دور خطابات الاعتماد في ليبيا

ونظرا إلى أن الدينار الليبي ليس عملة قابلة للتداول بحرية، فإن مصرف ليبيا المركزي يؤدي وظيفة مهمة في ما يتعلق بتحويل الدينار الليبي إلى دولار أمريكي وغيره من العملات الصعبة من خلال تقديم برنامج خطابات اعتماد مستندية إلى البنوك التجارية.

ويهدف برنامج خطابات الاعتماد إلى السماح للمؤسسات العامة والشركات الخاصة وعملاء البنوك الأخرى بتحويل الدينار إلى دولارات بسعر الصرف الرسمي، الذي يحدده مصرف ليبيا المركزي وينشره.

يجب أن تكون الشركات المتقدمة مسجلة لتلقي خطابات الاعتماد من مصرف ليبيا المركزي. وتشترط اللوائح أن تقوم الشركات بإيداع 100% من قيمة خطاب الاعتماد بالدينار الليبي لدى البنك التجاري الذي تقدمت من خلاله بطلباتها، على الرغم من أن هذا نادرا ما يحدث وفقا لأشخاص مطلعين.

بمجرد موافقة البنك التجاري على الوثائق ذات الصلة، يتم تغييم الطلب من قبل لجنة تابعة لمصرف ليبيا المركزي من خلال نظام إلكتروني.

في نهاية المطاف، يأذن المحافظ بنفسه بمنح قائمة خطابات الاعتماد، مكن أن يستغرق الإصدار اللاحق لخطابات الاعتماد من بضعة أسابيع إلى عدة أشهر، وغالبا ما يعتمد ذلك على العلاقات الشخصية للشركة المعنية.

تتحمل البنوك المراسلة مسؤولية القيام بإجراءات العناية الواجبة بشأن خطابات الاعتماد، لكل من المعاملة والبنك الشريك. ولكن نظرا إلى أن العديد من خطابات الاعتماد تتم معالجتها من قبل البنوك المملوكة لمصرف ليبيا المركزي، غالبا ما تكون العناية الواجبة على بنك شريك بمثابة عناية واجبة على مصرف ليبيا المركزي والشركات التابعة له.

علاوة على ذلك، يتولى مصرف ليبيا المركزي المسؤولية أيضا عن فحوصات مكافحة غسيل الأموال في ليبا على كافة المعاملات المكتملة. وبالتالي، يتواجد مصرف ليبيا المركزي بشكل مباشر أو غير مباشر في كل مراحل المعاملة في كثير من الحالات، بدءً من البنك مقدم الطلب وحتى الترخيص المحلي، والتنفيذ في الخارج والتدقيق اللاحق.

وفي سياق الأزمة الليبية بعد العام 2011، أصبح الوصول إلى خطابات الاعتماد مهما للغاية من الناحية الاستراتيجية لأي فصيل سياسي أو مسلح يسعى للتغلب على منافسيه، ونظرا إلى أن الدفع بالدينار غبر مقبول خارج الدولة، فإن الجهات الفاعلة في ليبيا التي لا يمكنها الحصول على خطابات اعتماد سيتم عزلها عن البنوك الأجنبية، ولن تتمكن من شراء المركبات أو الإمدادات أو غيرها من السلع في الخارج. للمبالغ بالدينار الليبي فائدة محدودة نظرا لصغر حجم الأسواق داخل ليبيا.

ومع ذلك، فإن خطابات الاعتماد معرّضة أيضا لسوء الاستخدام، بما في ذلك لأغراض غسيل الأموال. بالنسبة لمن يمتلكون كميات كبيرة من المبالغ المالية غير المشروعة بالدينار الليبي والذين لديهم إمكانية الوصول إلى خطابات الاعتماد، فيمكنهم استخدامها كوسيلة مريحة لإرسال تلك الثروة إلى الخارج، حيث أن الاقتصاد القائم على النقد يجعل من الصعب التمييز بين الأموال المشروعة وغير المشروعة، علاوة على ذلك، يختلف سعر الصرف في السوق السوداء بشكل كبير عن السعر الرسمي، يمكن تحقيق أرباح كبيرة باستخدا خطابات اعتماد احتيالية وتواطؤ مديري البنوك المتعمدين أو طريق الإكراه بالقوة العسكرية.

