عمرو سعيد الختالي

في عام 1982، كشفت مجلة فوربس النقاب عن قائمة أغنى 400 شخص في أميركا وثرواتهم. وقد ضمت هذه القائمة 13 مليارديراً فقط، جمعوا ثروة إجمالية قدرها 92 مليار دولار.

وبعد مرور أربعة عقود من الزمن، كشفت قائمة فوربس المحدثة لأغنى 400 شخص في أميركا عن زيادة مذهلة في ثرواتهم لتصل إلى 4.5 تريليون دولار. يسيطر الآن 1% فقط من سكان الولايات المتحدة على 30.6% من هذه الثروة.

هل يشكل التفاوت العالمي في الدخل والثروة حافزًا لعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي؟

الإجابة هي نعم مدوية، خاصةً عندما تكون الفجوة بين الأثرياء والفقراء واسعة بما يكفي لتأجيج الاضطرابات الاجتماعية المستمرة.

وفي الوقت الذي قامت فيه الدول الغربية ببناء مؤسسات سياسية واقتصادية شاملة وتنفيذ تدابير لتضييق هذه الفجوة في الثروة، تشهد العديد من المناطق في أفريقيا والشرق الأوسط، حيث يتسع هذا التفاوت، استمرار معاناة الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

ومن الأمثلة الصارخة على ذلك ليبيا الغنية بالنفط، حيث تتقلص الطبقة الوسطى بشكل مطرد منذ عام 2012، ويغرق الفقراء في فقر مدقع.

هذا الوضع المزري ناتج بشكل مباشر عن ضعف الحكومة المركزية وعدم كفاءة المسؤولين وانهيار المؤسسات السياسية والاقتصادية في البلاد.

تعود جذور الفشل في ليبيا إلى 50 عام مضت، إن لم يكن أكثر، ويمكن تلخيصها في الأنظمة السياسية الفاشلة التي سيطرت على البلاد على مدى خمسة قرون.

فقد كتب المؤلفان أسيموغلو وروبنسون في كتابهما «لماذا تفشل الأمم»: «يمكن للمؤسسات السياسية والاقتصادية، التي هي في نهاية المطاف خيار المجتمع، أن تكون شاملة للجميع وتشجع النمو الاقتصادي. أو يمكن أن تكون انتقائية وتصبح عوائق للنمو الاقتصادي. وتفشل الدول عندما تكون لديها مؤسسات اقتصادية انتقائية مدعومة بمؤسسات سياسية انتقائية تعوق النمو الاقتصادي بل وتعرقله».

على مدار الخمسين عاماً الماضية، واجهت ليبيا أزمة كبيرة بسبب غياب سيادة القانون والنظام السياسي القوي. ونتيجة لذلك، تُركت البلاد بأكملها عرضة للشخصيات الخارجة عن القانون وغير الأخلاقية واللاعبين الدوليين الجشعين.

وللأسف، يعيش 40% من السكان في فقر دون أمل في وجود خطة مستدامة لمساعدتهم على الخروج من بؤسهم. وقد حاصرهم هذا الوضع في بلد يفتقر إلى الهوية السياسية والاجتماعية.

أدى افتقار ليبيا للمؤسسات السياسية والاقتصادية الشاملة إلى ظهور مجموعات قوية تسيطر على مصادر المال. وقد تمركزت السلطة بين عدد قليل من الأفراد خلال فترة حكم القذافي وفي حقبة ما بعد القذافي، مما أدى إلى تركز المال وإدارة البلاد.

وفي الوقت الراهن، تخوض الميليشيات المسلحة والعائلات البارزة صراعاً مريراً على السلطة السياسية والاقتصادية، مما قد يقود البلاد نحو الإفلاس والانهيار. ولسوء الحظ، أعاد التغيير السياسي في ليبيا في عام 2011 خلق نفس النظام السابق، إن لم يكن أسوأ.

تواجه ليبيا تحدياً كبيراً حيث إن النخبة السياسية والمالية في البلاد ليس لديها مصلحة في تقاسم ثروات البلاد مع بقية السكان أو إشراكهم في عملية بناء الدولة.

