سماهر الخطيب

عادت الانقسامات وتصفية الحسابات تهدد قطاع النفط الليبي من جديد والذي عانى لسنوات من الإضرابات؛ فخلال العام 2022 على سبيل المثال، شهد القطاع موجة من الإغلاقات، استمرت نحو 3 أشهر، وطالت عددا من الحقول والموانئ النفطية جنوب وشرق البلاد، ما تسبب في خسائر تجاوزت قيمتها 3.59 مليار دولار أمريكي وهو ما دفع العديد من الشركات العالمية لوقف نشاطه.

ويبدو واضحاً بأنّ هناك حالياً أزمتان تتصدران المشهد الليبي؛ ويمكن اعتبار تصفية الحسابات الشخصية في السياسة الليبية هي الأزمة الأولى، ليمثّل فرض الأمر الواقع الأزمة الثانية، والمنبثقة عن تصفية الحسابات الشخصية، وهو ما ظهر جليّاً في الصراع بين أطراف الأزمة الليبية على مكامن السلطة والمال؛ والذي أدى إلى عرقلة أي مسعى سياسي لحل أزمة البلاد.

وفي هذا الصدد، تصدّر وقف وزير النفط والغاز محمد عون، عن العمل مؤقتًا المشهدَ الليبي، ليشهد قطاع النفط  الليبي تحركات مريبة بعد قرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية غرب البلاد، عبد الحميد الدبيبة، بتعليق عمل عون، والذي جاء بصورة غير مباشرة على لسان رئيس هيئة الرقابة الإدارية، عبدالله قادربوه، وذلك بحجة إرتكاب عون مخالفات قانونية تضر بالمصلحة العامة للدولة ولم يقف الأمر عن توقيفه بل تحويله للتحقيق أيضاً بناءً على مذكرة مدير الإدارة العامة في القضية رقم 178 التي كشفت وجود مخالفات قانونية.

وقد أعرب العديد من الخبراء والمهتمين بالشأن الليبي عن إستغرابهم من هذا القرار المفاجئ، وكان على رأسهم وزير النفط نفسه الذي قال بأن “القرار الصادر عن هيئة الرقابة الإدارية لم يتضمن أي إجراءات عملية وكل ما تسلمه ورقة تُفيد بذلك”، أما بخصوص القضية رقم 178 فقال أنه “لم يسمع عنها من قبل”. وهذا ما دفع الخبراء إلى التخمين بوجود أسباب أخرى دفعت الدبيبة لإصدار هذا القرار مغايرة عن الأسباب المعلنة!..

فعلى سبيل المثال ترى صحيفة “أفريكا إنتليجنس” بأن “قرار إيقاف محمد عون جاء بتوجيهات من إبراهيم الدبيبة، قريب ومستشار رئيس حكومة الوحدة الوطنية”. بينما تقول مصادر أخرى بأن “القرار جاء من عبد الحميد الدبيبة بهدف تمرير إتفاقية تمكين شركة (إيني) الإيطالية ومنحهم حقوق التنقيب والتطوير في حقل حمادة الحمراء”.

حيث ان الدبيبة كان قد أعلن في ديسمبر العام الماضي عن إستعداده لـ”توقيع عقود تطوير حقل حمادة الحمراء مع عدد من الشركات الأجنبية تضم كلاً من توتال الفرنسية وأدنوك الإماراتية ومؤسسة الطاقة التركية وأخيراً إيني الإيطالية”، وقوبل هذا القرار برفض من قبل مجلسي النواب والدولة وزير النفط الموقوف محمد عون.

وتشير بعض التسريبات إلى أنّ الرئيس التنفيذي لشركة “إيني”، كلاوديو ديسكالزي، إلتقى بـ عبد الحميد الدبيبة، وقدم ديسكالزي “رشوة” بقيمة 125 مليون دولار للدبيبة مقابل “الإنفراد” بتطوير وإستخراج الغاز والنفط من حقل حمادة وذلك على هامش القمة العالمية للحكومات في أبو ظبي، التي أقيمت في فبراير، الأمر الذي وضع الدبيبة في مأزق حقيقي كونه لا يرغب في أن يغضب الشركات الأخرى وعلى رأسهم توتال الفرنسية.