وفي هذه الحالات، لا تقوم الجهات الفاعلة باستيراد البضائع المذكورة، بل تقدم بدلا من ذلك شحن مزيفة لكي يقوم مصرف ليبيا المركزي بتحويل مبالغ بالدولار على شكل خطابات اعتماد إلى الخارج، ويتلقى المبالغ بالدولار في الخارج كيان إما يعمل مع المشتري الليبي أو يسيطر عليه، ويحتفظون بعد ذلك بالدولارات الناتجة على هذا النحو كربح خالص أو بيعها لتجار السوق السوداء بسعر أعلى.

ويقوم تجار السوق السوداء بعد ذلك ببيع العملة الصعبة إلى الجهات الفاعلة الليبية، بما في ذلك التجار والاسر، الذين يحتاجون إلى نقل الأموال إلى الخارج ولكن لا يمكنهم الوصول إلى برنامج النقد الأجنبي الرسمي لمصرف ليبيا المركزي. كان هذا النوع من المراجحة غير القانونية مربحا بشكل خاص خلال الفترة الممتدة من عام 2015 حتى عام 2018.

بلغ المخطط غير المشروع المرتبط بخطابات الاعتماد ذروته في نوفمبر 2017، عندما تجاوز سعر الصرف في السوق السوداء 9 دنانير للدولار، في حين بلغ سعر الصرف الرسمي حوالي 1.4 دينار للدولار. في حين انخفض الفارق بين السوق السوداء وسعر الصرف الرسمي بشكل كبير منذ ذلك الحين، فإن القدرة على الحصول على العملة الأجنبية لا تزال توفر ميزة رئيسية لأي مشارك في قطاع الأعمال.

ونظرا إلى عمليات التحقق المحدودة من الأوراق لتحديد ما إذا كانت خطابات الاعتماد تستخدم للأغراض المقصودة، فضلا عن الطرق العديدة للتعتيم على تتبع الأوراق، يتم تسريب جزء من المبالغ السائلة التي أنشأتها خطابات الاعتماد إلى السوق السوداء.

وفي القابل، غالبا ما يتم بيع هذه المبالغ السائلة لمجموعة من الأغراض، بعضها مفيد ـ مثل التجار الصغار غير الضارين والذين لا يمكنهم الحصول على خطابات اعتماد لتجارتهم المشروعة ـ وبعضها أكثر شناعة ـ مثل الجهات الفاعلة المسؤولة عن نقل الأرباح غير المشروعة إلى الخارج أو شراء سلع غير مشروعة.

خلص تقييم منظمة غلوبل وِتنس لخطابات الاعتماد الليبية المنشور في عام 2021 إلى أن التناقض بين تدفق الأموال العامة على خطابات الاعتماد والأنماط التاريخية للواردات يمكن أن يعزي بشكل معقول إلى إساءة الاستخدام المستمرةلنظام خطابات الاعتماد على حساب الأموال العامة الليبية، على الرغم من أن مصرف ليبيا المركزي وبنك (أي بي سي) قد اعترضا بشدةعلى هذه الإدعاءات.

وتتمثل إحدى الطرق الرئيسية الأخرى التي يسرق بها اللصوصقراطيون الليبيون من الدولة في الحصول على صفقات مغرية. يحدث هذا النوع من الإساءة في معظم المستويات. وحتى على أدنى المستويات، تمكّن قادة الجماعات المسلحة من استخدام سلطتهم للحصول على العقود للشركات التي يملكونها أو يسيطرون عليها.

وهناك أمثلة كثيرة على ذلك منها نجاح زعيم جماعة مسلحة تسيطر على أحد سجون طرابلس في الانضمام إلى لجنة مشتريات السجن، إلى جانب أحد أقارب وزير العدل آنذاك.