ويشبه هذا الوضع ما تعرض له رجل الأعمال الخيري الإنجليزي روبرت أوين عندما حاول إقناع الحكومة النمساوية بتنفيذ إصلاحات لصالح ذوي الدخل المحدود. فرد عليه أحد مساعدي الأمير قائلاً: «ليس لدينا رغبة في أن تصبح الجماهير غنية ومستقلة. وإلا كيف يمكننا أن نحكمهم».

ليبيا بلد يتمتع بوفرة الموارد الطبيعية، لكنه يحتاج إلى اللحاق بركب التقدم والحداثة. فقد فاتتها الثورة الصناعية وتكافح من أجل مواكبة التقدم التكنولوجي في العالم الغربي والصين ودول الخليج الرئيسية مثل الإمارات العربية المتحدة.

وهناك مخاوف من أن تفشل القيادة الحالية في ليبيا في اللحاق بالثورة الزراعية التي حدثت قبل 300 عام في القرن التاسع عشر.

وينعكس ذلك في حقيقة أن البلاد لا تزال تعتمد بشكل كبير على الخضروات والحبوب الأساسية المستوردة للاستهلاك.

تعاني ليبيا من مجموعة قوية من المستفيدين الذين يقاومون ويخشون فقدان سلطاتهم ومكانتهم. وينحدر عدد كبير منهم من خلفيات محرومة ولديهم ماضٍ إجرامي جعلهم منبوذين اجتماعياً.

ومع ذلك، فقد منحتهم الحرب الأهلية/ الثورة في عام 2011 مناصب مؤثرة في الحكومة وعالم الأعمال، مما مكنهم من متابعة وتعزيز أنشطتهم غير القانونية بشكل قانوني، مثل الاتجار بالمخدرات وتهريب البشر وغسيل الأموال والابتزاز وبيع الأسلحة غير المشروعة والفساد في العقود الحكومية.

وعلى مدى السنوات الـ12 الماضية، عززت هذه الميليشيات المسلحة غير الشرعية مواقع قوتها من خلال حلفائها وفي بعض الأحيان بدعم من رئيس الدولة.

ينبع فشل الدولة الليبية اليوم، بما في ذلك عدم المساواة في الدخل والتفاوت الاجتماعي من معركة مستمرة بين القطاعات الاقتصادية التقليدية والحديثة.

فاللاعبون الحاليون في السلطة في ليبيا يدعمون نظاماً استخراجياً جعلهم أثرياء وسمح لهم ببناء جيوش خاصة ومرتزقة وشراء المسؤولين والقضاة ورفض الانتخابات والتلاعب بها.

وليس لدى هؤلاء اللاعبين أي حافز للتخلي عن الثروة التي جمعوها على مدى العقد الماضي، وسيحرصون على بقاء ليبيا دولة فاشلة

ماذا يخبيء المستقبل لليبيا والليبيين؟

لسوء الحظ، أدى النظام الاستخراجي الحالي إلى تفاوت اجتماعي واقتصادي كبير، الأمر الذي قد يدفع مجموعات أخرى إلى تنظيم نفسها والاستيلاء على السلطة من اللاعبين الحاليين للاستفادة من الثروات المتاحة. وقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الفوضى وغياب القانون وحرب أهلية ممتدة.

هل يمكن للانتخابات أن تحل الوضع؟

على الأرجح لا. فحتى لو أجريت الانتخابات اليوم، فإنها ستؤدي إلى ديمقراطية ضعيفة ومشلولة قد تتحول في نهاية المطاف إلى ديكتاتورية. يأمل الكثير من الليبيين سراً بحاكم قوي ومستبد ومستنير يمكنه أن يجلب السلام والاستقرار وبعض النظام إلى حياتهم، بعيداً عن حياة الميليشيات الفوضوية.

تقع على عاتق الولايات المتحدة والأمم المتحدة مسؤولية أخلاقية وقانونية تجاه الشعب الليبي لإصلاح الأضرار الناجمة عن تورطهما في تغيير النظام الليبي العنيف في عام 2011.

وكلما تأخرتا في معالجة هذه المشاكل، زاد خطر انزلاق ليبيا إلى مزيد من الفوضى وانعدام القانون. وهذا من شأنه أن يؤثر سلباً على أمن منطقة المغرب الكبير وجنوب أوروبا.

ولذلك، يجب على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي التحرك بسرعة واستعادة ليبيا كلاعب رئيسي على الصعيد العالمي وفي المنطقة.

_________________

مواد ذات علاقة