وسام عبدالكبير

غادرت الدبلوماسية المُخضرمة ستيفاني ويليامز منصبها كمستشارة للأمين العام للأمم المتحدة في نهاية يوليو 2022، ومع استمرار شُغور منصب رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا منذ استقالة السلوفاكي كوبتش، لم يحدث توافق مابين أعضاء مجلس الأمن على تسمية مبعوث أممي جديد لليبيا بسبب الانقسام الحاصل في المجلس عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا.

ساد الانقسام السياسي المشهد الليبي من جديد بعد قيام البرلمان بتشكيل حكومة جديدة مع استمرار حكومة الوحدة الوطنية، بالمقابل فشلت كافة المشاورات بين رئاستي مجلس النواب والدولة في إيجاد صغية جديدة لإنعاش العملية السياسية.
وفي ظل الأحداث المتسارعة التي يشهدها العالم ومنطقة الساحل الأفريقي شهد مطلع العام الماضي 2023 حراكا كبيرا للدبلوماسية الأمريكية تجاة ليبيا.

البداية كانت بزيارة رئيس الوكالة المركزية للمخابرات الأمريكية ويليامز بيرنز إلى ليبيا، زار بيرنز ليبيا عندما كان نائب وزير الخارجية قبل عشرين عامآ، وصنفت تلك الزيارة على أنها الأولى التي يقوم بها مسؤول أمريكي بهذا المستوى في الإدارة الأمريكية بعد قرابة ثلاثين عامآ.

أهم القضايا التي ناقشها بيرنز مع السلطات الليبية هي التعاون الأمني والاستخباراتي بشأن تهديدات محلية وإقليمية محددة، وعبر بيرنز عن قلقة إزاء التأثير السلبي لمجموعة فاغنر على جيران ليبيا، دول الساحل الأفريقي، ويرى بيرنز أنه من الأفضل أن تكون مجموعة فاغنر غير مرحب بها في المنطقة.

عمل بيرنز سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في روسيا من 2005 إلى 2008، وتحصل على أعلى رتبة في السلك الدبلوماسي. زيارة بيرنز جاءت بعد حوالي شهر من تسليم السلطات الليبية ابوعجيلة المريمي للولايات المتحدة الأمريكية بسبب ادعاءات مرتبطة بقضية لوكربي.

لم يتوقف الحراك الدبلوماسي الأمريكي تجاة ليبيا. بربارا ليف مساعدة وزير الخارجية تصل إلى ليبيا وتلتقي بالقادة الرئيسيين، وأكدت حرص بلادها على إجراء الانتخابات في ليببا، كما ناقشت ليف نشاط شركة فاغنر ووصفتة بأنه مزعزع للاستقرار في المنطقة.

كما شهدت العاصمة الإيطالية روما لقاء قائد الأفريكوم الجنرال مايكل لانغلي مع كل من رئيس الأركان التابع لحكومة الوحدة الوطنية الفريق محمد الحداد، ورئيس الأركان التابع للبرلمان الفريق عبد الرازق الناظوري، وأكد الحداد والناظوري على المضي قدمآ في توحيد المؤسسة العسكرية وتشكيل قوة مشتركة كخطوة أولى لحماية الحدود الجنوبية، كما أكدا على وحدة التراب الليبي والمحافظة على السيادة الوطنية.

بعد إقرار التعديل الدستوري الثالث عشر من قبل مجلسي النواب والدولة كإطار قانوني لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ليبيا، استمر الحراك والضغط الأمريكي على القادة الرئيسيين في ليبيا لدعم المبعوث الأممي عبدالله باتيلي من أجل دفع الفرقاء الليبيين إلى إنجاز القوانين الانتخابية والتوافق على كافة النقاط الخِلافية للدفع بالعملية السياسية. وتواصلت جولات السفير الأمريكي نورلاند والقائم بالأعمال الأمريكي جيرمي برنت من خلال لقاءاتهم مع الأطراف الرئيسية للتوافق على القوانين الانتخابية التي أقرتها اللجنة المشتركة 6+ 6.

وعقب كارثة درنة توجة السفير الأمريكي نورلاند وقائد الأفريكوم الجنرال مايكل لانغلي إلى طرابلس وبنغازي، والتقيا كلا من الدبيبة والمنفي وحفتر، وأكدا على دعم الولايات المتحدة الأمريكية للجهود الليبية على الصعيد الوطني لمساعدة المحتاجين في المناطق المتضررة من الفيضانات. كما بحث نورلاند وقائد الأفريكوم مع القادة الليبيين أهمية تشكيل حكومة وطنية منتخبة ديمقراطيآ، وإعادة توحيد الجيش الليبي وحماية السيادة الوطنية عن طريق إزالة المرتزقة الأجانب.

 وقبل أيام من زيارة الوفد الأمريكي نشرت جريدة وول ستريت جورنالالأمريكية تقريرا حول زيارة لبعثة أمريكية دبلوماسية وعسكرية إلى ليبيا للضغط على القادة الليبيين من أجل طرد مرتزقة الفاغنر وتوحيد المؤسسة العسكرية.

