حين هزمت قوات الحكومة الشرعية في طرابلس، المتمرد الانقلابي خليفة حفتر، وهو يزحف على العاصمة الليبية وردته بهزائم متتالية حتى وصلت مدينة سرت، خرج رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي ليعلن أن سرت خط أحمرلمصر.

وفي 20 يونيو/ حزيران 2020، زعم السيسي أن تجاوز قوات الحكومة الشرعية في طرابلس مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية الليبية يعد بمثابة تجاوز للخط الأحمر بالنسبة مصر وأمنها القومي“.

لكن بعد سنوات قليلة وبعدما ظهرت نوايا الاحتلال الإسرائيلي في تهجير الفلسطينيين خارج بلادهم، بإبعادهم حتى رفح قرب الحدود المصرية، التزم السيسي الصمت التام“.

وحذرت قوات الاحتلال سكان غزة (الذين طالبتهم سابقا بالانتقال من الشمال للجنوببأن عليهم أن يتجهوا غربا، أي إلى رفح قرب الحدود المصرية، ما يعني أن العدوان على غزة أصبح يهدد أمن مصر القومي بشكل مباشر“.

هذا التطور يشير ليس فقط لنية الاحتلال مهاجمة جنوب غزة بريا، بعدما بدأ القصف الجوي، بل ودخول دباباته إلى الغرب (رفح) أيضا، عقب قصفه أيضا.

وسيترتب على هذا انتقال القتال قرب الحدود المصرية مباشرة وتهجير المدنيين الفلسطينيين مجددا، الذين لن يجدوا أمامهم سوى معبر رفح، ما قد يضطرهم لدخول سيناء هربا من نيران الطيران والدبابات الإسرائيلية.

عداء الإسلاميين

لم يكن اجتياح قوات حكومة طرابلس الشرعية مناطق سيطرة الانقلابي حفتر، حتى وصولها إلى خط سرت– الجفرة، يمثل خطرا على دولة مصر.

ولكن نظام السيسي، الذي يخشى سيطرة حكومة ثورة ليبيا على الحكم ومشاركة إسلاميين فيها، عد وصول ثوار ليبيا لمناطق حفتر قرب الحدود المصرية، خطرا على النظام“.

ولم تختلف علاقته مع حماس في غزة عن نفس السبب، وهو العداء للتيار الإسلامي، وهو ما ظل يمارسه حتى عام 2016، حين اضطرته حاجته لحماس لاحقا، لتحسين العلاقات معها.

واحتاج نظام السيسي حماس، كحاجز مقاومة بين مصر ودولة الاحتلال، كما سعى للاستفادة من دور للحركة في تحصين الحدود بين مصر وغزة، لمنع أي إمدادات من سلفيي غزة لتنظيم الدولة في سيناء.

وأكد هذا تقرير لصحيفة وول ستريت جورنالالأميركية، نقلت فيه عن مسؤولين مصريين كبار في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 أن السيسي رفض خطة عرضها عليه مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز، لإدارة الأمن في قطاع غزة بصفة مؤقتة“.

وأكدت نقلا عن مسؤولين مصريين أن سبب رفض السيسي هو أنه في حاجة إلى حماس للمساعدة في الحفاظ على الأمن على الحدود“.

في 16 نوفمبر 2023 أصدرت إسرائيل تحذيرا جديدا للفلسطينيين في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، طالبتهم فيه بالتوجه إلى الغرب (رفح) في مؤشر على أنها تخطط لمهاجمة حماس في الجنوب، بحسب وكالة رويترز“.

هذه الخطوة ستجبر مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين توجهوا جنوبا هربا من الهجوم الإسرائيلي على مدينة غزة في الشمال على الانتقال مرة أخرى، جنبا إلى جنب مع سكان مدينة خانيونس البالغ عددهم أكثر من 400 ألف نسمة.

