كريمة ناجي

تواصل الانقسام السياسي الذي تعمق بفشل إجراء انتخابات وطنية تنهي المراحل الانتقالية

على رغم دعوات المقاطعة التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، نظمت، أمس السبت، في العاصمة الليبية طرابلس غرباً، حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة احتفالات الذكرى 13 لانتفاضة 17 فبراير (شباط) التي أطاحت نظام القذافي عام 2011.

وحلت الذكرى 13 لانتفاضة فبراير وسط تواصل الانقسام السياسي الذي تعمق بفشل إجراء انتخابات وطنية تنهي المراحل الانتقالية، حيث أكد المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باثيلي، في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، الخميس الماضي، أن حلت ذكرى فبراير وما زال الليبيون ينتظرون تحقيق أحلامهم بعد 13 عاماً في السلام والديمقراطية، مضيفاً أنه حتى الآن لم يعدل أي من القادة الليبيين من موقفهم“.

الأولية للإعمار

في المقابل، ألغت حكومة أسامة حماد (شرق) المكلفة من البرلمان، الاحتفال بانتفاضة فبراير، وعزت في بيان لها على موقعها الإلكتروني إلغاء الاحتفال هذا العام، إلى صعوبة ظروف البلد وعلى رأسها العاصفة دنيالالتي ضربت شرق ليبيا وخلفت أكثر من 11 ألف ضحية بين قتيل ومفقود.

وأضافت الحكومة التي يرأسها حماد، أن تفضل تحويل كل الإمكانات المالية لهذه السنة إلى صندوق إعادة إعمار مدينة درنة والمدن والمناطق المتضررة بالشرق الليبي، التي دمرت بفعل عاصفة دانيالفي سبتمبر (أيلول) 2023.

البرلمان هو السبب

واصطدم الدبيبة في الميدان بأصوات رافضة للاحتفال، مؤكداً في فيديو متداول على صفحات الإنترنت أن الاحتفال يأتي تخليداً لأرواح ضحايا فبراير، واصفاً الاحتفال بـالمبارك، ليرد عليه أحد المتظاهرين الرافضين للاحتفال بأن الوقت غير مناسب للاحتفال، فليبيا تمر بظروف صعبة حالت دون حصول المواطنين على مرتباتهم، وكان الأجدر تخصيص موازنة الاحتفال للفقراء“.

وواصل الدبيبة دفاعه عن إحياء ذكرى انتفاضة فبراير، موضحاً أن البرلمان هو من أوقف مرتبات الليبيين، وذلك إثر عدم صرفه للموازنة، رافضاً توجيه الاحتفالات إلى مآرب أخرى“.

حرب كلامية

وفي الإطار نفسه، أكد عضو لجنة مجلس الأمن القومي في البرلمان علي التكبالي في تدوينة فيسبوك، أن المسألة ليست في الاحتفال بل في من يشكو ويحضر الاحتفال“.

وتساءلت مديرة أحد المواقع الإلكترونية ريم البركي قائلة، بعد أن رقصتم أمس، من يبلغ عبدالحميد الدبيبة بهذا الطلب، المتمثل في أن هناك مواطناً ليبياً يحتاج إلى 350 ديناراً ليبياً (50 دولاراً أميركياً) فقط لا غير للتنقل من مدينة غات (جنوب) إلى إحدى المدن غرب البلاد لتلقي جرعة دواء؟، مؤكدة أن مدينة غات لا توجد فيها جرعات لمرضى السرطان ولا توجد فيها شبكة مواصلات عامة“.

فيما أشاد أحمد الشلماني بـجمالية الاحتفال، مستدركاً أن هناك أولويات، فالموازنة التي رصدت للحفل بإمكانها تسديد ديون علاج الأورام والأمراض المزمنة في كل من الأردن وتونس ومصر“.

وأردف فيصل المغربي في تعليق له على احتفالات ذكرى انتفاضة فبراير، بأنه لا يعارض إقامة الاحتفالات، غير أنه تساءل في الوقت نفسه عن أسباب الاحتفال خصوصاً أن الانتفاضة الليبية لم تحقق أهدافها، لترد المواطنة الليبية عائشة قائلة إن انتفاضة فبراير حلمنا وإن تعطل“.

