بقاء الولايات المتحدة على الهامش في أزمة ليبيا وفي افريقيا في السنوات الأخيرة أتاح للروس ملء الفراغ وتعزيز نفوذهم في المنطقة المعروفة بالجناح الجنوبي لحلف الناتو.

أبلغت إدارة الرئيس الأميركي الكونغرس الأسبوع الماضي بخطتها لاستئناف تواجدها الدبلوماسي في العاصمة الليبية في عملية قد تستغرق وقتا لتخصيص منشأة دبلوماسية مؤقتة في طرابلس وتأتي بعد سنوات من مغادرة واشنطن الأراضي الليبية لأسباب أمنية على إثر مقتل سفيرها كريستوفر ستيفنز في سبتمبر/أيلول 2012.

ونشر موقع بوابة الوسط الليبي السبت تقريرا مترجما من موقع المونيتورالأميركي ذكر فيه تفاصيل الخطة التي تشمل تمويل التواجد الدبلوماسي ومنشأة مؤقتة بالعاصمة الليبية، بعد أن كانت واشنطن تتابع الملف الليبي بكل تطوراته من مقرات دبلوماسية في تونس المجاورة، وفق مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية.

ويشير ذلك إلى رغبة أميركية في تواجد أكبر بالعاصمة الليبية والعمل على أكثر على دفع المساعي الأممية المتعلقة بالمسار السياسي وإرساء الاستقرار وإجراء انتخابات وطنية تحصن الدولة الليبية وتوحد مؤسسات البلاد وتنهي سنوات من الفوضى.

لكن التحرك الأميركي يأتي أيضا لمواجهة تنامي النفوذ الروسي في ليبيا التي تعتبر من كبرى البوابات المغاربية للعمق الافريقي، في خطوة أصبحت معلومة منذ قررت روسيا تعزيز تواجدها الدبلوماسي والأمني والاقتصادي في مناطق افريقية تعتبر تقليديا مناطق للنفوذ الغربي.

وبحسب المصدر ذاته طلبت إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن تخصيص مبلغ قدره 57.2 مليون دولار من موازنة العام 2025 لتمويل وجود دبلوماسي أكبر في ليبيا، بما يشمل تكاليف الممتلكات والسفر والأمن للمنشأة المتواجدة في ضواحي العاصمة طرابلس.

وستكون تلك المنشأة غير رسمية، بحسب المصدر ذاته، الذي أشار إلى أنها لن تكون مقرا للسفارة الأميركية، لكن سيتم استخدامها من قبل الدبلوماسيين الأميركيين الذين يعملون حاليا من تونس المجاورة.

ونقل الموقع الأميركي عن مصدره الدبلوماسي الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه، قوله لا بديل عن التواصل المستمر على الأرض مع الجهات الفاعلة في ليبيا. لقد استغرقنا الوقت الكافي للقيام بالتخطيط الدقيق لهذا الحدث المهم. إنها مهمة معقدة للغاية لاستئناف العمليات“.

وكانت الولايات المتحدة قد أجلت موظفيها الدبلوماسيين في العام 2014 تحت حراسة عسكرية على اثر اندلاع اشتباكات عنيفة بين الأطراف المتنافسة، بداية إلى مالطا ثم لاحقا إلى تونس حيث يعملون من وقتها في ما يعرف بـالمكتب الخارجي الليبي“. ولا تملك واشنطن سفارة في ليبيا منذ إجلاء موظفيها.

ولم يتح نهج الدبلوماسية عن بعد للولايات المتحدة العمل بفاعلية في ليبيا اذ يحتاج الأمر إلى تواجد فعلي على الأرض في متابعة ومراقبة لتطورات الوضع وبناء علاقات أوثق وأوسع مع أطراف الملف الليبي، في حين كان ريتشارد نورلاند السفير الأميركي السابق يقوم بصفته مبعوثا خاصا إلى ليبيا، بزيارات بشكل منتظم بين طرابلس وواشنطن.