وقال مارك ريجيف، وهو أحد مساعدي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لشبكة إم إس إن بي سي“: “نطلب من الناس الانتقال من جنوب غزة إلى رفح، بعدما طالبه قبل ذلك بالانتقال من الشمال للجنوب!

وحين سأله الصحفيون عن تكرار مطالبتهم بالنزوح من الشمال للجنوب ومن الجنوب للغرب قال: “أنا متأكد تماما من أنهم لن يضطروا إلى التحرك مرة أخرى إذا تحركوا غربا (…) زاعما أنه نظرا لقرب المناطق الغربية من معبر رفح الحدودي مع مصر، فمن الممكن إدخال المساعدات الإنسانية بأسرع ما يمكن“.

وتطرح هذه الخطط الإسرائيلية تساؤلات حول إذا ما كان الاحتلال يسعي، أو ينوي بالفعل لتنفيذ خطط التهجير تدريجيا

سواء عبر تهجير أهالي غزة لسيناء، بلا عودة، حسبما كشفت الاستقلال، أو تهجيرهم إلى القاهرة لا سيناء، وفق تقرير آخر لـالاستقلال“.

وهل يتم هذا بتواطؤ دولي ومصري، خاصة بعد أنباء مد الاتحاد الأوروبي لنظام السيسي بـ10 مليارات دولار، وزيادة صندوق النقد الدولي القرض من 3 إلى 5 مليارات وفق وكالة بلومبيرغفي 15 نوفمبر 2023.

وكانت آخر الاعترافات الإسرائيلية في هذا الصدد صدرت من وزيرة الاستخبارات جيلا جملئيل التي نشرت مقال رأي في صحيفة جيروزاليم بوست” 19 نوفمبر 2023 بعنوان: “النصر فرصة لإسرائيل في ظل الأزمة“.

ودعت جملئيل في مقالها بشكل صريح إلى خطة عالميةلإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين الذين سيتم دفعهم بطرق شتى إلى مغادرة قطاع غزة وتوطينهم خارج القطاع“.

وسبق لنشطاء إظهار السخرية والغضب من موقف السيسي بعد قصف إسرائيل معبر رفح عدة مرات دون حتى مجرد اعتراض من جانب مصر، مذكرين إياه بـأيام سرت والجفرة خط أحمر“.

انتقدوا قوله سرت الليبية خط أحمر، بينما يترك معبر رفح المصري خط أبيضتقصفه إسرائيل متى شاءت!

الأمر ذاته كرره وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال زيارة وفد من وزراء الخارجية العرب للصين لطلب دعمها لمنع إبادة غزة، ليبين أنه لا حيلة لمصر في فتح معبر رفح مع أنه ممر مصري، وتأكيده أن إسرائيل ماضيه في التهجير!

قال: “كانت هناك سياسة مُعلنة لتهجير الفلسطينيين من غزة، ولكن الموقف المصري والعربي القوي الرافض للتهجير كان بمثابة خط أحمر“.

زعم أن مصر تبذل كل جهد لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، ولكن سياسة إسرائيل في تعطيل دخول المساعدات هي سياسة ممنهجة تستهدف دفع الفلسطينيين لمغادرة القطاع تحت وطأة القصف والحصار“.

تحذيرات للسيسي

هذا الصمت المشبوه من جانب نظام السيسي علي خطط التهجير الصهيونية للفلسطينيين من شمال غزة لجنة اتفاقية فيلادلفياوبها ثم مطالبتهم بالانتقال إلى الغرب (رفح)، دفع قوى سياسية مصرية لمطالبة السيسي بالتحرك نظرا لان ما يجرى خط أحمرلأمن مصر.

الصحفي محمد سعد عبد الحفيظ عضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية كتب يقول إنه يجب على مصر أن تعلن أن رفح الفلسطينية خط أحمر قبل أن تستكمل إسرائيل مخططها بإجبار أهلنا في غزة على النزوح لحدود رفح المصرية“.

