تهريب‬‫ البشر‬ ‫والإتجار‬ ‫بهم‬

تشهد ليبيا مرور آلاف الاشخاص شهريا باعتبارها نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين واللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى إيطاليا ومالطا وأوروبا بشكل عام.

طورت الجماعات المسلحة بهدف الحصول على فوائد مختلفة من هذه التدفقات البشرية، مجموعة من العمليات بما في ذلك مراكز الاحتجاز، والدوريات المناهضة للمهاجرين، وعمليات الابتزاز، وغالبا ما تستخدم انتماءها الأسمى إلى الهيئات الحكومية وبدعم ضمني من كبار مسؤولي الدولة.

ونتيجة لذلك، تشارك معظم الفصائل ذات الصلة سياسيا في ليبيا في تهريب البشر والاتجار بهم، على الأقل بشكل غير مباشر.

لا تقتصر الدوافع الرئيسية التي تدفع الجهات الفاعلة في قطاع (إدارة تدفق المهاجرين) على دوافع مالية بحتة فقط، بل تشمل فرصة التصرف نيابة عن الدولة، بالنظر إلى أن الوزارات والوكالات الرسمية في ليبيا تسند في الغالب إدارة مراكز الاحتجاز والدوريات المناهظة للمهاجرين للجماعات المسلحة.

ويدرك قادة الجماعات المسلحة أيضا أن أي دور في قطاع (إدارة تدفق المهاجرين) يؤدي إلى قدر أكبر من الإذعان والاهتمام والاعتراف من العواصم الأوروبية. ونظرا إلى أن ايطاليا كانت في كثير من الأحيان الوجهة الأولى في الإتحاد الأوروبي للوافدين غير الشرعيين.

كانت روما الأكثر استباقية، حيث دعمت العديد من الترتيبات غير الرسمية التي تهدف إلى الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا. وفي حين تنتهج ايطاليا سياسات مناهضة للهجرة تدعم من جانب الدول الأوروبية الأخرى والاتحاد الأوروبي نفسه بشكل عام، يستنكرون الانتهاكات التي تسببها هذه السياسات على الأراضي الليبية، بما في ذلك مراكز الاحتجاز الرسمية.

تشرف الجماعات المسلحة المرتبطة بهيئات ووزارات الدولة الرسمية في المواقع الحيوية على العمليات التي تفضي إلى إساءة معاملة المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين وطالبي اللجوء أو تعذيبهم للحصول على فدية أو استغلال ضمن ممارسات الإتجار بالجنس والعمالة.

ويشتهر مركز الاحتجاز في الكفرة، التي تديره جماعة سبل السلامالمسلحة المتحالفة مع حفتر، بانتهاكات حقوق الإنسان. وبالمثل، في طرابلس، تضم الجماعة المسلحة بقيادة عبد الغني الككلي، المتحالفة مع الدبيبة، مركز الاحتجاز في أبوسليم، حيث ترتكب انتهاكات ضد المهاجرين.

وفي خارج منطقة طرابلس الكبرى، تقوم الجماعة المتمركزة في الزاوية والتابعة لجهاز دعم الاستقرار، وهو تحالف من الجماعات المسلحة التي تسيطر على أجزاء من شمال غرب ليبيا، بشكل متكرر (باعتراض اللاجئين والمهاجرين في البحر وأخذهم إلى مراكز الاحتجاز) حيث يتعرضون فيها للضرب وأعمال السُخرة والعنف الجنسي بشكل متكرر.

ولا يمكن للدبيبة وحفتر أن ينأوا بأنفسهم بسهولة عن هذه الجماعات المسلحة، لأن ذلك سيحرمهم من الدعم الاستراتيجي في المناطق الحيوية، وبالتالي تمتنع كل من حكومة الوحدة الوطنية والقوات المسلحة العربية الليبية (التابعة لحفتر) عن القيام بأي محاولات حقيقية لتفكيك شبكات تهريب البشر في ساحاتهم الخلفية.

وهناك أيضا جهات فاعلة لا تتوافق مع أي من مراكز القوى الرئيسية في أماكن مثل مدينة بني وليد، وتتخصص تلك المراكز في انتزاع الأموال من المهاجرين عن طريق التعذيب الممنهج.

