حسين معلوم

خلال اجتماعه مع سفراء الاتحاد الأوروبي، في 12 ديسمبر الجاري، ناقش رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، عدداً من القضايا السياسية، فضلاً عن ملف التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى المُبادرة المُقدمة من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، برئاسة عبد الله باتيلي، ومُرحباً في الوقت نفسه بعودة سفارات الاتحاد الأوروبي للعمل من ليبيا.

واللافت في الاجتماع الذي حضره سفراء 14 دولة أوروبية، في مقدمتها إيطاليا وألمانيا وفرنسا وإسبانيا، إلى جانب سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو؛ هو تأكيد الأخير على “دعم الاتحاد لجهود الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، من خلال الحوار المُرتقب”، مُشيداً بجهود التعاون بين ليبيا والاتحاد، خاصة في ملف “الهجرة غير النظامية” و”التعاون الاقتصادي” في كل مجالاته.

وكما يبدو، فإن عدداً من الدوافع يستند إليها السعي الأوروبي للعودة إلى الساحة الليبية، يأتي في مقدمتها الملف الخاص بالهجرة غير النظامية إلى أوروبا عبر ليبيا، ومحاولة أوروبا منع استغلال تركيا لهذا الملف، فضلاً عن جهود الاتحاد لمواجهة الضغوط الروسية على جنوب أوروبا، إلى جانب ما يتعلق بملف الطاقة، وأيضاً ما يختص بملفات التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي، والمساعدات المُقدمة من الاتحاد إلى ليبيا.

اعتبارات عديدة

يمكن تفسير تزايد اهتمام الاتحاد الأوروبي بالعودة إلى تعزيز حضوره في الملف الليبي في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- إشكالية الهجرة غير النظامية:

 يواجه الاتحاد الأوروبي أزمة تتصاعد حدتها تدريجياً بسبب الهجرة غير النظامية التي تعتبر ليبيا أحد أهم مصادرها. فقد كشفت منظمة الهجرة الدولية، في 15 يوليو الماضي، أن ليبيا يعيش بها أكثر من 700 ألف أجنبي، معظمهم يرغب في التوجه إلى أوروبا. بل وفي تقريرها الصادر قبل عامين، في أكتوبر 2021، أفادت المنظمة بأن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى ليبيا، خلال عامي 2018 و2019، بلغ 679.897 ألف مهاجر، معظمهم قادمون من القارة الأفريقية، من 42 جنسية مختلفة.

ومن ثم تُمثل ليبيا نقطة ارتكاز رئيسية في ملف المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، حيث يُغادر حوالي 90% من المهاجرين المتوجهين إليها عبر السواحل الليبية. وبالتالي، شكل موضوع الهجرة نقطة تجاذب مستمر في العلاقات الليبيةالإيطالية، كمثال واضح على العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي بخصوص الظاهرة، خاصةً في إطار سياسات الاتحاد ومحاولاته الدفع إلى تحويل ليبيا من “دولة عبور” إلى “أرض مهجر.

2- مواجهة الضغوط التركية والروسية:

 تخشى دول الاتحاد الأوروبي من محاولات تركيا، في ظل التعقيدات التي طالت العلاقات بينهما، لمواصلة استغلال ملف الهجرة لممارسة ضغوط عليها، وذلك عبر تحويل القواعد البحرية التي تسعى لإقامتها على سواحل ليبيا إلى “ورقة ضغط” تمارس من خلالها نفوذها على طرق وممرات الهجرة إلى أوروبا. ولعل هذا التخوف الأوروبي يرتكز على عدم وفاء تركيا بالتزاماتها في اتفاق الهجرة الموقع بين الطرفين، منذ عام 2016.

وتتزايد المخاوف الأوروبية في حالة روسيا، خاصة في ظل وجود خط الغاز البحري “جرين ستريم” الذي يربط بين أوروبا وليبيا عبر الشواطئ الإيطالية. إذ تُدرك دول الاتحاد الأوروبي أن هذا الخط يُمثل أهم الدوافع لتدخل روسيا في ليبيا، ومحاولة التحكم في الغاز الليبي كمصدر تعتمد عليه أوروبا، بما يعني أن خط الغاز البحري يُمكن أن يُمثل “ورقة ضغط” أخرى مُضافة إلى ورقة الهجرة على الأوروبيين في حال استطاعت موسكو امتلاكها.