وحذر السيسي ضمنا من أنه حينها لن يكون أمام السلطة المصرية سوى فتح الحدود واستقبالهم في رفح المصرية لتحل النكبة الثانية، ملمحا باستغراب لصمت النظام على مخطط إسرائيل بالتهجير.

أيضا طالب حسن هيكلنجل الكاتب الراحل حسنين هيكل عبر تويتر، بسرعة تحرك مصر لفرض أمر واقع في شكل فتح المعبر في اتجاه واحد بدون موافقة إسرائيل.

وحذر نظام السيسي ضمنا من اضطرار الفلسطينيين للنزوح لمصر تحت وطأة القصف الإسرائيلي ودفعهم تجاه حدود مصر، قائلا إن النزوح سيحدث لأنه فيه في الآخر قدرة البني آدم على الاستيعاب والاستحمال“.

والغريب أنه في ظل صمت السيسي، استدعي برلمان السلطة رئيس مجلس الوزراء، يوم 21 نوفمبر 2023 للرد على طلبات إحاطة حول سبل مواجهة المخطط الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين من أبناء غزة إلى شمال سيناء وآليات المواجهة“!

وكتب الإعلامي ونائب البرلمان مصطفى بكري، عبر تويتر يُحمل مدبولي، الذي يعمل كسكرتارية للسيسي كما يقول معارضون مصريون، خطورة مخطط التهجير الصهيوني لأهالي غزة لسيناء، للتهرب من مساءلة السيسي!

وأخدت رئيس الوزراء العنترية وتصور أنه مسؤول السياسة الخارجية، فقال أمام مجلس النواب سيكون لمصر رد حاسم تجاه أي سيناريو يستهدف نزوح الفلسطينيين، ومصر لن تتواني في استخدام الإجراءات كافة لحماية حدودها“.

وأكد أن ما ترتكبه إسرائيل في غزة تهديد للأمن القومي المصري، ومصر تتمسك برفض تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، وأن مصر تواجه ضغوطا بسبب رفضها التهجير القسري للفلسطينيين من غزة“.

أيضا أعلنت الخارجية المصرية عن مشروع قرار جديد لطرحه أمام مجلس الأمن باسم المجموعتين العربية والإسلامية لمعالجة الخلل القائم في دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، لتؤكد ضمنا أن يدها مغلولة عن فتح المعبر بدون موافقة إسرائيل.

وقالت الخارجية، إن القصف المستمر للنازحين في الجنوب هدفه واضح، وهو إجبار سكان القطاع على مغادرته، مشددة على رفضها لأية محاولة لتهجير الفلسطينيين.

وفي لقاء مع المراسلين الأجانب بالقاهرة في 16 نوفمبر 2023 نفى شكري وجود أي صفقة أو مقترح لتهجير أهالي غزة إلى الأراضي المصرية مقابل إلغاء ديون مصر، مؤكدا أن مصر دولة مبادئ“.

وفي 16 نوفمبر 2023 قالت وكالة رويترز، إن شكري قال، ردا على سؤال حول الضغط الأميركي على مصر لقبول تهجير الفلسطينيين، إن ذلك ليس صحيحا“.

ويقول أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، ناثان براون، إنه رغم إعلان مصر رفضها تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، إلا أن خطط إسرائيل تدفعهم لذلك.

وأوضح في تحليل بموقع كارنيغي” 3 نوفمبر 2023 أن تأثير العملية العسكرية الإسرائيلية قد يجبر عددا كبيرا من الناس على مغادرة غزة إلى شبه جزيرة سيناء، رغم الحصار المصري“.

وقال إن هذا الاحتمال تراجع، بعد الضغوط الخارجية ورفض مصر رسميا، لكن التهجير داخل قطاع غزة يحدث بالفعل، حيث يفر سكان غزة من القتال والمزيد من التهجير لإنشاء المناطق العازلة سيزيد من الضغط على العديد من سكان غزة ما يدفعهم باتجاه سيناء.

_______________

مواد ذات علاقة