د. احمد اويصال

الوضع الراهن للأزمة ومناورات الفاعلين المؤثرين

لوحظ في الفترة الأخيرة، أن ليبيا دخلت في حالة عدم استقرار جديدة وبدأت مساعي بحث مختلفة.

لأن الحكومة الموازية في الشرق رغم عدم حصولها على اعتراف أحد ورغم أنها دمية في يد حفتر إلا أنها مستمرة ولو بالإسم. إضافة إلى ذلك، فشل البرلمان في الوصول إلى اتفاق بشأن الانتخابات.

من جانب آخر، فإن مبعوث الأمم المتحدة الذي تم تعيينه في سبتمبر الماضي الدبلوماسي السنغالي عبدالله باتيلي، توجه إلى ليبيا وبدأ مساعيه لإيجاد حلول للأزمة الجارية والتقى بالعديد من الأطراف وبشكل خاص بمرشحي الرئاسة في الانتخابات.

لكنه لم يول اهتماما كبيرا بمؤيدي الثورة في الغرب والمؤمنين بالمسار الديمقراطي والجهات الفاعلة المقربة من تركيا، مع أن هذه المجموعات هي التي دافعت عن طرابلس ومحيطها ضد الانقلاب، وحتى الآن لم يتمكن الممثل الأممي من تقديم اقتراح حل ملموس، ولكن إذا لم يتفق معسكرا الشرق والغرب، فإن المجتمع الدولي والجهات الفاعلة عالميا ستعود مرة أخرى وتصبح أكثر فاعلية في هذا الصدد.

جدير بالذكر أن الولايات المتحدة تولي أهمية خاصة لليبيا في الفترة الأخيرة. والدليل على ذلك، الزيارة التي أجراها مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز لأول مرة إلى ليبيا، حيث التقى مع الدبيبة وحفتر. لكنه لم يلتق رئيسي البرلمانين عقيلة صالح وخالد المشري ورئيس الحكومة الموازية باشاغا. وتم تفسير هذا الأمرعلى أنه رسالة موجهة من أمريكا إلى شرائح مختلفة.

ويعرف الدبلوماسي السابق بيرنز أهمية ليبيا لا سيما في الحسابات الإقليمية مثل الطاقة، والأهم من ذلك أن يسعى لإضعاف نفوذ روسيا في أفريقيا بسبب حرب أوكرانيا. واتضح بعد الزيارة، أن بيرنز طلب من حفتر إخراج قوات فاغنر الروسية من البلاد. وعلى الرغم من أن انخفاض الدعم العسكري الروسي اضعف قبضة حفتر ومصر، إلا أن من غير المعروف ماهية التنازلات التي ستقدمها أمريكا مقابل ذلك. لكن بشكل عام، يمكن القول إن أمريكا بعيدة عن الجناح الانقلابي التي تقوده فرنسا ومصر.

وبعد زيارة المسؤول الأمريكي مباشرة، قام رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان أيضا بزيارة ليبيا وهناك يمكن الفهم أن زيارة السودان في البداية ومسألة إعادة ميليشيات الجنجويد القادمين من هناك، بأنها تتعلق أيضا بليبيا.

حيث كان لقاء فيدان مع رئيس الوزراء الدبيبة خلال زيارته لليبيا، متعلقا بالوضع العام هناك، إضافة إلى التطورات الأمنية والسياسية الجديدة. كما التقى فيدان مع خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة وقادة أخرين تجاهلهم بيرنز.

وتداولت الأنباء أن الاجتماع ساهم في خفض حدة الخلافات التي ظهرت مؤخرا بين المشري والدبيبة. لقد كانت زيارة فيدان تشير إلى أن المخاوف الأمنية فيما يتعلق بقضايا البحر المتوسط وأوكرانيا والميليشيات تبرز إلى الواجهة في الملف الليبي بالنسبة لتركيا.

إن من التطورات المهمة في الفترة الماضية أن بعض الدول العربية بقيادة مصر، بدأت تتعامل ببرود تجاه حكومة باشاغا الموازية. وكانت مصر قد أبدت ردود فعل خلال الاجتماعات السابقة لجامعة الدول العربية، تشير إلى أنها لا ترى حكومة الدبيبة حكومة شرعية.

كما أن ممثلي مصر والسعودية والإمارات لم يحضروا اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد في ليبيا في 22 يناير وعلى الرغم من أن الاجتماع كان ذا طبيعة استشارية، إلا أن المستوى المنخفض لتمثيل البلدان الأخرى يضعف شرعية حكومة الدبيبة.