وقد أظهر العقد الذي أجازته اللجنة بعد ذلك تلاعبا كبيرا في الأسعار، حيث تم فرض ضعفين أو ثلاثة أضعاف سعر السوق للسلع الغذائية الأساسية و24 ضعف سعر السوق لأصطوانة الغاز. وفي بعض الحالات الأكثر تطرفا تلتزم الدولة بالعقود حيث تدفع المبلغ الكامل لمقدّم الخدمة، في حين لا يتمثل مقدّم الخدمة للعقد إذ لا يقدم أي شىء في المقابل. ومن خلال تلك الأشكال من الانتهاكات، يحصل اللصوصيون في ليبيا على الملايين كل شهر.

كما خضعت عمليات التعاقد واسعة النطاق للتدقيق، خاصة في قطاع الكهرباء. وكانت شركة الكهرباء الحكومية، الشركة العامة للكهرباء، وهي مؤسسة معروقة بأعمالها الداخلية المختلة، في صميم هذه الديناميات.

انتقد ديوان المحاسبة في تقريره لعام 2021 الشركة العامة للكهرباء بسبب التناقضات في حساباتها، والتأخير في تنفيذ الاتفاقيات، وعدم القدرة على تحديد العناصر التي تم شراؤها. وفي عام 2021، منحت حكومة الوحدة الوطنية الجديدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة عقودا كبيرة لشركات الكهرباء في إطار جهودها لتخفيف أزمة توليد الطاقة.

وتعرّض عقد تطوير محطة الكهرباء الممنوح لشركة آكسا لتوليد الطاقة التركية، لانتقادات لأن الشركة متخصصة في المولدات وليس محطات الطاقة. علاوة على ذلك، ادّعى المعلقون الليبيون أن إبراهيم الدبيبة ـ إبن عم رئيس الوزراء ومدير مكتبه ـ كان بمثابة الممثل الليبي لشركة آكسا لتوليد الطاقة.

وفي العام نفسه، فرض ابراهيم الدبيبة نفسه كمشرف فعلي على معظم العقود الجديدة لشركات الكهرباء العام على الرغم من أنه ليس عضوا في إدارتها العليا. وفي عام 2022، عيّن رئيس الوزراء الدبيبة مديرا عاما للشركة العامة للكهرباء عبدالحميد علي المنفوخ، وهو والد شخصية متوسطة المستوى مرتبطة ارتباطا وثيقا بالقائد المسلح محمد بحرون من مدينة الزاوية الغربية.

ولا يمكن أن تودي إضافة الروابط الشخصية مع الجماعات المسلحة والسياسيين على حد سواء إلى قدر أكبر من الشفافية في الموسسات التكنوقراطية مثل شركة الكهرباء الليبية التي تعاني الكثير من المشاكل.

ولا تزال السيطرة على عقود الدولة مصدرا مهما للسلطة في ليبيا. منذ منتصف عام 2020، خضع السجل التجاري لعائلة الدبيبة لتدقيق واسع النطاق، بما في ذلك إصدار إجراءات قانونية لم يتم حلها في اسكتلندا بناء على طلب الدولة الليبية.

يُعد علي الدبيبة (عم رئيس الوزراء، ووالد ابراهيم الدبيبة ) الأب الروحي لجهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية. وقد كان هذا الجهاز، بعد تأسيسه في عام 1989 في عهد القذافي، في طليعة متعهدي المقاولات للبناء في ليبيا، وهو البرنامج الذي شهد طفرة كبيرة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. في حين ترك علي الدبيبة من الناحية الفنية منصبه في جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية بعد عام 2011، إلا أنه من المتوقع أن يستمر نفوذه. وقد وُصف بأن له علاقة روحية من المنظمة ويعتبر من أكبر المؤثرين عليها.

أصبحت عائلة الدبيبة، على الرغم من وضعهم كموظفين حكوميين، من القلّة الحاكمة حيث اكتسبت أصولا في كل أنحاء العالم. ويشتبه العديد من الليبيين في أن هذه الموارد كانت محورية في مساعدة تأمين وصول عبد الحميد الدبيبة إلى رئاسة الوزارة في عام 2021 وسط مزاعم بارتكاب جرائم الرشوة داخل الهيئة التي اختارت قائمة الدبيبة والمنفي.

يتبع

_____________

The Sentry

مواد ذات علاقة