د ميرال صبري العشري

تواجه ليبيا حاليا نقصا في الأموال لدى البنوك، مما يثير قلق المواطنين الذين يعانون من تأخر الرواتب وارتفاع سعر الدولار مقارنة بالدينار.

اندلعت الأزمة الاقتصادية بسبب الاشتباكات المسلحة في المدينة حيث كانت الميليشيات المسلحة تتقاتل من أجل السيطرة على ميناء استراتيجي. وأدى ذلك إلى عدم قدرة السفن المحملة بالبضائع على التفريغ بالقرب من ميناء طرابلس الدولي، مما أدى إلى عدم استقرار سوق المواد الغذائية واختفاء بعض السلع من الرفوف. وكانت عمليات الشحن محدودة للغاية، مع ازدحام ناقلات النفط بالقرب من الميناء بسبب إغلاق المنشآت النفطية.

مع اقتراب شهر رمضان، وهو الوقت الذي يتسم عادة بزيادة المشتريات ونشاط السوق، يعبر سكان بنغازي عن إحباطهم بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتأخر الرواتب. وبلغ سعر الصرف الرسمي للدولار 4.80 دينار، بينما في السوق الموازية (السوق السوداء) يبلغ 7.39 دينار.

تواجه ليبيا حاليا تحديات اقتصادية مختلفة تسبب صعوبات لمواطنيها. المشاكل المالية آخذة في الارتفاع، وتأثيرها واضح في حياة الناس اليومية. أحد أهم التحديات هو تأخر دفع الرواتب، وهو الأمر الذي يعاني منه العديد من الموظفين. وهذا يؤثر بشكل مباشر على قدرتهم الشرائية، مما يجعل وضعهم المالي أكثر صعوبة. تضع هذه القضية المواطنين في موقف صعب وهم يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية والاستعداد لشهر الصيام .

بالإضافة إلى ذلك، فإن سعر صرف العملة المحلية يتراجع بسرعة، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة نقص السيولة في السوق. ويحد هذا الانكماش الاقتصادي من إمكانية حصول المواطنين على النقد ويزيد من التحديات المالية التي يواجهونها بالفعل.

ترجع الأزمة بشكل رئيسي إلى النقص الحالي في السيولة، الناتج عن القرارات غير المتسقة وغير المتوقعة التي اتخذها مصرف ليبيا المركزي. وأدى ذلك إلى تآكل الثقة بين البنك والمواطنين والتجار، فضلاً عن إعاقة الاستثمارات وتدفق الأموال.

المواطنون يسحبون أموالهم بشكل فوري، والتجار يترددون في إيداع أموالهم في البنوك، ما يؤدي إلى التضخم. ويزيد غياب القواعد القانونية لمحاسبة مسؤولي البنك المركزي من تعقيد الوضع. ويعمل محافظ مصرف ليبيا المركزي الآن على إنشاء موازنة وطنية موحدة وسط تراجع قيمة الدينار الليبي لضمان الاستدامة المالية للدولة.

على الرغم من توقعات البنك الدولي الأولية بأن يتعافى الاقتصاد الليبي في عام 2023 بعد عقد من العقبات، إلا أن الأحداث الأخيرة مثل الفيضانات وحرب غزة وعدم الاستقرار السياسي أدت إلى تفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد. وقد أدى ذلك إلى زيادة الضغط على موارد الدولة.

وفي ليبيا، يشكل الوضع الاقتصادي تحديات كبيرة للشعب الليبي. وتشمل هذه التحديات ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الدقيق والزيت والسكر، فضلا عن زيادة أسعار الوقود التي تؤثر على التنقل والحياة اليومية. ويؤثر ارتفاع الاستهلاك والتضخم على القوة الشرائية للدينار الليبي.

ويؤدي التأخير المتكرر في صرف الرواتب إلى زيادة الضغط على الأسر. بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص في السيولة النقدية في البنوك التجارية والوقود في معظم المدن الغربية والجنوبية، مما يجعل من المستحيل تقريبًا إجراء عمليات شراء.

وفقًا للبنك الدولي، وصلت معدلات البطالة في ليبيا إلى 19.6%، ويعمل أكثر من 85% من السكان النشطين اقتصاديًا في القطاع العام والاقتصاد غير الرسمي. وتعتمد ليبيا بشكل كبير على استيراد المواد الغذائية، ومع ارتفاع سعر صرف الدولار، يشهد الدينار الليبي تراجعا كبيرا في سوق العملة الموازية، حيث وصل إلى ما يقارب 7.34 مقابل الدولار، فيما بقي السعر الرسمي عند 4.85.

ويؤدي زيادة الاستهلاك وارتفاع الطلب إلى ارتفاع الأسعار، مما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، مما يسلط الضوء على ضرورة قيام حكومة الوحدة الوطنية الليبية بفرض الرقابة القضائية على المخالفين قبل شهر رمضان.

ونظراً لهذه التحديات الاقتصادية، فإن الليبيين غير متأكدين بشأن مستقبلهم المالي وقدرتهم على تحمل تكاليف الضروريات الأساسية. ومن الأهمية بمكان أن يقوم القادة السياسيون والاقتصاديون بتنفيذ تدابير فعالة لمواجهة هذه التحديات وتقديم حلول مستدامة تعزز الاستقرار الاقتصادي وتخفف العبء عن المواطنين.

هناك ثلاثة مؤشرات أساسية تتعلق بالوضع الاقتصادي في السوق الليبي:

المؤشر الأول هو معدل النمو الاقتصادي الذي يظل مستقرا بفضل معدلات إنتاج النفط البالغة نحو 1.2 مليون برميل يوميا، على افتراض عدم حدوث إغلاقات جديدة لأسباب سياسية.

المؤشر الثاني هو الارتفاع العام للأسعار وهي مستقرة لكن هناك انخفاض في السيولة لدى البنوك بسبب إجراءات فنية منها عمليات المقاصة بين الشرق والغرب فضلا عن مشاكل فنية في العملات المطبوعة.

المؤشر الثالث هو وفرة سلة السلع الأساسية التي تأثرت سابقاً بالاعتمادات المستندية من البنوك. ولا يزال ميزان المدفوعات يواجه تحديات بسبب ملف دعم الوقود، ومن المتوقع أن تعالج حكومة الوحدة الوطنية هذا الملف.

وتبلغ فاتورة دعم الوقود التي تقدمها الحكومة نحو 74 مليار دينار ليبي.

لمساعدة الاقتصاد على التعافي، تستطيع ليبيا الاستفادة من مواردها المالية الكبيرة من خلال التوصل إلى اتفاق سياسي مستدام بشأن مستقبل البلاد.

يتضمن ذلك الاتفاق:

  • إعداد رؤية مشتركة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية،

  • وترجمتها إلى ميزانية مالية وطنية للحفاظ على البنية التحتية،

  • وتطوير نظام إدارة مالية عامة مسؤول وشفاف،

  • وضمان التوزيع العادل للثروة النفطية والتحويلات المالية الحكومية،

  • وتخطيط الميزانية وتنفيذها بشكل فعال،

  • وتحسين الإبلاغ عن هذه الجهود.

  • ويلزم إصلاح شامل للسياسة الاجتماعية للتمييز بين التحويلات الاجتماعية للمحتاجين والأجور العامة.

***

البروفيسور ميرال صبري العشري هو الرئيس المشارك لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز حرية الإعلام، قسم دراسات الصحافة في جامعة شيفيلد.

__________________

مواد ذات علاقة