رغم الأوضاع الدولية الساخنة فإن الملف الليبي ظل حاضرا في دائرة اهتمام الإدارة الأمريكية، استمرت الجهود الدبلوماسية الأمريكية في دعم مبادرة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي من خلال الضغط على الأطراف الرئيسية للجلوس على طاولة الحوار.

ومع بداية العام الحالي يناير 2024 يزور جوش هاريس نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون شمال إفريقيا ليبيا رفقة المبعوث الأمريكي الخاص السفير نورلاند والقائم بالأعمال الأمريكي جيرمي برنت، التقوا خلالها القادة الليبيين وتمت مناقشة سُبل الدفع بالعملية السياسية ومعالجة الانسداد السياسي، بالإضافة إلى ملفي تأمين الحدود ومكافحة الإرهارب، وسبق أن التقى هاريس والسفير نورلاند برئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، خلال زيارة الأخير إلى واشنطن، وبحث الاجتماع تعميق العلاقات الليبية الأمريكية حسب بيان وزارة الخارجية الأمريكية.

عندما كان جوش هاريس يشغل منصب نائب رئيس البعثة الأمريكية في ليبيا، قدم إلى ليبيا في أكتوبر 2019 وكانت أول زيارة لدبلوماسي أمريكي إلى ليبيا بعد حظر واشنظن عملياتها الدبلوماسية في ليبيا منذ 2014 بسبب حادثة الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي في 11 سبتمر 2012 والتي أدت إلى مقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز.

ختاما، إن عدم استقرار دول الساحل الأفريقي التي استعانت بقوات الفاغنر والتي لاتزال تُعاني من الحروب الأهلية والإرهارب والحركات الانفصالية، بالإضافة إلى استمرار نهب ثرواتها الطبيعية واستغلالها من قبل شركة الفاغنر الروسية، هذه العوامل بدأت تدفع هذه الدول للبحث عن شريك أمني وسياسي آخر يحقق التوازن المطلوب.

وبالتالي كان على الولايات المتحدة الأمريكية تطوير إستراتيجيتها لإحداث التوازن الأمني والحد من النفوذ الروسي في هذه الدول، البداية كانت من جمهورية أفريقيا الوسطى، بسبب أوضاعها الداخلية وحالة عدم الاستقرار في دول الجوار بالإضافة إلى مقتل زعيم الفاغنر بريغوجين مما دفعها إلى ضرورة تنويع مصادرها الأمنية وخلق بدائل عن علاقاتها مع روسيا.

وبالتالي أبرمت السلطات في أفريقيا الوسطى اتفاقية مع الشركة الأمريكية الأمنية الخاصة بانكروفت، بهدف تقديم التدريب في مجال أمن الحدود والاستثمار في عدة قطاعات، بالإضافة إلى تشكيل وحدة خاصة من أفريقيا الوسطى مجهزة ومدربة لتكون مخصصة لحماية ومراقبة امتيازات التعدين.

شركة بانكروفت ليست غربية عن أفريقيا فقد سبق لها العمل في الصومال وأوغندا وكينيا وليبيا، بانكروفت في مواجهة الفاغنر والصراع والتنافس بين واشنطن وموسكو في منطقة الساحل الأفريقي عبر الشركات الأمنية، وبالتالي هل من الممكن ان تنتقل إستراتيجية التوازن والتنوع الأمني إلى ليبيا وباقي دول الساحل الإفريقي؟

ومع تداعيات الانقلاب العسكري في النيجر على ليبيا ومنطقة الساحل الأفريقي وسعي موسكو لتأسيس الفيلق الأفريقي ليحل محل الفاغنر في عدة دول أفريقية من ضمنها ليبيا وأفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو والنيجر، بداية من الصيف القادم، هذه المتغيرات تدفع الولايات المتحدة الأمريكية للعمل على تطوير إستراتيجيات جديدة تواكب التطورات الحاصلة في المنطقة.

وأخيراً، إن كافة محددات الشراكة الاستراتيجية الأمريكية مع المؤسسات الليبية على المستوى السياسي والاقتصادي والتنموي تصب في اتجاة مواجهة النفوذ الروسي في ليبيا عامة والجنوب بشكل خاص، حيث يُشكل الجنوب الليبي نقطة هامة في الإستراتيجية الأمريكية من أجل إحراز تقدم في دول الساحل الأفريقي.

تهدف الاستراتيجية الأمريكية تجاة ليبيا بالدرجة الأولى إلى إنهاء النفوذ الروسي الذي يُشكل خطرا على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة.

إن انخراط الإدارة الأمريكية في الملف الليبي هو نتاج لتصاعد الدور الروسي، حيث يمكن للولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على مصالحها في ليبيا عبر وكلائها الإقليميين وحلفائها الدوليين، ولكن الوجود الروسي جعل الدبلوماسية الأمريكية متقدمة خطوات كبيرة عن باقي الدول الغربية تجاة تعاملها مع الملف الليبي.

_____________

مواد ذات علاقة