الخلاف السياسي

وقال المتخصص في الشأن الليبي بمركز مدريد للإعلام محمد الصريط، إن الثروات لا تبني الدول بل يقتصر دورها فحسب على تغير الأنظمة أو إسقاطها، من ثم فإن الاحتفال بذكرى فبراير من عدمه لن يبني الدولة الليبية، لأن البناء مهمة القيادات والنخب وهي فشلت في ذلك“.

وتابع الصريط أن من عطل تحقيق أهداف ثورة فبراير هو تواصل الصراع السياسي على من يحكم ليبيا، وتساءل عن سبب ربط عدد من الليبيين سوء الأوضاع المعيشة في ليبيا بإقامة الاحتفال من عدمه، خصوصاً أن المواطن يتمتع بمجانية معظم الخدمات على رأسها الكهرباء عكس بقية البلدان المجاورة. ولفت إلى أن ظروف العيش في ليبيا ليست بذلك السوء الذي رُوِّج له على هامش احتفالات فبراير.

ولم ينفِ المتخصص في الشأن الليبي نقص السيولة وتوقف المرتبات أخيراً، معتبراً أن هذا الأمر يعود إلى فشل أطراف الصراع في الذهاب بالبلد إلى انتخابات وطنية، تنهي العبث الذي تتخبط فيه البلاد منذ 2011، التي يأتي في مقدمها حجم الإنفاق على المرتبات الذي بلغ وفق آخر إحصاءات ديوان المحاسبة الليبي المنشورة أواخر عام 2023، 50 مليار دينار ليبي (7.14 مليار دولار أميركي).

وأضاف أن قرابة نصف سكان ليبيا يعملون في وظائف حكومية (ثلاثة ملايين موظف فيما يبلغ عدد سكان ليبيا ستة ملايين نسمة)، وهي جميعها عوامل مؤثرة في الظروف الاقتصادية للدولة الليبية، التي فشل قادتها في المرور بها إلى منظومة اقتصادية حرة، حيث لجأ القذافي عامي 2005 و2006 إلى إصدار قرار بتقليص الموظفين في الدوائر الحكومية وتغييرهم إلى القطاع الخاص ومنحهم بعض القروض، لأن الكادر الوظيفي في ليبيا كادر ضخم العدد وهو عبء ثقيل على الاقتصاد الوطني.

وأردف الصريط أن عدم توفر المرتبات سببه سياسي ولا علاقة له بموازنة احتفال فبراير. وقال لنفترض أن حكومة الدبيبة اختلست 10 ملايين دينار ليبي (1.4 مليون دولار أميركي) هي قيمة لا تمثل شيئاً أمام مجموع قيمة المرتبات التي تصل إلى 50 مليار دينار ليبي (7.14 مليار دولار أميركي)، مضيفاً أن الأزمة الليبية أعمق من أن تختزل في الاحتفال بذكرى فبراير من عدمه، فتجاوز الأزمة الليبية يتم عبر حل الخلاف السياسي“.

الأولوية للانتخابات

على النقيض، أكد رئيس منظمة ضحايا لحقوق الإنسان ناصر الهواري، أن الأولوية الحالية تتطلب توجيه موازنة الاحتفال التي تصرف كل عام إلى تحسين البنية التحتية وتحسين مستوى الأوضاع المعيشية للمواطنين الذين كانوا يقفون أمام المصارف الليبية لتحصيل بعض الدنانير لسد متطلبات الحياة اليومية، بينما لا تفصلهم إلا أمتار قليلة عن منصة احتفالات كلفت الدولة الليبية مبالغ مالية ضخمة.

وتابع الهواري أن الانتفاضة الليبية نجحت في إزاحة القذافي ونظامه من الحكم، ولكنها فشلت في تحقيق أهدافها وأصبحت عاجزة عن توفير حياة كريمة للشعب الليبي الواقع بين مطرقة غلاء المعيشة وسندان تغول الجماعات المسلحة“.

وشدد على أن الأولوية الملحة في هذه المرحلة هي القضاء على المجموعات المسلحة وجمع 29 مليون قطعة سلاح منتشرة خارج أطرها القانونية، ثم التوجه نحو إقامة الانتخابات والاستفتاء على الدستور، مؤكداً أنه كان من المفترض اقتصار حكومة الدبيبة على إقامة احتفال رمزي توفيراً للنفقات التي تحوم حولها الشبهات“.

_____________

مواد ذات علاقة