بغض النظر عن بعض الاضطرابات المؤقتة، ظل عدد المهاجرين غير الشرعيين يصلون إلى دول الاتحاد الأوروبي من الشواطئ الليبية بالقوارب ضمن نطاق منخفض نسبيا منذ صيف عام 2017 حتى لوحظ زيادة في عام 2021.

منذ عام 2021، كانت أعداد الوافدين غير النظاميين المسجلة إلى جنوب آخذ في التزايد. وخلال أول 11 شهر من عام 2022، وصل حوالي 48,400 مهاجر غير نظامي إلى إيطاليا قادمين من ليبيا، غادر معظمهم من غرب ليبيا، ومع ذلك، فإن الزيادة بنسبة 64% من إجمالي 29,500 على مستوى البلاد لنفس الفترة من عام 2021 تتبع بالكامل تقريبا من شرق ليبيا، وفقا لوزارة الداخلية الايطالية.

وتساعد زيادة عدد الوافدين من شواطئ شرق ليبيا في تفسير وصول أكثر من 20 ألف مهاجر في عام 2022 معظمهم من المصريين عن طريق البحر إلى إيطاليا، بارتفاع من 1,264 في عام 2020. وتضم الجنسيات الأخرى للمهاجرين الذين يصلون إلى إيطاليا من مدن شرقية مثل بنغازي وطبرق من سوريا وبنغلاديش وباكستان يسافرون جوا إلى بنغازي من دمشق عبر شركة أجنحة الشام.

وفي ضوء هذه الخلفية، شهدت الأشهر الأولى من عام 2023 تسارعا كبيرا في الهجرة عبر ليبيا. وشهدت الفترة الممتدة من يناير إلى مايو من عام 2023 وصول 22,662 مهاجرا بشكل غير نظامي إلى إيطاليا، بارتفاع من 8,923 خلال نفس الفترة من عام 2022.

وجاء أكثر من نصف هؤلاء الوافدين من ليبيا من المنطقة الشرقية للبلاد. وقد لاحظ العديد من المحللين أن مثل الزيادة في عمليات المغادرة من شرق ليبيا لن تكون ممكنة دون المعرفة المتعمدة والتواطؤ من عائلة حفتر.

على سبيل المثال، الجهات الليبية التي تقف وراء مأساة 14 ينويو 2023، والتي شهدت مقتل مئات المهاجرين قبالة مدينة بيلوس في اليونان، يبدو أنها مرتبطة بشكل مباشر بصدام حفتر. وفي الوقت نفسه، استمرت مغادرة المهاجرين من غرب ليبيا، على الرغم من حملة ضربات قصيرة بطائرات بدون طيار أمر بها الدبيبة ضد أصول تهريب البشر المشتبه بها إلى غرب طرابلس في أواخر مايو وأوائل يونيو 2023.

وخوفا من احتمال ارتفاع مستويات الهجرة نحو الارتفاعات التي بلغتها في الفترة الممتدة من 2013 إلى 2017، تسعى السلطات الأوروبية والدول الأعضاء ـ وفي مقدمتها ايطاليا ـ إلى ترتيبات جديدة مع قادة ليبيا يمكن أن تساعد في الحد من أعداد الوافدين غير النظاميين.

في جهودها عام 2017 للحد من التدفق البشري من ليبيا، متجاهلة إلى حد كبير المعاناة الإنسانية التي قد تسببها مثل هذه التدابير على الأراضي الليبية، اتخذت ايطاليا ترتيبات في شمال غرب ليبيا شهدت حصول الجماعات المسلحة على سفن من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى رواتب الموظفين العموميين ومساعدات مالية.

وتنتهج روما مؤخرا سياسة مماثلة في ما يتعلق بالجماعات المسلحة في شمال شرق ليبيا. أعلن وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتدوسي في يونيو 2023 استعداد بلاده لدعم مشاريع التنمية الاقتصادية في شمال شرق ليبيا بناء على طلب خليفة حفتر مقابل تقليص عمليات المغادرة.

وعلى ضوء الفرص للحصول على مكافآت مالية، يتم تحفيز القادة المسلحين في ليبيا للسماح بزيادة عدد الوافدين غير النظاميين من أجل تعزيز نفوذهم السياسي، ثم انتزاع تنازلات أكبر من أوروبا لاحقا. وتؤدي هذه الديناميات إلى مزيد من التساهل تجاه الكليبتوقراطية في ليبيا من جانب الاتحاد الأوروبي وسط جهوده لخفض أعداد الهجرة غير النظامية.

