الحبيب الأسود

 اختتمت قمة برازافيل للجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى حول ليبيا أشغالها دون أي اختراق جدي لجدار الأزمة، وبقيت تراوح مكانها بما يشير إلى استمرار حالة الانقسام داخل المشهد الليبي إلى أجل غير مسمى.

وأكد البيان الختامي على ضرورة وضع آلية أكثر فاعلية لإدماج دول الجوار في أعمال اللجنة، وأشاد في الوقت نفسه بـما وصفه بالتقدم السياسي الكبير في ليبيا، المفضي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية.

وأعربت الأطراف الموقعة على البيان الختامي عن دعمها توحيد المؤسسات الوطنية، وعبرت عن اطمئنانها للجهود التي يبذلها المجلس الرئاسي من خلال اعتماد رؤية إستراتيجية وطنية للمصالحة تقوم على الملكية الوطنية، مؤكدة ترحيبها باتفاق الأطراف الليبية على عقد مؤتمر المصالحة الوطنية في 28 أبريل القادم بمدينة سرت، بالتزامن مع انطلاق المفوضية العليا للمصالحة الوطنية، مطالبًا مفوضية الاتحاد الأفريقي بمواصلة دعم الليبيين، لضمان نجاح هذه العملية في الوقت المناسب وبطريقة فعالة.

ودعا المشاركون في قمة برازافيل جميع أصحاب المصلحة الليبيين إلى تبنى جهود المصالحة بشكل كامل، وبطريقة شاملة وبناءة، ورحبوا في الوقت نفسه بالتزام الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش، وحث ممثله الخاص في ليبيا على التعاون الوثيق مع الاتحاد الأفريقي من أجل ضمان استعادة السلام في ليبيا، كما طالبوا جميع الأطراف الخارجية بالتوقف والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا، لأن ذلك “يقوض المصالح الأساسية للشعب الليبي وتطلعاته المشروعة”، مؤكدا “الحاجة الملحة لسحب كل المقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا”، وفقاً لقرارات الاتحاد الأفريقي والقرارات الدولية ذات الصلة.

وشددت اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى من خلال ” نداء برازافيل من أجل تسريع مسار السلم والمصالحة في ليبيا” على “الدور الحاسم لمسار المصالحة الوطنية في إطار إرساء الثقة وتوطيد السلام كشرط مسبق للانتخابات”. وعبر أعضاء اللجنة عن “رضاهم لجهود المجلس الرئاسي الليبي عبر تبني نظرة إستراتيجية وطنية حول المصالحة على قاعدة وطنية، إضافة إلى تنظيم أول اجتماع تحضيري للندوة الليبية – الليبية للمصالحة من 8 إلى 12 يناير 2023 بطرابلس، وكذلك المشاورات المعمقة التي تمت في مختلف مناطق البلاد من قبل فريق الاتحاد الأفريقي بقيادة وزارة خارجية الكونغو.

ورحب أعضاء اللجنة بقرار رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي القاضي بإنشاء مفوضية وطنية عليا للمصالحة في أقرب الآجال، بهدف ضمان مشاركة واسعة لمختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين الليبيين في الجهود المبذولة من أجل المصالحة الوطنية، وجددوا الدعوة لكل الأطراف المعنية الليبية للانضمام الكامل لجهود المصالحة بطريقة بناءة، معتبرين أنه “لا يمكن التوصل إلى حلول دائمة من دون حوار صريح وجدي بين الفاعلين الليبيين”.

وأعربت اللجنة عن تضامنها مع الشعب الليبي وتمسكها بالوحدة الوطنية لليبيا وسيادتها، ووجهت اللجنة نداءها إلى جميع الأطراف الخارجية للتوقف والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا كون ذلك يقوض المصالح الأساسية للشعب الليبي وتطلعاته المشروعة إلى الاستقرار والسلام والازدهار والتنمية، وشددت على الحاجة الملحة لسحب كل المقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا وفقا لقرارات الاتحاد الأفريقي والقرارات الدولية ذات الصلة.

وقال المبعوث الأممي عبدالله باتيلي في كلمته إن “الخلافات في النهج التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة فيما يتعلق برعاية المصالحة الوطنية تهدد بعرقلة الأنشطة المستقبلية”. وأضاف أن “إعادة توحيد المؤسسات السياسية، وخاصة توحيد الحكومة وتجديد المؤسسات التشريعية، سيساعد في خلق بيئة مواتية وتسهيل التواصل بين الأحزاب في جميع المناطق”.

وأشار باتيلي إلى أن “الانقسامات المستمرة بين القادة السياسيين أصبحت تشكل عقبة إضافية أمام توحيد المؤسسات الليبية”، مضيفًا أن “العملية السياسية والمصالحة الوطنية يجب أن يسيرا جنبًا إلى جنب من أجل تحقيق سلام واستقرار مستدامين في ليبيا، داعيا القادة الليبيين إلى اعتماد مقاربة منهجية وتوافقية بشأن عملية المصالحة”. كما جدد “التعبير عن مناشدته للاتحاد الأفريقي بتشكيل فريق خبراء في ليبيا لدعم العملية، وشجع جميع الشركاء الإقليميين على تجديد دعمهم لمسار المصالحة الوطنية في ليبيا”.

