الثالث: التأكد‬ ‫من‬ ‫استخدام‬ ‫الأموال‬ ‫العامة‬ ‫للصالح‬ ‫العام، وليس لإثراء بعض الشخصيات‬‬

ينبغي أن يكون منع خصخصة الثروة العامة محور التركيز الرئيسي، خاصة على المدي القصير والمتوسط. فقد أدى انهيار الأجهزة الأمنية للنظام وتفتيت القطاع الأمني منذ عام 2011 إلى خلق العديد من السبل للإثراء الشخصي غير المشروع.

كما أصبحت مؤسسات الدولة في بعض الحالات تمثل إقطاعيات لقادتها الذين يستغلون سيطرتهم لتكوين الثروة واستخدام السلطة والنفوذ لصالحهم وصالح الشبكات التابعة لهم.

وقد تطورت هذه الأساليب في الغالب ضمن تسوية مؤقتة مع الجهات المسلحة التي تسيطر على المنطقة التي يحتاج المسؤولون أو الجهات الفاعلة الأخرى إلى العمل فيها. ولذلك من الضروري تعزيز الضوابط والتوازنات داخل نظام الدولة الليبية ومحاسبة الإدارة العليا للمؤسسات الليبية. ويبدو حاليا أن الإجماع الدولي على أهمية هذه المسائل قد قوبل بالمثل من جانب السلطات الليبية.

أخذت أمريكا زمام المبادرة في تحديد آلية مؤقتة من شأنها تحسين الشفافية والمساءلة في تخصيص الإيرادات والنفقات الليبية من أجل الحد من التوترات الناشئة في خضم الصراع القائم على الحكم.

وقد حظيت غالبية الجهود، بخلاف تفاصيل الاقتراح الأمريكي، بموافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. في حين أن الجهود التي تقودها أمريكا لم تؤت ثمارها بالكامل، في يوليو 2023، فقد شكل المجلس الرئاسي الليبي لجنة عليا للرقابة الماليةتتمتع بسلطات واسعة للإشراف على عائدات النفط، والتوسط في النزاعات المتعلقة بالميزانية، وتوزيع الأموال على مستوى الدولة.

ورغم أن تشكيل هذه اللجنة يوفر فرصة لتطبيق الإجراءات القانونية الواجبة وتوفير الوضوح في ما يتعلق بإيرادات الدولة ونفقاتها، فإنه ينطوي على مخاطر بأن تساعد الهيئة الجديدة في إضفاء الشرعية على اتفاقيات استخراج الموارد بين الفصائل دون معالجة الغموض الذي يشوبها.

يتعين على المجتمع الدولي أن يقدم الدعم الفني والتشجيع السياسي لتطوير إجراءات للجنة تتسم بالمساءلة والشفافية، مع اشتراط الدعم الدولي لمشاريع التنمية باستيفاء هذه المعايير.

وينبغي استكمال جهود الوساطة الدولية بمبادرات خاصة بقطاعات محددة. كما يجب بناء النفوذ من أجل الأصلاح من خلال الضغوط المصرفية في القطاع المالي على وجه الخصوص. وتتمثل أشكال هذا الضغط في إصدار التحذيرات من قبل أمريكا وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، مما يشير إلى أن البنوك المراسلة العالمية من المحتمل أن تتعرض لخطر التورط عن غير قصد في مخططات غسل الأموال الليبية. ولذا، يجب على هذه البنوك أن تتعاون مع البنوك الليبية لتحسين عمليات مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.

أولا، ستكون مراجعة متطلبات الامتثال الليبية مفيدة بشكل خاص، حيث أن هناك بيانات عامة محدودة متاحة حول نطاق وحالة نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في الدولة، وذلك رغم إعلان مصرف ليبيا المركزي عن استراتيجية وطنية في عام 2018.

وبعد ذلك، ينبغي معالجة أي ثغرات يتم تحديدها في نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الأرهاب في ليبيا. خلصت مشاورة أجراها صندوق النقد الدولي في يونيو 2013 إلى أن قلة التقارير عن الأنشطة المشبوهة وتراكم التقارير المقرر التحقيق فيها يشير إلى استمرار نقص الامكانيات داخل وحدة الاستخبارات المالية التابعة لمصرف ليبيا المركزي.

