الحبيب الأسود

مدينة سرت تستضيف المؤتمر الوطني الجامع للمصالحة في أبريل القادم.

مع مطلع العام الجديد ترنو الأوساط الشعبية الليبية إلى تجاوز مرحلة الخلافات السياسية بين الفاعلين الأساسيين في المشهد، من خلال تحقيق مصالحة وطنية شاملة تفضي إلى تنظيم انتخابات طال انتظارها، فضلا عن إرساء استقرار على مستوى السلطة وبناء مؤسسات الدولة.

يتطلع الليبيون إلى أن تخطو بلادهم خطوات حاسمة في اتجاه المصالحة الوطنية الشاملة خلال العام الجديد 2024، حيث من المنتظر أن يكون شهر أبريل القادم موعدا مهما للإعلان عن طي صفحة الصراع القائمة منذ 12 عاما، وهو ما أعلنت عنه اللجنة التحضيرية للمصالحة الوطنية عندما أشارت إلى أنه قد وقع الاختيار على مدينة سرت لاستضافة المؤتمر الوطني الجامع للمصالحة، مع تحديد الثامن والعشرين من شهر أبريل 2024 موعدا لانعقاده.

ومن المقرر عقد الاجتماع التحضيري المقبل للجنة في مدينة زوارة خلال الأيام القادمة، حيث سيتم وضع اللمسات الأخيرة على الترتيبات اللازمة لإنجاح المؤتمر المنتظر أن يشكّل خطوة مهمة على طريق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام السياسي في ليبيا.

وشدد عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي خلال لقاء برئيس وأعضاء مجلس أعيان وحكماء جادو، أول أمس الجمعة، على أهمية مشروع المصالحة الوطنية الشاملة في دعم السلام والاستقرار وتحقيق تطلعات الشعب الليبي.

محمد تكالة: تحقيق المصالحة يضمن نجاح الانتخابات وقبول نتائجها

وفي 9 سبتمبر 2021 أعلن المجلس الرئاسي الليبي إطلاقه مشروع المصالحة الوطنية الشاملة، وهي المهمة التي كلفه بها ملتقى الحوار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة بين أطراف النزاع الليبي في جنيف والذي انبثق عنه الرئاسي في 5 فبراير 2021، إلى جانب حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة.

وكان رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بحث الأسبوع الماضي، مع ممثلين عن منظمة مشايخ الأشراف والمرابطين، “أهم الخطوات المنجزة من قِبل المجلس، لإنجاح مشروع المصالحة الوطنية”.

وأشار المنفي خلال اللقاء إلى “سعي المجلس للوصول إلى صيغة توافقية تلبي رغبة كل الليبيين، وتحقق الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أقرب الأوقات”، حسب بيان المجلس الرئاسي. وقدم الوفد درعاً للمنفي، لمواقفه الوطنية الثابتة تجاه القضية الليبية، وفق البيان.

ومن جانبه أكد رئيس مجلس الدولة الاستشاري محمد تكالة أن “تحقيق المصالحة الوطنية يضمن نجاح الانتخابات، وقبول الجميع نتائجها”، وفق ما نشره المكتب الإعلامي للمجلس عبر صفحته على فيسبوك.

وأثناء اجتماعه بممثلين عن أعيان ليبيا “حول المستجدات السياسية، وملف المصالحة الوطنية” أكد تكالة على أهمية أن تشارك كل القوى الوطنية والسياسية الفاعلة في عملية التشاور وتقريب وجهات النظر، لإنجاح الانتخابات.

ولا يزال ملف المصالحة يواجه جملة من التحديات من بينها الخلافات الحادة بين الفرقاء السياسيين والعجز عن حل قضية الميليشيات المسلحة والقوات الأجنبية وتوحيد القوات المسلحة وإطلاق سراح المحتجزين والأسرى والمعتقلين السياسيين، وخاصة من رموز وأنصار النظام السابق.

وفي منتصف ديسمبر الجاري أعلن الفريق السياسي للمرشح الرئاسي سيف الإسلام القذافي انسحابه من المشاركة في مشروع المصالحة الوطنية الذي يقوده المجلس الرئاسي، احتجاجا على استمرار سجن رموز نظام الراحل معمر القذافي.

واتهم فريق ابن القذافي المجلس الرئاسي بعدم الجديّة تجاه عملية المصالحة من خلال عدم معالجة ملف إطلاق سراح رموز النظام السابق المعتقلين منذ 2011 دون توجيه تهم إليهم، معتبرا أنه “من العبث الاستمرار في هذا المشروع… لأنّ روح الانتقام لا تزال سائدة مع استمرار معاملة بعض الليبيين على أنهم عبيد ومواطنون من الدرجة الثانية”، وشدّد على أن العدالة ينبغي ألا تكون لطرف على حساب طرف آخر.

ويرى أغلب المراقبين أن العام القادم سيكون مناسبة للكثير من التحولات السياسية والاجتماعية الإيجابية في ليبيا، لاسيما وأن هناك اهتماما متزايدا بحلحلة الأزمة سواء من القوى الإقليمية أو الدولية أو من الأطراف الداخلية بمختلف مرجعياتها الفكرية والمناطقية والسياسية والاجتماعية والثقافية.

وتساءلت أوساط ليبية عن هوية أصحاب السلطة الفعليين في ليبيا، وهل من مصلحتهم تحقيق المصالحة، وعن دور الجماعات المسلحة والميليشيات والقوى الحزبية والعقائدية وتيار الإسلام السياسي وبعض الفعاليات الجهوية والمناطقية وغيرها في عرقلة مسارات إعادة توحيد البلاد والسماح بالتوجه نحو نظام ديمقراطي لا إقصاء فيه لأي طرف سياسي.

وتعمل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالتعاون مع السلطات الوطنية الليبية والمجالس المحلية على دعم الجهود الرامية إلى تعزيز المصالحة الوطنية من خلال تشجيع الحوار والوساطة وتحديد الفرص التي تبرز من خلالها جهود السلطات الليبية والمجتمع المدني تجاه هذه الغاية.

وفي 20 فبراير الماضي أعلن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد أن الاتحاد يسعى لتنظيم مؤتمر للمصالحة الوطنية بشأن ليبيا، في أحدث جهد لكسر الجمود السياسي واستعادة الاستقرار في البلاد.

وتخشى أوساط ليبية من أن يحول الصراع المتواصل على السلطة إلى عرقلة مسارات المصالحة الوطنية؛ لأنها لا تخدم مصالح الممسكين بمقاليد السلطة منذ سنوات سواء في طرابلس أو في بنغازي، ومن يسعون إلى تشكيل دكتاتوريات ناشئة لا تحقق أهدافها إلا بإقصاء الأطراف الأخرى التي قد تنافسهم على الحكم.

وكان المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي اعتبر أنه “لا يمكن أن تكون هناك مصالحة في ليبيا دون عدالة ودون إصغاء الليبيين لبعضهم”، وأكد دعم البعثة الأممية “بشكل كامل جهود المصالحة الوطنية “معتبرا أنها “خطوة حاسمة لتأمين السلام والاستقرار”.

 كما شدد على ضرورة أن يعمل جميع القادة الليبيين معا “لإصلاح ذات البين والمساعدة في بناء المستقبل المزدهر الذي يريده ويستحقه شعب هذا البلد”، مستطردا أنها “عملية تبدأ في القرى والمجتمعات في جميع أنحاء البلاد يناقش فيها الناس بصدق خلافاتهم ويبحثون عن حلول لها”.

_____________

مواد ذات علاقة