المخدّرات

تهمين على تجارة المخدّرات في ليبيا التجارة السريعة النمو في ثلاثة منتجات وهي: القنّب (الماريوانا)، والأمفيتامين الاصطناعي (الكبتاغون)، والكوكايين. في حين أن الكوكايين يُهرّب من أمريكا اللاتينية، فإن معظم القنّب (الماريوانا) يأتي من المغرب ويأتي معظم الكبتاغون من سوريا تحت سيطرة النظام الحاكم. ويسيء بعض المسؤولين الدولة اللييبة استخدام التفويضات والموارد العامة للإنخراط في تجارة المخدّرات غير المشروعة أو تسهيلها.

في عام 2020، أقامت عائلة حفتر وتظام الأسد علاقة سياسية وعسكرية ولوجستية واقتصادية نتيجة عوامل منها تشجيع الإمارات لهذه العلاقة. وقد سهلت هذه الشراكة تدفق الكبتاغون من سوريا إلى شرق ليبيا، من بين مخططات غير مشروعة أخرى.

ويقدر الحجم الإجمالي لصناعة الكبتاغون التي يدعمها النظام السوري ـ والتي يشرف عليها ماهر شقيق بشار الأسد ـ بحوالي 10 مليارات دولار سنويا. ويتم نقل نسبة من هذا الإنتاج إلى شرق ليبيا، ومن ثم نقله في الغالب إلى باقي المناطق في ليبيا والدول المجاورة مثل الجزائر والسودان والنيجر.

وينتهي المطاف ببعض كميات الكبتاغون الذي يتم شحنه من سوريا إلى برقة ثم إلى أوروبا. ويتم استخدام جزء آخر من قبل المجتمع الليبي، الذي يتزايد فيه الاستهلاك من قبل السكان المحليين.

ستستمر تجارة الكبتاغون في ليبيا في التوسع، نظرا للقبول المتزايد لنظام الأسد في العالم العربي، وهو الاتجاه الذي يستفيد\ من الضغط الدولي النشط من قبل الامارات ومصر.

وفي المقابل بذلت أمريكا بعض الجهود التشريعية لمكافحة تجارة الكبتاغون التي يمارسها نظام الأسد، ولكن لم تسفر هذه الجهود بعد عن تدابير من شأنها التأثير على الجهات الليبية المستفيدة من هذه التجارة.

ومع ذلك، ليست كل المخدّرات الإصطناعية المتداولة في ليبيا تتبع من المناطق السورية التي يسيطر عليها الأسد، حيث تعد الهند نقطة منشأ أخرى، وتشير الأدلة المتناقلة إلى أن أجهزة التصنيع ربما تكون قيد الإستخدام بالفعل على الأراضي الليبية.

هناك تجارة متنامية أخرى في ليبيا وهي تجارة القنّب (الماريوانا)، كما يتضح من الحالات الأخيرة لشحنات القنّب التي تم اعتراضها. وكان السيطرة على طرق القنّب مصدرا متكررا للتوتر في كل أنحاء ليبيا، بما في ذلك البلديات القريبة من الساحل الغربي، مثل مدينة العجيلات التي كانت بالفعل مركزا للقنّب (الماريوانا) خلال سنوات حكم القذافي.

ويدخل بعض القنّب القادم من المغرب إلى ليبيا عبر الجزائر ومنطقة غات بالقرب الحدود. وتتنقل تدفقات أخرى من القلب القادمة من المغرب عبر موريتانيا ومالي والنيجر، وتصل ليبيا عبر مناطق مثل ممر السلفادور على الحدود الجنوبية الغربية لليبيا.

وهناك أنواع أخرى من المخدّرات المتداولة في ليبيا إلى جانب القنّب والكبتاغون والكوكايين، وتشمل الترامادول والبريجابالين والكلونازييام. وتكشف بعض الأحداث الأخيرة عن تدفق المخدّرات من دول الاتحاد الأوروبي إلى غرب ليبيا وشرقها، مما يشير إلى أن الدولة الواقعة في شمال افريقيا أصبحت مركزا متكاملا لتجار المخدّرات عبر القارات.

يتبع

_____________

The Sentry

مواد ذات علاقة