وتضم اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي حول ليبيا، التي يرأسها الرئيس الكونغولي دونيس ساسو نغيسو، عشر دول، وهي: الجزائر، والكونغو، وجنوب أفريقيا، ومصر، وإثيوبيا، والنيجر، وموريتانيا، وتونس، والسودان، وأوغندا.

وبحسب مراقبين، فإن جهود الاتحاد الأفريقي لم تسجل أي تقدم يذكر، وأصبحت مكتفية بأن تكون صدى لنشاط لجنة المصالحة التي يقودها المجلس الرئاسي، والتي تتحرك وفق أجندات سياسية ووفق ما تتطلبه الظروف العامة في البلاد، وما تفرضه التدخلات الإقليمية والدولية.

وفي كلمته أمام القمة، أبرز محمد المنفي، أنه “انطلاقا من أهمية إنجاز المصالحة الوطنية الليبية لتعزيز فرص إجراء الانتخابات الشاملة، يسير البلد بخطى ثابتة في هذا المسار نحو عقد المؤتمر الأول الجامع للمصالحة بمدينة سرت والمقرر للثامن والعشرين من أبريل القادم”.

وقال المنفي “إنّه تمّ إسناد الاتفاق السياسي الليبي وخارطة الطريق المنبثقة عنه الصادرتين عن ملتقى الحوار السياسي الليبي المنعقد في جنيف 2021، برعاية وتسيير الأمم المتحدة، إلى المجلس الرئاسي لإطلاق عملية المصالحة الوطنية وتشكيل مفوضية وطنية عليا للمصالحة، وهو ما عكف عليه المجلس منذ استلامه لمهامه من خلال إطلاق حوار مجتمعي شامل دون إقصاء أو تمييز بين أبناء الوطن الواحد”. وبعد تذكيره باللقاءات والندوات التي جرت على التراب الليبي، والتي شهدت مشاركة فاعلة ومستمرة لدعم مسار المصالحة الوطنية ولقيادة المجلس الرئاسي لهذا الملف الإستراتيجي لتحقيق استقرار ليبيا وعموم إفريقيا، أكّد المنفي على “أهمية تعزيز هذه الجهود من خلال دعوة دول الجوار للانخراط في الأعمال التحضيرية لضمان توسيع الجهود الإقليمية الداعمة لهذا المسار”.

لافتا أن ليبيا اليوم تسير “بخطى ثابتة في هذا المسار بدعم ملموس من الشركاء الوطنيين والإقليميين والدوليين، نحو عقد المؤتمر الأول الجامع للمصالحة بمدينة سرت، عاقدين العزم من خلال الخطوات التي تقوم بها على أن تكون مخرجاته هي حجر الأساس في مسيرة الشعب الليبي نحو الوحدة والوفاق والتنمية والازدهار، من خلال إيلاء أولوية خاصة بكافة المكوّنات الاجتماعية وإعطاء دور للحكماء والأعيان في دعم مشروع المصالحة”، معتبرا أن “الاتحاد الأفريقي أثبت من خلال لجنته رفيعة المستوى التي يتولى قيادتها الرئيس الكونغولي دينيس ساسو نغيسو ومفوضيته وبقية هياكله على مدار أثنتي عشرة سنة، أنه منظمة إقليمية فاعلة وقادرة على الإنجاز لما فيه مصلحة شعوب القارة السمراء، على الرغم من العراقيل والصعوبات التي تواجه العمل الأفريقي المشترك، وهو الأمر الذي تجسّد بالمثابرة في السعي إلى مساعدة الليبيين لتحقيق السلام والاستقرار”.

ومن جانبه، عبر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن دعم بلاده التام لمشروع المصالحة الوطنية الليبية الجامعة، مؤكدا بأنّها لن تدّخر أيّ جهد في إطار المهام المعهودة لهذه اللجنة، وبالتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية المعنية، من أجل المساهمة في إنجاح هذا المسعى التصالحي الوطني المرجو.

وجدّد الرئيس تبون، في كلمة ألقاها بالنيابة عنه الوزير الأول نذير العرباوي، الدعوة لكل الليبيين إلى العمل على تحقيق ما يصبو إليه الشعب الليبي بجميع أطيافه ومكوّناته من أمن وسلام واستقرار وتمكينه من اختيار ممثليه وبناء مستقبله في كنف الوحدة والوئام بعيدا عن أيّ ضغوطات أو تدخلات أو إملاءات خارجية، مشيرا إلى أنّ ذلك لن يتأتى إلا من خلال تنظيم الانتخابات التي كانت مقرّرة أصلا في نهاية 2021، ذلك أنّها تبقى السبيل الأمثل لوضع حدّ للأزمة الليبية، والضامن الأوحد لحل نهائي لإشكالية الشرعية في ليبيا.

