ج ـ التدخلات الخارجية وتأثيرها على الدولة الليبية

إن الأزمة السياسية في ليبيا ليست أزمة داخلية بحتة، بين حكومة اتخذت من العاصمة طرابلس والغرب الليبي مكانا لها، وحكومة انبثقت من البرلمان الليبي في طبرق، ومدعومة من المشير خليفة حفتر وقواته العسكرية، اتخذت من بنغازي والشرق الليبي مكانا لنفوذها.

ففي يونيو 2021 كان هناك تصريح مهم للأمين العام للأمم المتحدة خلال مؤتمر صحفي في بداية انعقاد مؤتمر برلين 2”، حيث قال انطونيو غوتيريش: “للانتخابات أهمية قصوى بالنسبة لليبيا، داعيا السلطات الليبية إلى توفير البيئة المناسبة لإجراء الانتخابات في موعدها.

كما حث الأمين العام للأمم المتحدة على إفساح الفرصة لكل الليبيين للمشاركة في الانتخابات بنزاهة وحرية، مطالبامجلس النواب الليبي بتوضيح الأسس التي ستقام عليها الانتخابات العامة، واعتماد مشروع الميزانية العامة. كما شدد انطونيو غوتيريش على ضرورة إنهاء التدخلات الخارجية في ليبيا.

إن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بضرورة إنهاء التدخلات الخارجية في ليبيا يدلل أن دور التدخلات الخارجية سواء الأقليمية منها أو الدولية، ذات أهمية قصوى وتأثير مباشر في ازدياد حالة الانقسام السياسي التي تشهدها الساحة الليبية، وبالأخص عملية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

إن ليبيا هي في الأساس لا زالت تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يعني أنها تحت إشراف مجلس الأمن، بدوله الخمسة الذين لهم حق الفيتو وهم من يقررون.

قانونيا لا شيء يتحرك في ليبيا إلا بإذن دولي وبموافقة مجلس الأمن، وأن من أدخل أزمة ليبيا إلى مجلس الأمن هي فرنسا التي تمتلك حق الفيتو، حيث حركت مجلس الأمن وخرجت منه بقرار صوتت عليه أمريكا وفرنسا وبريطانيا، وامتنعت كل من الصين وروسيا عن التصويت وهما يمتلكان حق الفيتو أيضا، وكذلك ألمانيا امتنعت مع أنها لا تملك حق الفيتو.

بالتالي فإن أي حل لأزمة ليبيا لابد من أن يمر على مجلس الأمن، فلا مصر ولا الإمارات ولا السعودية، ولا قطر ولا تركيا ولا الجزائر يستطيعون التدخل الرسمي لحلحلة الأزمة الليبية إلى عن طريق تدخل غير مباشر تحت مظلة العمليات الاستخباراتية والدعم السري لأطراف الصراع في ليبيا.

كما أن أزمة الغاز في شرق المتوسط كانت الشرارة التي جعلت تركيا تتدخل بسرعة وتوقع اتفاقها البحري والأمني مع حكومة الوفاق التي تمتلك الشرعية الدولية، وتركيا لا تريد ألا يمر الغاز إلى أوروبا دون إشرافها برا وبحرا.

في اليوم السابق لتحكم الطائرة الذي أودى بحياة يفغيني بريغوزين، زعيم مجموعة فاغنر كان نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف في ليبياللقاء حفتر، وبحسب وكالة رويترز، قال المسؤول الروسي للجنرال الليبي إن رجال مجموعة فاغنر سيبقون في ليبيا تحت قيادة جديدة.

ولذلك ينبغي أن تظل بصمة روسيا في ليبيا دون تغيير، فأنه وبحسب أكثر من شاهد عيان، فإن العسكريين الروس بلا شك حاضرون وبقوة في قاعدتي براك والجفرة، وتستمر المقاتلات الروسية في تنفيذ طلعات جوية في سماء الجنوب الليبي بكل أريحية.

لذلك فمن المرجح أن يتكيف الهيكل العسكري لمجموعة فاغنر مع الظروف الجديدة ويستمر في العمل إلى جانب قوات خليفة حفتر لأن لروسيا مصالح سياسية واقتصادية مهمة في ليبيا.

بسبب الموقع الاستراتيجي لليبيا الواقعة في شمال افريقيا، والذي يتيح لروسيا إمكانية الحفاظ على وجود عسكري على الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، وقواعد تشغيل للدعم اللاوجستي لعمليات المرتزقة الروس في مالي وبوركينا فاسو وتشاد وجمهورية افريقيا الوسطى والسودان، ويدفع المشير حفتر تكاليف تواجدهم بالدولار.

لذلك فإن هذا الأمر بالنسبة لروسيا خيار استراتيجي في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وحالة الحصار الدولي على روسيا، حيث يسمح لها التواجد في ليبيا والتحايل على العقوبات الدولية المفروضة عليها.

كما لا تزال الإمارات التي سبق لها أن قدمت التمويل وأشكال الدعم الأخرى لشركة فاغنر في ليبيا، مركزا اقتصاديا وماليا مهما لغسل الأموال وتجارة الذهب والالماس الذي يحصل عليها المرتزقة الروس في افريقيا لصالح دولة الإمارات.

من ناحية أخرى لا تزال أمريكا تبدي القليل من الاهتمام بليبيا، ولا يزال تهديد الإرهاب الدولي بالنسبة لها مخفضا من ليبيا، كما لا تنوي إدارة بايدن المشاركة في التوسط في العملية السياسية.