وبحسب التسريبات فإن الدبيبة قد قبل بعرض “إيني” الإيطالية، ولتعويض الجانب الفرنسي ونيل رضاء الحليف الأول في الوقت الراهن المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية التي زادت من نشاطها بكثافة في الساحة الليبية قرر أن “يزيد نسبة ارباح شركات تلك الدول في حقول أخرى بعيداً عن حقل حمادة”.

 كشفت صحيفة “The Libya Observer” ان الدبيبة “قرر تشكيل لجنة للتفاوض مع كلاً من شركة توتال الفرنسية وكونوكو فيليبس الأمريكية لزيادة هامش ربحهم من 6.5% إلى 13% من حصتها من الإنتاج بحقول شركة الواحة للنفط والتي تعادل 40% وتمديد صلاحية العقود المبرمة مع المؤسسة الوطنية للنفط حتى عام 2046”.

وفي هذا السياق يبدو أنّ  الدبيبة يستغل منصبه بشتى الطرق ويعمل على توزيع ثروات الشعب الليبي للدول التي هي في الأساس من قامت بتدمير وقصف البلاد في عام 2011 ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا تعمل على نهب ثروات الشعب ووجدو في الدبيبة ضالتهم ومنفذهم لضمان ضخ النفط والغاز الليبي إلى دول القارة العجوز وفق ما قاله الخبير الإستراتيجي والباحث السياسي، محمد الفيتوري.

لا يمكن فصل القرار عن حالة الانقسامات التي تشهدها حكومة الوحدة الوطنية؛ إذ سعى عون، خلال المدة الأخيرة، إلى عرقلة عدد من الصفقات لقطاع النفط الليبي، ومن بينها صفقات مع إيطاليا وتركيا وأخيراً الإمارات.

ورغم أن الوزير لا يتمتع بصلاحيات بسبب حصر توقيع الصفقات على المؤسسة الوطنية للنفط أو رئاسة الحكومة؛ فإنه يرى أن التدخل من صميم مهامه، ويؤكد بعض المحللين أن انتقال خليفة عبد الصادق لأداء مهام وزير النفط مع إيقاف عون سيؤدي إلى مزيد من التنسيق بين المؤسسة الوطنية للنفط والوزارة؛ ما قد يمهّد الطريق لإنعاش قطاع النفط الليبي على المدى القصير.

فمن شأن إقالة محمد عون أن تزيح إحدى العقبات التي تعترض الاتفاقيات الأخيرة رفيعة المستوى مع الشركات الأجنبية بالقطاع من يمهد الطريق أمام المؤسسة الوطنية للنفط للمضي في خطتها لزيادة إنتاج النفط إلى مليوني برميل، حسبما ذكرت بلومبرغ.

لكن لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى زيادة مستدامة في الإنتاج؛ إذ إن الخلافات المستمرة في ليبيا والمنقسمة بين حكومات متنافسة يمكن أن تفاقم اضطرابات القطاع بوتيرة متسارعة.

والجدير بالذكر أنّ ليبيا تمتلك أكبر احتياطيات من النفط الخام في أفريقيا، حيث أنها تنتج ما يقارب المليون و200 ألف برميل يومياً من النفط الخام والذي يعتبر مصدر الدخل الأساسي للشعب اللييبي، ولكن عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تعاني منه ليبيا، الممتد منذ أكثر من عقد، وكثيراً ما يكون الإنتاج رهينة للصراعات بين الإدارات المتنافسة في طرابلس والشرق.

حيث يؤثر الصراع السياسي على القطاع الاقتصادي وعلى رأسه إنتاج النفط، في ظل اتهامات للدبيبة بالسيطرة على قطاع النفط . فقد انخفض إنتاج ليبيا من النفط الذي وصل إلى ما يقرب من 1.8 مليون برميل يوميًا في 2008 إلى نحو 100 ألف برميل يومياً بعد مقتل معمر القذافي في الحرب الأهلية عام 2011، ويتعرض الإنتاج لتقلبات منذ ذلك الحين، ليبلغ حالياً نحو 1.2 مليون برميل يومياً.

***

سماهر الخطيب ـ كاتبة صحافية سورية وباحثة في العلاقات الدولية والدبلوماسية

____________

مواد ذات علاقة