رمضان كرنفودة

في إطار الاستعدادات لإنجاح المؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية في ليبيا، اختتمت بمدينة زوارة، مساء الإثنين، أعمال الاجتماع العادي الرابع للجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة برئاسة عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي، وبحضور المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، رئيس البعثة الأممية للدعم في ليبيا عبدالله باتيلي. فيما تباينت آراء خبراء ومتابعين للشأن الليبي حول فرص نجاح المصالحة الوطنية.

الاجتماع حضره أيضاً وزير الخارجية الكونغولي جان كلود جاكوسو الذي تترأس بلاده اللجنة رفيعة المستوى حول الشأن الليبي المكلفة من قبل الاتحاد الأفريقي، ومستشار الاتحاد الأفريقي للمصالحة محمد حسن اللبات، وعضوا مجلس النواب عبدالمنعم بالكور، وهناء أبوديب، وأعضاء اللجنة التحضيرية الممثلون عن جميع الأطراف الرئيسية المشاركة في العملية السياسية، وفق بيان نشره المجلس الرئاسي على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».

المجلس الرئاسي أضاف في بيانه أن أعضاء اللجنة التحضيرية بحثوا عدداً من القضايا التنظيمية المتعلقة بآلية عمل اللجنة، استعداداً لانعقاد المؤتمر الجامع المزمع عقده نهاية أبريل المقبل في مدينة سرت.

اللافي: المجلس الرئاسي حريص على إنجاح ملف المصالحة الوطنية

من جهته، أكد اللافي خلال الجلسة الختامية للاجتماع حرص المجلس الرئاسي على إنجاح ملف المصالحة الوطنية بالوصول إلى المؤتمر الجامع وتحقيق العدالة وإنهاء حالة الانقسام وتحقيق تطلعات الشعب الليبي بإنجاز الاستحقاقات الانتخابية.

وقال المبعوث الأممي عبالله باتيلي في كلمته أمام اللجنة التحضيرية إن تحقيق المصالحة الوطنية يحتاج إلى جهود متواصلة بعد سنوات من النزاع والانقسام، مسترشداً بحالات لدول أخرى مرت بالأزمات نفسها وتجاوزتها، وعلى الليبيين الاستفادة من تجارب هذه الدول.

المبعوث الأممي شدد على مسؤولية أعضاء اللجنة التحضيرية، لافتاً إلى أن المؤتمر الجامع في سرت سيكون نقطة حاسمة و«القادة السياسيون هم من تقع عليهم المسؤولية الأولى لنجاح هذا العمل، وكذلك القادة العسكريون أيضاً».

مؤتمر المصالحة في سرت أبريل المقبل

وفي ديسمبر الماضي، حدد الاجتماع العادي الثالث للجنة التحضيرية للمؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية في مدينة سبها مدينة سرت مقراً لانعقاد المؤتمر في 28 أبريل 2024، فضلا عن تحديد آلية تشكيل اللجنة التحضيرية لتنظيم المؤتمر، وتحديد اختصاصاتها ونظامها الداخلي.

وفي 21 يوليو الماضي، استضافت العاصمة الكونغولية برازافيل باكورة أعمال اللجنة التحضيرية بحضور ليبي وإقليمي واسع قبل أن تتحول أعمالها إلى داخل ليبيا بمشاركة الأطراف السياسية والاجتماعية كافة. في حين يظل التساؤل قائماً حول فرص نجاح هذه الجهود.

«الوسط» استطلعت آراء خبراء ومتابعين للشأن العام حول فرص نجاح جهود الاتحاد الأفريقي لتحقيق مصالحة وطنية في ليبيا، فتباينت وجهات نظرهم، فبينما يرى فريق أن الأسباب التي تقود لهذا الهدف لا تزال غائبة، يبدو فريق آخر أكثر تفاؤلاً إزاء الوساطة الأفريقية، وقدرتها على تذليل العقبات أمام وفاق ليبي.

الفاخري: هذه القواعد الأساسية لإنجاح المصالحة

الأستاذ الجامعي عبدالكبير الفاخري يرى أن المصالحة تحتاج إلى دولة قوية، لتحقيقها وتوفير متطلباتها، وبالتالي يؤكد أن توحيد مؤسسات الدولة واحتكار السلاح في يديها وتطبيق القانون على الجميع شروط تسبق المصالحة بين الليبيين.
ويعتقد الفاخري، أن للمصالحة قواعد أساسية لإنجازها، أهمها الاعتراف بالأخطاء، والصفح والإنصاف، والتعويض العادل مع عدم الإفلات من العقاب.

يضيف أن المسؤولية الوطنية تتطلب من جميع الليبيين الجلوس على طاولة الحوار دون تهميش أو إقصاء أو تصنيف، ومن ثمّ يستفاد منها في وضع ميثاق اجتماعي يمنع اندلاع الحروب الأهلية أو النزاعات المسلحة، والاعتماد على القضاء لحل الخلافات.

لذلك، يستبعد الفاخري نجاح جهود الاتحاد الأفريقي في هذا السياق، معتبراً أنهم «يضعون العربة أمام الحصان»، ومختتماً أن المصالحة تأتي في مرحلة لاحقة بعد توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية، وإجراء انتخابات تفرز سلطة شرعية.

الكاديكي: انعدام الثقة وتغييب الشارع يفشلان مشروع المصالحة

الأمر نفسه يؤيده أستاذ العلوم السياسية محمود الكاديكي، الذي يعتبر انعدام الثقة بين الأطراف الليبية يُفضي إلى نقض أي جهود لإقرار مبدأ المصالحة بين الأطراف المتنازعة أولاً، والمواطنين بشكل عام.