كما شدّد تبون، بشكل خاص على ضرورة إنهاء كافة أشكال التواجد العسكري الأجنبي في ليبيا، لاسيما فيما يتعلّق بضرورة “سحب المرتزقة، جميع المرتزقة، مهما تغيّرت مسمياتهم”، وهو ما رأى فيه بعض المتابعين، إشارة إلى مسلحي ” فاغنر” الروس، في ظل الصراع القائم في جمهورية مالي، والذي يؤشر لوجود خلافات حادة مع موسكو.

وأكد تبون على أنّ استخدام القوة في ليبيا لن يؤدي إلا إلى استمرار الأزمة وتفاقمها وتعريض مستقبل الشعب الليبي للخطر، وتقويض حقه في الاستقرار والأمن والرخاء، وزيادة تدهور الأوضاع في المنطقة، التي تتحمل أكثر من غيرها وطأة التأثير السلبي لعدم الاستقرار والانقسام السياسي الذي يحتدم في هذا البلد، والذي أصبح، رغما عنه، ملجأ للميليشيات المسلّحة والجماعات الإرهابية والشبكات الإجرامية لتهريب الأسلحة والمخدرات ومعبرا للهجرة غير الشرعية، مردفا أنّ أيّ حلّ نهائي للأزمة الليبية لن يتأتى إلا عبر مسار يكرّس مبدأ السيادة الوطنية ويتولى فيه الأشقاء الليبيون زمام أمورهم، ويحفظ حقهم الأصيل في ثروات بلادهم وفي تسييرها واستغلالها بما يضمن لهم الاستقرار والتنمية والازدهار، وفق تقديره.

وألقى نبيل عمّار، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج كلمة جدّد فيها التعبير عن موقف تونس الداعم للتسوية السياسية في ليبيا وحرصها على العمل من أجل تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف الليبية من أجل التوصّل إلى تسوية سلمية على أساس حلّ ليبي – ليبي، بعيدا عن التدخلات الخارجية وبما يحفظ وحدة ليبيا ويحقّق لشعبها الشقيق الأمن والاستقرار.

وأشار الوزير إلى أن الرئيس قيس سعيد، يدعم هذا الموقف المبدئي، وذلك سواء لدى استضافة تونس لملتقى الحوار السياسي الليبي برعاية الأمم المتحدة في 09 نوفمبر 2023، أو بمناسبة زيارته الرسمية إلى ليبيا إثر استلام السلطات الليبية المنبثقة عن مسار جينيف لمهامها يوم 17 مارس 2021، من خلال دعوة الأشقاء الليبيين إلى توحيد صفوفهم حول مشروع وطني جامع، يُعيد إلى ليبيا أمنها واستقرارها ويمكّنها من القيام بدورها في الحفاظ على أمن المنطقة ويُجنّبها مزيدا من التوتر والتهديدات الأمنية، وذلك بالتعاون مع كافة الأطراف والهياكل الدولية الفاعلة وفي مقدمتها الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.

ودعا الوزير التونسي إلى توحيد الجهود من أجل المصالحة الوطنية الشاملة، معتبرا أن هذه القمة تمثل مناسبة متميّزة لتقريب وجهات النظر، ومعربا في نفس السياق عن تقدير سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد للمساعي التي يبذلها رئيس جمهورية الكونغو على رأس اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا للدفع باتجاه إنجاح مسار المصالحة الوطنية الليبية وضمان كلّ مقومات الأمن والاستقرار في المنطقة.

بدوره، أكد نائب وزير الخارجية للشؤون الأفريقية السفير حمدى لوزا، دعم مصر الكامل لمسار الحل الليبي – الليبي، دون أية إملاءات أو تدخلات خارجية، مبرزاً الاهتمام البالغ الذى توليه القاهرة لإنجاز مسار المصالحة الوطنية في ليبيا.

وأكد في كلمته أمام القمة على ثوابت الموقف المصري تجاه الأزمة الليبية، واستعرض الموقف المصري الراسخ الداعي إلى ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا في مدى زمني محدد تنفيذا للقرارات الدولية ذات الصلة، مثمنا جهود مجلس النواب الليبي، واستيفائه لجميع الأطر القانونية والدستورية اللازمة، بهدف إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن في ليبيا.

ولاحظ محللون سياسيون، أن القمة كانت باهتة من حيث ضعف المشاركة، ومن حيث الخطاب المعتمد من قبل الدول الأعضاء، بالإضافة الى فحوى البيان الختامي الذي اعتمد تكريس طاحونة الشيء المعتاد، بما يشير إلى أن الملف الليبي يتجاوز قدرات الاتحاد الأفريقي، وهو اليوم جزء من صراع على النفوذ بين القوى العالمية الكبرى.

_________________

مواد ذات علاقة