لكن مؤخرا أكدت سفيرة امريكا لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، على أهمية إجراء انتخابات ديمقراطية، ثم اضافة أنه لتحقيق هذه الغاية نحن منفتحون على دعم تشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة، يكون هدفها الوحيد قيادة ليبيا نحو انتخابات حرة نزيهة، ويشير هذا الموقف أن واشنطن ستؤيد استبدال عبدالحميد الدبيبة في الحكومة الجديدة في طرابلس في حالة التوافق على تشكيل حكومة موحدة.

كما لا يزال الدبيبة يحتفظ بدعم تركيا بعد إعادة انتخاب الرئيس التركي رجب اوردغان في مايو 2023، كما اتخذت تركيا عدة إجراءات تشير إلى الرغبة في تعزيز وتوسيع العلاقات مع طرابلس، وفي الوقت نفسه تبدوا اهتماما بتعزيز المصالحة مع السلطات في شرق ليبيا، حيث تعمل تركيا على تطوير المصالح التجارية مع طرفي النزاع، كما شارك نائب وزير الخارجية التركي ومجموعة من الشركات التركية في مؤتمر إعمار درنة، والتي دعت له حكومة الشرق بقيادة أسامة حماد.

تسير هذه السياسة جنبا إلى جنب مع تقارب تركي مع الإمارات ومصر، كما أن القاهرة وأبوظبي اللتان دعمتا عسكريا في عام 2019 محاولة حفتر الاستيلاء على طرابلس بالقوة. تحافظان اليوم على علاقات جيدة مع حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها الدبيبة.

لكن لا تزال السياسات الخارجية لدولة الإمارات ومصر من ناحية، وتركيا من ناحية أخرى بشأن ليبيا بعيدة عن التوافق، لكن التوترات بينهم على الساحة الليبية قد انخفضت بشكل كبير مقارنة بما كانت عليه قبل بضع سنوات.

كما أن لمصر دور إقليمي ليس بالضئيل في ليبيا، ففي مشهد كارثة درنة شاهدنا التحركات العسكرية لقوات الجيش المصري على الأرض الليبية. بالإضافة للدعم العسكري واللوجيستي لقوات خليفة حفتر وحيث كان النظام المصري الحالي سببا رئيسيا في استمرار حالة الصراع العسكري بين الشرق والغرب الليبي، بسبب دعمه لأحد طرفي الصراع.

بالإضافة أن عدم وجود رؤية سياسية مصرية لإيجاد حالة توافق حقيقية بين أطراف الصراع الليبي، ورغم ذلك يوجد بعض الاستثناءات، وهو استضافة القاهرة لطرفي الصراع على الأراضي المصرية أكثر من مرة، والتي كانت آخرها استضافتها بتاريخ 7 نوفمبر 2023 لحوار سياسي بين محمد تكالة رئيس المجلس الأعلى للدولة وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي، بشأن التوافق حول قانون الانتخابات التي أصدره مجلس النواب في 1 نوفمبر 2023، مما يجعلنا نستنتج أن الدور المصري يركز بشكل رئيسي على المصالح المصرية في ليبيا.

والدليل أنه رغم النفوذ المصري في الشرق الليبي إلا أنه لم يستطع الضغط على خليفة حفتر للوصول إلى حالة توافق مع سلطات الغرب الليبي حتى الآن.

وفقا لما تم ذكره، يمكننا القول إن المشهد السياسي الليبي وعملية إجراء الانتخابات من عدمها في ليبيا، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتدخلات الخارجية الإقليمية منها والدولية، ولذلك وجب التنويه أن حالة الانقسام، وعدم التوافق السياسي، في ليبيا مرتبط بطبيعة التدخلات الخارجية.

فمعسكر الشرق بقيادة خليفة حفتر تدعمه قوى رئيسية خارجية، وهي مصر والإمارات والأردن وروسيا وفرنسا والصين، أما معسكر الغرب الليبي فتداخل فيه مجموعة من الدول وهي تركيا وايطاليا وامريكا والجزائر.

كما أن تبادل الأدوار والمواقف للدول الخارجية بين معسكري السلطة في ليبيا، يستند في الأساس إلى الحفاظ على مصالح هذه الدول داخل التراب الليبي، لا لمصلحة الدولة الليبية حيث لاحظنا تغييرا في العديد من المواقف لبعض الدول بين دعم سلطات الشرق في بعض الأحيان، ودعمها لسلطات الغرب أحيانا أخرى، ويتضح من ذلك أن لمصالحها السياسية والاقتصادية الأولوية وليس لمصلحة الدولة الليبية.

ولذلك يجب أن نطرح سؤالا مهما وهو: هل يستطيع المجتمع الدولي حل الأزمة السياسية في ليبيا؟ أم أن التدخلات الخارجية الإقليمية منها والدولية تريد ترسيخ الوضع القائم للحفاظ على مصالحها ونفوذها داخل التراب الليبي؟

يتبع

____________

المصدر: تقرير بعنوان تقدير موقف: مستقبل الانتخابات في ليبيا بعد إقرار قانون الانتخابات من البرلمانالصادر في 6 نوفمبر 2023 عن وحدة الدراسات والأبحاث بالمركز الليبي للدراسات العسكرية والأمنية.

مواد ذات علاقة