ووفقا لتوصيات صندوق النقد الدولي، ينبغي للسلطات الليبية تعزيز الرقابة على مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وزيادة موارد وحدة الاستخبارات المالية، وتعزيز التعاون المحلي والدولي لتسهيل الملاحقات القضائية الأكثر فعالية.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على السلطات الليبية، بغية التوافق مع المعايير الدولية بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب، أن تطلب من كافة البنوك ـ بما في ذلك مصرف ليبيا المركزي ـ بذل العناية الواجبة المعززة بشأن الأشخاص الأجانب المعرضين للخطر سياسيا والعلاقات مع المواطنين المعرضين للخطر سياسيا التي تعتبر علاقة تجارية محفوفة بالمخاطر“.

ومن شأن تطبيق أحكام قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الليبي

لعام 2017 على الأشخاص المحليين المعرضين للخطر سياسيا أن تتيح مراقبة أكثر صرامة للصوصقراطيين في ليبيا، ونظرا إلى مركزية موارد الدولة في العديد من الممارسات غير المشروعة، يتعرض الأشخاص المعرضين للخطر سياسيا ـ الذين غالبا ما يشتغلون في ليبيا في مناصب سياسية رفيعة أو مناصب تكنوقراطية بارزة ـ لمخاطر أكبر في التورط المحتمل في أنشطة غير قانونية مقارنة بغيرهم.

إن التركيز على الإفصاح عن تضارب مصالح الأشخاص المعرضين للخطر سياسيا من شأنه أن يساعد في تقليل احتمالات النشاط غير القانوني.

وأخيرا، للتخفيف من إمكانية التخلص من المخاطر، يجب على البنوك الليبية الكبرى التأكد من أن البنوك المراسلة على دراية بكل الخطوات المتخذة لتعزيز العناية الواجبة وتحسين إجراءات إعرف عميلك“.

في قطاع النفط يشير تورط الإنتربول في عملية الاستيلاء التي وقعت في سبتمبر 2022 على سفينة تحمل كمية كبيرة من الوقود تم تحويلها بشكل غير قانوني من ليبيا إلى أن المجتمع الدولي بدأ يقدر حجم نمو قطاع تهريب الوقود في ليبيا في عام 2022.

على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الدعوة إلى عملية إيريني، وهي مبادرة للاتحاد الأوروبي تهدف بشكل أساسي إلى المساعدة في فرض حظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على المقاتلين الليبيين ومورديهم ـ لمواصلة اعتراض السفن المشتبه في أنها تحمل الوقود المسروق أو المصدر بشكل غير مشروع من ليبيا. واستنادا إلى قرارات الأمم المتحدة الحالية، يتعين على أمريكا أيضا أن تساهم في القضاء على أعمال شبكات تهريب الوقود. ويجب على هذه الدول الغربية أيضا أن تعمل بشكل وثيق مع الإدارة العليا للمؤسسة الوطنية للنفط، والنائب العام الليبي، وديوان المحاسبة الليبي، وهيئات الرقابة الليبية الأخرى لاحتواء وتنظيم مقايضات النفط مقابل الوقود من خلال وضع إطار أكثر صرامة لإعداد التقارير المالية.

وستستمر هذه المعاملات الواقعة خارج الميزانية العمومية في تشكيل مخاطر كبيرة للخيانة والاحتيال مالم تصبح هذه المعاملات أكثر شفافية وأكثر تنظيما. استضافة امريكا مؤخرا اجتماع مائدة مستديرة لمناقشة القضايا الجارية في قطاع النفط في جنوب السودان قبل نشر تقرير استشاري بشأن الأعمال، ومن الممكن تكرار هذا المزيج في ليبيا لتحقيق تأثير عظيم.