3- تزايد أهمية ملف الطاقة:

 تأتي صادرات الغاز الليبي في الترتيب الخامس، قياساً إلى قائمة الدول المُورِدة للغاز إلى أوروبا. وتشير تقديرات عديدة إلى أن ليبيا سجلت مُعدل ضخ وصل إلى 5.3 ملايين متر مكعب يومياً، عبر خطوط الأنابيب إلى دول الاتحاد الأوروبي.

يأتي هذا في الوقت الذي وصل فيه معدل الغاز القادم إلى أوروبا، من النرويج والجزائر وروسيا وأذربيجان، إلى نحو 453 مليون متر مكعب يومياً. ورغم أن نسبة الغاز القادم من ليبيا صغيرة بالنسبة إلى الدول الأربع التي تسبقها في الترتيب؛ إلا أنها في إطار ظروف العقوبات الأوروبية على روسيا نتيجة حرب أوكرانيا تُعتبر مهمة، خاصة في حال إمكانية زيادتها، واعتماداً على قرب السواحل الليبية من جنوب أوروبا.

فضلاً عن ذلك، توجهت أنظار الدول الأوروبية إلى ليبيا، في ضوء ما تحتكم عليه الأخيرة من مخزونات نفطية، تصل إلى 48 مليار برميل. وبحسب تقديرات عديدة، فقد ارتفع إنتاج ليبيا إلى نحو مليون و300 ألف برميل يومياً، قبل أكثر بقليل من عام؛ إلا أنه نتيجة المشكلات الأمنية الداخلية وما تتسبب به من إغلاقات لآبار النفط أصبح غير مستقر. ورغم ذلك، يظل الإنتاج الوفير من النفط الليبي مهماً بالنسبة إلى أوروبا، على الأقل من حيث قرب ليبيا من الشواطئ الأوروبية، مما يُقلل من تكلفة النقل قياساً إلى مناطق أخرى من العالم.

4- رفع مستوى التعاون الاقتصادي:

 بالإضافة إلى الاهتمام الأوروبي بالساحة الليبية من منظور الغاز والنفط الليبيين، يأتي الاهتمام أيضاً بالعوامل الاقتصادية مثل التبادل التجاري بين ليبيا ودول الاتحاد الأوروبي. صحيح أن العلاقات التجارية بين الجانبين قد تأثرت بالأزمة الليبية التي امتدت لفترة طويلة؛ إلا أنه يبقى من الصحيح كذلك أن الاتحاد الأوروبي يُمثل الشريك التجاري الأول بالنسبة إلى ليبيا بنسبة 51% من إجمالي تجارة ليبيا، تبعاً لتقديرات عام 2020 التي يذكرها موقع بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا.

تنافس مستمر

في هذا السياق، يُمكن القول إن ما تمتلكه ليبيا من موقع استراتيجي مهم، لقربها من الشواطئ الأوروبية، وما تتحكم به من احتياطات كبيرة من الغاز والنفط، فضلاً عن إشكاليات الهجرة غير الشرعية عبر الأراضي والسواحل الليبية، وما يفرضه هذا الملف من تحديات للقارة الأوروبية كاملة، وليس فقط لدول الجنوب فيها؛ كلها ملفات يستند إليها الاهتمام الأوروبي في النظر إلى ليبيا، بل وفي محاولة عودة الاتحاد الأوروبي للعمل من داخل ليبيا، بعد أن غاب عن الساحة الليبية وتفاعلاتها لسنوات.

رغم ذلك، ورغم الأهمية التي يوليها الاتحاد إلى ليبيا، إلا أن اختلاف استراتيجيات بعض الدول الأوروبية مع بعضها بعضاً، وخصوصاً فرنسا وإيطاليا، يمكن أن يُساهم إلى حد كبير في عرقلة محاولات الاتحاد للعودة للعمل من الداخل الليبي، إذ إن الواضح أن الخلاف الإيطاليالفرنسي لا يتعلق فقط بمحاولات تعزيز النفوذ، لا سيما في قطاع الطاقة الليبي، ولكنه أيضاً يمتد إلى ملف الهجرة، حيث ترفض فرنسا تعاون إيطاليا مع فصائل مُسلحة بعينها لمنع وصول المهاجرين إليها.

والواقع أن هذا الخلاف تحديداً هو أحد المتغيرات التي أتاحت وما زالت تتيحالفرصة للمليشيات لترسيخ وجودها على الأرض الليبية، إلى الدرجة التي أصبحت فيها هذه المليشيات قيداً على إمكانية حلحلة الأزمة الممتدة لسنوات طويلة في ليبيا.

___________

مواد ذات علاقة