وأشار موقع المونيتور إلى أن عودة الولايات المتحدة إلى التواجد الدبلوماسي المكثف على الأرض في ليبيا، عملية قد تخاطر بأن تتحول إلى قضية خلافية بين الحزبين الكبيرين: الديمقراطيون والجمهوريون، بالنظر إلى أن الهجوم على المجمع الدبلوماسي في بنغازي الذي قتل فيه السفير الأميركي كريس ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين في 2012 زاد من التدقيق في العمليات الدبلوماسية بالخارج. كما أطلق أحد التحقيقات الأكثر تكلفة وحزبية في تاريخ الكونغرس.

ويقول المصدر ذاته إنه حتى بعد مغادرة العديد من أعضاء اللجنة المختارة في مجلس النواب بشأن بنغازي من بينهم مايك بومبيو وتري غودي، لمناصبهم، لا تزال أحداث بنغازي مؤثرة على وجهات نظر عديد من الجمهوريين في مجلس النواب“.

وبحسب المصدر الدبلوماسي فإن الخارجية الأميركية حددت في خطتها لتشغيل السفارة والتي استغرق إعدادها عامين، ضمانات واضحة لضمان سير العمل الدبلوماسي بأمان وفاعلية“.

وتابع نسقت الخارجية الأميركية عن قرب وأبلغت اللجان ذات الصلة في الكونغرس بشأن الترتيبات الأمنية واللوجيستية في مجمع بالم سيتي الفاخر في حي جنزور بطرابلس حيث تستأجر الولايات المتحدة حاليا عددا من العقاراتوهو المجمع الذي يشبه المنطقة الخضراء في بغداد حيث تتواجد فيه مقرات بعثات دبلوماسية غربية بينها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية ومصر إلى جانب شركات نفط ومنظمات غير حكومية.

وقد وقع الاختيار على هذا المجمع لقربه من ساحل البحر المتوسط بالإخلاء السريع في حالات الطوارئ عبر البحر.

وبحسب المصدر ذاته حددت الخارجية الأميركية عددا من المصالح الأساسية تفرض استعادة التواجد الدبلوماسي في ليبيا يتقدمها دعم الجهود الأممية لإجراء الانتخابات في وتعزيز الفرص التجارية والاستثمارية للولايات المتحدة ومنع ليبيا كذلك من التأثر بسبب موجة انعدام الاستقرار الآخذة في النمو في منطقة الساحل.

وإلى جانب ذلك استعجل تنامي النفوذ الروسي في ليبيا وافريقيا، التفكير الأميركي في تواجد مباشر على الأرض في المنطقة التي تعرف بالجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي.

وفي السنوات الماضية بدا واضحا أن دور الولايات المتحدة الدبلوماسي في هذه المنطقة يعتبر هامشيا مقارنة بالتحرك الروسي إذ عملت موسكو على تعزيز نفوذها من خلال نشر مجموعة المرتزقة فاغنرفي ليبيا.

وكانت ستيفاني ويليامز المبعوثة الأممية السابقة في ليبيا قد عرضت للفراغ الدبلوماسي الأميركي في ليبيا بالقول يبدو أن الروس يعززون وجودهم. لم تكن ليبيا قط على رأس قائمة أولويات واشنطن. ولم تكن الولايات المتحدة موجودة هناك منذ سنوات عديدة، لكن عليك أن تبدأ من نقطة ما. وأفضل مكان للبدء هو سفارة على الأرض“.

وقد سعت موسكو مبكرا إلى ملء الفراغ الدبلوماسي الذي خلفته واشنطن، حيث يعتبر سفيرها لدى ليبيا حيدر أغانين الذي يتحدث العربية بطلاقة بأنه نشط للغاية“.

وتحتاج واشنطن لأشهر طويلة بعد تنفيذ سفارة على الأرض، لإعادة ترتيب أوراقها الدبلوماسية في ليبيا وإعادة بناء علاقات موثوقة مع كل الأطراف والبقاء على مسافة تضمن لها عدم خسارة طرف على حساب طرف آخر لتفادي أي توترات من شأنها أن تربك مهمة دبلوماسيتها في الأراضي الليبية.

_____________

مواد ذات علاقة