وبخلاف ذلك، يُعد الحد من غموض الإدارة المالية للدولة هدفا بالغ الأهمية. فقد أدى الضغط الذي مارسته امريكا إلى مستوى أكبر من الإفصاح عن نفقات الدولة في عام 2022. بناء على إفصاح مصرف ليبيا المركزي عن إصدار خطابات الاعتماد.

وينشر ديوان المحاسبة الليبي من جانبه تقريرا سنويا منذ عام 2011،

ورغم هذه الإفصاحات غير الكاملة، إلا أنه يمكن الاستفادة منها. ويمكن للحكومة الليبية أن تنطلق من نقطة بداية جيدة عن طريق نشر نتائج مراجعة حسابات مصرف ليبيا المركزي التي نظمتها الأمم المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة ماسة لمزيد من الشفافية في التعاقدات الحكومية. على الرغم من التحديات السياسية، فإن دعم عملية مناقصة عامة شفافة ـ من خلال مشاريع مشتركة في البداية بين الجهات المانحة الدولية والحكومة الليبية، مثل استراتيجية التعافي وبناء السلام على مستوى الوزارات ـ من شأنه أن يوجه ضربة لعمليا نهب الثروات العامة.

وبالمثل، قد يؤدي إلى إنشاء سجل عام للشركات تابع لفريق العمل المالي لكافة الكيانات المؤسسية المنشأة في ليبيا، بما في ذلك معلومات المساهمين والملكية المستفيدة، إلى تقويض جهود الجهات الممكنة لتحويل الأموال الحكومية بشكل كبير.

خارج ليبيا، يجب أن يظل تجميد الأمم المتحدة على أصول المؤسسة الليبية للإستثمار ساريا ما لم تتمكن المؤسسة من تقديم حسابات موحدة للشركات التابعة لها (لا تستند إلى القيم الدفترية التاريخية) وإظهار الالتزام الكامل بمبادئ سانتياغو للممارسات المعمول بها لصناديق الثروة السيادية.

وفي حال ظلت المؤسسة الليبية للاستثمار غير قادرة على تلبية هذه المعايير، فيجب النظر في إطلاق أصول محددة في آليات صندوق منفصلة تخدم الأولويات الوطنية مثل إعادة إعمار درنة، بشرط تطبيق ضوابط وتوازنات قوية.

الرابع: ‫معالجة‬ ‫ثقافة‬ ‫الإفلات‬ ‫من‬ ‫العقاب‬ ‫السائدة‬ ‫بين‬ ‫من‬ ‫ينتهكون‬ ‫حقوق‬ ‫الإنسان‬ ‫بشكل ‫منهجي

بينما تركز هذه النقاط على المساءلة عن الجرائم المالية، فإن انتهاكات حقوق الانسان منتشرة على نطاق واسع في ليبيا ـ وغالبا ما تكون مرتبطة. أدى انقسام السلطة بعد عام 2011 والانتشار السريع للجماعات المسلحة إلى وضع تتمتع في سلطات الدولة الرسمية بقدرة محدودة على إدارة شؤون الدولة. وسيقطع المجتمع الدولي، من خلال تنفيذ التوصيات المقترحة، شوطا طويلا نحو معالجة ثقافة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها اللصوصقراطيون في ليبيا.

ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به على مستوى تعزيز المساءلة عن انتهاكات القانون الجنائي الدولي وقانون حقوق الانسان. تم تطبيق العقوبات التي ينفذها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الأفراد المتهمين بالتورط في الاتجار بالبشر وغيرها من انتهاكات حقوق الأنسان.

تحتفظ المحكمة الجنائية الدولية بالولاية القضائية في ليبيا، وتظل بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان ومحاسبتهم. وفي الوقت نفسه، أصبح مناخ المدافعين عن حقوق الإنسان صعبا على نحو متزايد، حيث أصبحت الاعتقالات بحجة حماية القيم الليبية والاسلاميةشائعة بشكل متزايد.

يجب التنديد بوضوح بتلك الانتهاكات، كما يجب كشف القوات التي تقوم بالاعتقالات وفضحها، حتى وإن كانت تتعاون مع الوكالات الغربية في مسائل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

_______________

The Sentry‬

مواد ذات علاقة