مركز القاهرة أن أي قانون وطني ينظم عمل الجمعيات في ليبيا ينبغي أن ينطلق بالأساس من الحقوق المدنية والسياسية التي يكفلها العهد الدولي وتلتزم بها ليبيا، ويتماشى مع الحق في حرية التنظيم المكفول دستوريًا بموجب الإعلان الدستوري 2011، ويتوافق مع تفسيرات لجنة حقوق الإنسان التابعة للمفوضية السامية، خاصةً في طبيعة القيود أو الاستثناءات التي يجوز فرضها عليه وتوجيهات المقررين الخواص المعنيين بحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات بالأمم المتحدة.

وفي هذا السياق، كانت مبادرة المنظمات الليبية باقتراح مشروع لتنظيم الحق في تكوين الجمعيات يضمن حريتها واستقلالية عملها، ويعيد للسلطة التشريعية قبضتها على تنظيم هذا الحق بعيدًا عن قرارات ولوائح السلطات التنفيذية في الشرق والغرب التي تستهدف قمع المجتمع المدني والانتقام من العاملين فيه.

مقترح قانون الجمعيات المدنية صاغته لجان ليبية متخصصة، وخضع للمراجعة والتعديل عدة مرات على مدى 10 سنوات من جانب خبراء ليبيين ودوليين، ودارت حوله مناقشات متعمقة بين الخبراء والمسئولين ذوي الصلة، وتم طرحه للتوقيع والتأييد من جانب المنظمات والجمعيات الليبية واكتسب الكثير من التأييد. وفي يونيو2021 تم تقديمه للجنة التشريعية لمجلس النواب بغية مناقشته وإقراره في الجلسة العامة. ورغم مرور ما يقرب من عامين على ذلك؛ لم تتلق المنظمات المقدمة للمقترحة أي رد من البرلمان.

يضمن مشروع القانون المقترح الحق في تأسيس المنظمات بنظام الإخطار البسيط، ويحمي المنظمات من الحل التعسفي، ومن تدخل الدولة والأجهزة الأمنية في عملها، ويكفل حق وصول المنظمات للتمويل أو التواصل والتعاون مع الجهات الدولية والأممية، مع وضع اللوائح المناسبة لضمان الشفافية والمساءلة.

كما ينص القانون المقترح على تشكيل «مفوضية دعم ورعاية شئون المجتمع المدني» وهي هيئة إدارية تنظيمية مستقلة تضمن ممارسة حق تكوين الجمعيات والتجمع السلمي باستقلال وحرية. كما أدخل المشروع حق تقديم العرائض، مكلفًا السلطات الليبية بالرد على العرائض الشعبية المقدمة من المنظمات والمواطنين.

وإذ يعلن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان انضمامه ودعمه لهذه المبادرة، يدعو منظمات المجتمع المدني الليبية الأخرى للانضمام والمشاركة في مراجعة مشروع القانون المقترح، وتبادل الرؤى حوله بهدف تطويره وتحسينه، وتبنّي مطالبه، والضغط من أجل اعتماده من جانب السلطات التشريعية الليبية.

ويطالب السلطات التشريعية الليبية بسرعة تبني قانون يضمن حرية واستقلال العمل الأهلي وتكوين الجمعيات بعد تأخره لأكثر من 10 سنوات، وترك المجتمع المدني فريسة لقمع الجهات التنفيذية.

____________

مواد ذات علاقة