ويشير الكاديكي، إلى غياب الضغط الشعبي المفترض على الأطراف المتنازعة، لدفعهم نحو مصالحة وطنية جامعة، مرجعاً السبب في ذلك إلى «غياب الشارع أو تغييبه» من خلال إلقائه «في مستنقع البحث عن الحاجات الأساسية مثل المأكل والمشرب والأمان»، فضلاً عن افتعال الأزمات كنقص السيولة، والغاز، والوقود، وقطع الكهرباء، والتغييب القسري للنشطاء.

وينضم الناشط السياسي وسام عبدالكبير للفريق المتشائم إزاء فرص نجاح جهود المصالحة، حيث قال إنها تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية لإنجاحها.

ويدلل عبدالكبير على رأيه، بأن كل مؤسسة سيادية أو مجموعة ممثلة للفرقاء السياسيين تستخدم ملف المصالحة ورقة للابتزاز السياسي، وتحقيق مصالح شخصية، وبالتالي فهو يرى أن الاتحاد الأفريقي أو أي طـرف إقليمي ودولي «لن يقدم الكثير في مـلف المصالحة»، بل يذهب إلى القول إن «تـدخل أطراف خارجية يزيد من تعقيد ملف المصالحة الشائك».

ويقتنع الناشط السياسي بأن ملف المصالحة يجب أن يدار تحت مظلة وطنية، وبمشروع سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل، يكون أساسا لبناء ليبيا الجديدة بدستور دائم، وتوزيع عادل للإيرادات.

اجدال: المبادرة الأممية السبيل الوحيد

الناشط المدني سنوسي اجدال يرى أن الاتحاد الأفريقي غير قادر على إحداث دفعة لمشروع المصالحة في ليبيا، مدللاً على ذلك بأن 75 % ‎من ميزانية الاتحاد تعتمد على الدعم الخارجي. ويذهب اجدال إلى أن حل الأزمة يحتاج إلى مبادرة الأمم المتحدة، لوضع قاعدة دستورية تقود البلاد إلى بر الأمان من خلال تشكيل لجنة من مجلسي النواب والدولة، متابعاً: «المصالحة تحتاج إلى جهود وطنية تُخرجها من التدخلات الخارجية والتبعية».

ويشير إلى ضرورة معالجة ملف جبر الضرر، وتنفيذ العدالة ورد المظالم، وتحقيق الأمن، وتوحيد المؤسسات، وتوافر ثقافة التسامح والتصالح، داعياً إلى تأسيس لجان مصالحة من الشباب والنساء، لتحسين قدراتهم في المشاركة، وتدريبهم على مهارات الوساطة وبناء السلام.

حتيتة: الأسس القانونية الصحيحة تضمن تحقيق المصالحة

ورغم النظرة التشاؤمية السابقة، لا يزال فريق من الخبراء يعتقد أن فرصة المصالحة الوطنية قائمة، لذلك يرى القانوني الليبي صالح حتيتة إمكانية تحقيق المصالحة الوطنية في حال توافر الأسس القانونية الصحيحة التي تضمن حقوق الضحايا، وآلية واضحة لحلحلة الملفات المعقدة.

ورغم ذلك، يعتقد حتيتة أن العقبات التي تعترض طريق المصالحة تتمثل في عدم وجود دستور لتحقيق التداول السلمي على السلطة، بالإضافة إلى وجود ملفات مفتوحة لجرائم لم يجر تداولها أمام المحاكم، ومعاقبة مرتكبيها، فضلاً عن عدم وجود قانون للعدالة الانتقالية يضمن حقوق والتزامات كل أطراف النزاع.

بكاكو: أثق في صدق الدور الأفريقي

أما الأستاذ الجامعي مسعود بكاكو فيبدو أكثر المتفائلين بفرص نجاح المصالحة الوطنية برعاية الاتحاد الأفريقي، نظراً للخلفية التاريخية التي تربط الاتحاد الأفريقي بالدولة الليبية.

ويثق بكاكو، في صدق الدور الأفريقي لمعالجة صادقة وعادلة وجذرية للأزمة السياسية في ليبيا، نظرا لأن مصلحة أفريقيا أن تستعيد ليبيا عافيتها؛ ما يعطي قوة للاتحاد الأفريقي الذي نجح في دعم مشروع المصالحة في جنوب أفريقيا ورواندا.

عبدالسلام: المصالحة بين المتنازعين على السلطة فقط

وبين الفريقين يقف الصحفي إدريس عبدالسلام موقفاً مختلفاً، إذ يعتبر المصالحة المفترضة بين أطراف معينة، وليس كل الليبيين، لأنهم ليسوا طرفاً في الصراعات على السلطة.

عبد السلام يشير إلى فشل كل المحاولات الاجتماعية في السابق لتحقيق وفاق بين الأطراف المتنازعة، فيما يعتقد أن هناك خيارين للمصالحة: الأول يعتمد على الجهود الاجتماعية، التي لم تنجح في السابق، والخيار الثاني هو الذهاب لمشروع المصالحة بعد الانتخابات من خلال سلطة شرعية قوية، تُجبر الأطراف على الاحتكام للعدالة. وبناء على ذلك، يرى أهمية أن يلعب الاتحاد الأفريقي دوراً في إجراء الانتخابات.

________________

مواد ذات علاقة