من جانب آخر، تعمل مصر على زيادة نفوذها على مستقبل ليبيا عبر السيطرة على خليفة حفتر وعقيلة صالح، من خلال القبائل في الشرق والوسط في الحوار بين الشرق والغرب.

كلما واجهت حكومة الدبيبة بعض المشكلات في الداخل والخارج، فإنها تقدم بعض التنازلات لبعض الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية وللجهات الفاعلية محليا مثل حفتر. ومن بين هذه التنازلات، منح الإمارات رئاسة مؤسسة النفط الليبية، وتسليم مفجر لوكربي إلى أمريكا، وأخيرا صفقة النفط بقيمة 8 مليارات دولار مع إيطاليا. وتم إبرام هذه الاتفاقية خلال زيارة رئيسة الوزراء الايطالية جورجيا ميلوني إلى ليبيا.

من جانبه انتقد باشاغا رئيس الحكومة الموازية في الشرق هذه الاتفاقية قائلا إنه تم التفريط في البترول إلى أيطاليا. كما انتقد وزير النفط في حكومة الدبيبة محمد عون هذه الصفقة قائلا كان يجب إبرام الصفقة من خلال الوزارة. كما أن إيطاليا التي تعارض النهج الإنقلابي لفرنسا شددت على التعاون بشأن المهاجرين غير الشرعيين من ليبيا، خلال هذه الزيارة التي تدل على دعمها إلى حكومة الوحدة الوطنية الضعيفة.

وفي النتيجة، هناك اليوم أزمة سياسية خطيرة في ليبيا، كما أن هناك تحركات في كل من الشرق والغرب. وليس من الواضح ما إذا كانت الانتخابات ستجرى مع نفس الحكومة أو مع حكومة جديدة. في الواقع، تحاول مصر وفرنسا والإمارات تجنب الانتخابات بفرض تشكيل حكومة جديدة. وحتى لو كانت هناك انتخابات، فتحاول هذه الدول إجبار انتخاب حلفائهم الديكاتورين، بينما تريد تركيا وإيطاليا وأمركيا إجراء انتخابات مع حكومة الدبيبة.

ولو كانت هناك حكومة جديدة، فهي تريد تشكيلها بتوافق جميع الأطراف، إن أمكن. وفي هذا السياق، يتولى رئيسا البرلمان خالد المشري وعقيلة صالح إجراءات تشكيل الحكومة الجديدة. لكن هناك مسألة لم يتم حلها بين الطرفين، وهي ما إذا كان لحفتر وأبنائه الحق في الترشح أم لا، ويمكننا القول إن منيج الصعب حل هذه المسألة.

وفي حال عدم إيجاد حل للأزمة السياسية الجارية في ليبيا أو رفض حكومة الدبيبة الحل المقترح، فهذا سيزيد من عمق الأزمة وستغرق البلاد في الفوضى مرة أخرى. وفي هذه المرحلة، يمكن لممثل الأمم المتحدة في ليبيا عبدالله باتيلي الذي فشل في تحقيق نتائج من جولات إيجاد الحل، أن يتولى هذه المهمة.

ويمكن لباتيلي اتخاذ قرارات من شأنها أن تحدد مجلس الحكم الحالي والحكومة ومستقبل البرلمانين. وربما يرغب في إلغائهم جميعا أو إلغاء بعضهم وتشكيل حكومة جديدة بفرض حل خارجي من خلال لجنة الـ 75 مثل ما حدث في عام 2020. وفي هذه المرحلة، سنرى أهمية كبيرة لردود فعل الشعب الليبي الذي لا يتم إيلاء الاهتمام لرأيه كثيرا، على هذه القرارات.

لذلك وصلت ليبيا إلى مقترق طرق مرة أخرى، وكل الخيارات مفتوحة، من الإنقلاب إلى الفوضى والانتخابات. وفي هذه المرحلة، يجب على تركيا الصديق الحقيقي لليبيا، المشاركة بفعالية وحساسية كبيرة في هذه التطورات.

***

أحمد اويصال دكتور وبروفيسور مختص في علم الإجتماع السياسي، مهتم بدراسة الشؤون العربية والعلاقات العربية التركية، تخرج من جامعة الاوسط التقنية بتركيا من قسم علم الإجتماع.

_____________

مواد ذات علاقة