كريمة ناجي

متخصصون يؤكدون أن غياب الإرث الاستعماري ساعد في تنامي نفوذ بكين على حساب الولايات المتحدة.

لم يؤثر انهيار نظام الرئيس الأسبق معمر القذافي عام 2011 في العلاقات الدبلوماسية الصينية الليبية، بخاصة أن الصين تعد شريكاً اقتصادياً تقليدياً لليبيا، وتمتلك 75 شركة تعمل في مجالات مختلفة كالبنية التحتية والاتصالات منذ عام 2010.

شراكة اقتصادية لم تزدها رياح ثورة الـ17 من فبراير (شباط) إلا قوة، إذ حصلت الصين عبر اتفاق مع الحكومة المكلفة من مجلس النواب (حكومة باشاغا) على حقوق تعدين الذهبفي الجنوب الليبي، كما سجلت الشركات الصينية حضوراً لافتاً في المؤتمر الدولي لإعادة إعمار مدينة درنة والمدن والمناطق المتضررة بالشرق الليبي، بينما قفزت قيمة المشتريات الصينية من النفط الليبي إلى ضعفين بين عامي 2017 و2020، كما وقعت بكين مذكرة تفاهم مع ليبيا في 2018 لإشراكها في مبادرة الحزام والطريق“.

ولوحظ توجه الصين إلى أفريقيا منذ نهاية الحرب الباردة، وهو حضور تعزز أكثر في العقود الأخيرة في كل من تونس والغابون ومصر وإثيوبيا وليبيا، التي يعتبرها المتنافسون الدوليون (مثل روسيا وأميركا) بوابة للقارة السمراء، إذ تشير إحصاءات عام 2021 إلى أن التجارة بين الصين وأفريقيا وصلت إلى 254.3 مليار دولار.

قلق أميركي 

تحركات الصين في ليبيا قابلها جمود في الموقف الأميركي، الذي وصفته تقارير صحافية أميركية العام الماضي (نقلتها مجلة نيوزويك“) بـغير المقبول، باعتبار أن ليبيا تمثل المنطقة الأكثر أهمية وديناميكية للتنافس الاستراتيجي والمناورة في حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يعد سبباً إضافياً لواشنطن للتحرك من أجل إنقاذ ليبيا، بحسب رئيس جمعية الدراسات الاستراتيجية الدولية ورئيس تحرير مجلة السياسة الاستراتيجية للدفاع والشؤون الخارجيةغريغوري كوبلي.

تعدين العملات 

الكاتب السياسي عبدالله الكبير يؤكد ما ذهبت إليه التقارير الأميركية، واصفاً خطوات واشنطن بـمرتبكة، موضحاً هناك تنافس بين القوى الكبرى على النفوذ في أفريقيا، لكن وفق استراتيجيات مختلفة، إذ تركز الصين على الاقتصاد، في حين عززت روسيا من حضورها عبر التدخلات العسكرية التي تقودها شركة (فاغنر). وعلى النقيض يبدو الحضور الأميركي أقل فاعلية في التصدي للتمدد الصيني والروسي في القارة الأفريقية“.

وعزا أسباب توجه الصين إلى ليبيا لتعزيز وجودها في أفريقيا إلى امتلاك القارة 30 في المئة من ثروة العالم من المعادن، ونصف احتياط الذهب العالمي، وجميعها عناصر تجذب الصين التي باتت متخصصة بتعدين الذهب والعملات، كما تتوفر أفريقيا على أكثر من نصف الأراضي الصالحة للزراعة، ونحو 20 في المئة من احتياطات العالم من النفط والغاز

وربط الكاتب اشتداد عود التغلغل الناعم للصين في أفريقيا بتاريخ تأسيس منتدى التعاون الصيني الأفريقي عام 2000، إذ بات للصين نفوذ كبير على الحكومات في أفريقيا، ومن بينها ليبيا التي فسر المتحدث الاهتمام الصيني بها بأنه أمر طبيعي، بخاصة أن الصين لم تنكر أن بريق الذهب ومشروعات البنية التحتية الليبية تغريها، مستبعداً سعي بكين إلى زعزعة الاستقرار في البلاد لأن هذا الأمر لن يوفر لها بيئة مناسبة للاستثمار

وختم موضحاً أن تحرر الصين من أي إرث استعماري في القارة السمراء ساعدها على التموقع بسرعة في الدول الأفريقية، مؤكداً أن التركيز الصيني في ليبيا سيكون على قطاعات الطاقة والمعادن والبنية التحتية.

موقع نفوذ

في المقابل، قال المحلل السياسي أحمد المهداوي إن الصين تسعى إلى اختراق ليبيا اقتصادياً مستعينة بخطها الدبلوماسي الذي ينشط جيداً خلف الكواليس، مع توخي الحذر في ما يخص التعقيدات العسكرية، مؤكداً أن ليبيا تعد موقع نفوذ مساعداً لتنامي الوجود الصيني الذي بدأ ينتشر في أفريقيا. وتابع أن الصين تنتهج نهجاً ظاهره أخلاقي حميد وباطنه مبني على توسيع رقعة المصالح السياسية والاقتصادية في أفريقيا انطلاقاً من ليبيا، ليصبح التنافس الآن بين روسيا والصين في ظل خسوف نجم الولايات المتحدة“.

وأوضح المهداوي أن الصين تغريها الاستثمارات النفطية ويشدها مجال البنية التحتية، وذلك جلي من خلال حضور وفد اقتصادي تجاري صيني رفيع المستوى السنة الماضية إلى ليبيا للتشاور مع السلطات حول استئناف عمليات التعاقد القديمة وبناء علاقات ثنائية في مجالات جديدة، على غرار الاستثمارات البيئية في المناطق الحاضنة للحقول النفطية.

________________

مواد ذات علاقة