زايد هدية

تخشى الولايات المتحدة تنفيذ روسيا مخططها العسكري ببسط النفوذ على القارة السمراء من خلال تشكيل الفيلق الأفريقيالذي تصفه واشنطن بالذراع العسكرية المطورة من قوات فاغنر، وتقول إن قاعدته ونواته الرئيسة ستتكون في شرق ليبيا بالتعاون بين موسكو وقائد الجيش الليبي في بنغازي خليفة حفتر.

أثارت تحركات عسكرية أميركية غرب ليبيا تساؤلات ومخاوف جديدة قديمة من تحول الحرب الباردة مع روسيا في البلاد التي تعاني أزمة سياسية وأمنية معقدة إلى صدام مباشر أو بالوكالة بين الطرفين، من أهم أسبابه تزايد التمدد العسكري الروسي في الشرق الليبي، وقلق الولايات المتحدة من خطة موسكو لجعله نواة لتشكيل الفيلق العسكري الأفريقيوذراعها العسكرية الجديدة لكسب الصراع مع الغرب في القارة السمراء.

وتمثل النشاط العسكري الأميركي الذي أحيا هذه المخاوف من تحول ليبيا إلى ساحة جديدة للصراع الروسيالأميركي في زيارة وفد رسمي تابع لوزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) لعدد من القواعد العسكرية في الغرب الليبي، بالتزامن مع إشراف شركة أمنية من الولايات المتحدة على تدريب تشكيلات مسلحة تابعة لحكومة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس، وسط شائعات عن وصول شحنات سلاح أميركي كبيرة إلى قاعدة الوطية جنوب العاصمة الليبية.

برنامج تدريب مفاجئ

وكانت مصادر صحافية غربية، فرنسية وإيطاليا تحديداً، كشفت عن وصول عناصر من الشركة الأمنية الأميركية أمنتومإلى ليبيا بموجب اتفاق مع رئيس حكومة الوحدة الليبية عبدالحميد الدبيبة، لتوفير التدريب لمجموعات مسلحة عدة في العاصمة طرابلس، وسط تعتيم وتكتم تام من الحكومة الليبية.

وذكرت المصادر أن أفراد أمنتومسيتولون مهمة تدريب أعضاء من ثلاثة ألوية مسلحة غرب ليبيا، وهي اللواء (444) بقيادة محمود حمزة، واللواء (111) بقيادة عبدالسلام زوبي، واللواء (166) بقيادة محمد الحصان، وهي من الكتائب البارزة في مدينتي مصراتة وطرابلس خلال الأعوام الأخيرة.

ووفق هذه المعلومات فإن جهود التدريب بين أمنتومووزارة الخارجية الأميركية تهدف إلى توحيد هذه التشكيلات المسلحة المختلفة وتكليفها بتأمين الحدود وعمليات نزع السلاح، واللافت أنها لا تحدث تحت مظلة القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم).

وقالت التقارير المتطابقة إن الخطوة الأميركية تأتي لإضفاء الطابع المهني على التشكيلات المسلحة بالتماشي مع خريطة طريق واشنطن للأزمة الليبية، والتي تعطي الأولوية لنزع سلاح الجماعات المسلحة وتسريحها وإعادة إدماجها بعد إعادة الولايات المتحدة إطلاق برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في ديسمبر (كانون الأول) 2023.

دحض الشكوك

وأثار برنامج التدريب الأميركي المفاجئ والمبهم والذي لم يتبين في المعلومات المسربة عنه كيف اختير جزء من الكتائب المسلحة في غرب ليبيا من دون غيرها للدخول فيه وعلى أي أساس، وكيف ستعمل بعد ذلك على تنفيذ البرنامج الأميركي للإدماج ونزع السلاح وحماية الحدود، أو تتعامل مع القوى المسلحة الموازية لها في القوة والعتاد والنفوذ في المرحلة اللاحقة، تساؤلات وتحفظات واسعة على هذا البرنامج بدأت الولايات المتحدة في محاولة الرد عليها وتحجيم الشكوك التي طاولت هذه الخطة التدريبية، وحتى طبيعتها وماهية الأطراف المستهدفة منها.

وفي هذا السياق أكد متحدث باسم الخارجية الأميركية لوكالة نوفاالإيطالية أن الولايات المتحدة ستقدم خدمات تدريب لهذه المجاميع التابعة لرئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة في إطار برنامج عالمي ينسقه مكتب الأمن الدبلوماسي“.

وأوضح المتحدث أن الشركة الأمنية الأميركية الخاصة (أمنتوم) الداعمة لبرامج الـ ’بنتاغون‘ والخارجية الأميركية تشارك حالياً في أنشطة التدريب الصيفي لموظفي إنفاذ القانون الليبيين خارج البلاد، بينما نفى تدريب الشركة ميليشيات مسلحة داخل العاصمة طرابلس.

وأشار المتحدث إلى أن حكومة الولايات المتحدة لا تقوم بتقديم التدريب للمسلحين في وقت توجد فيه التبادلات وتفاعلات قليلة بين القوات المسلحة الأميركية ونظيرتها الليبية، فواشنطن داعمة لمسار توحيد المؤسسات الأمنية والحفاظ على خطوط الاتصال مفتوحة“.

وبين أن معظم هذه التفاعلات تحدث خارج ليبيا، حيث تشارك وفود من قوى الشرق والغرب في الندوات والمؤتمرات الأمنية والتدريبات العسكرية الإقليمية المتعددة الأطراف، في نشاطات تمتثل بالكامل للالتزامات التي تعهدت بها الولايات المتحدة في إطار الأمم المتحدة“.

زيارة لقواعد عسكرية

وفي وقت أكدت الولايات المتحدة أن برنامجها التدريبي لكتائب مسلحة غرب ليبيا نشاط اعتيادي للخارجية ووزارة الدفاع تعودت على تنظيمه في دول كثيرة، فقد وُضعت هذه التوضيحات الأميركية محل التمحيص أيضاً بعد تزامن هذه الخطة التدريبية مع زيارة لوفد عسكري رسمي تابع للملحق الدفاعي الأميركي منتصف الأسبوع إلى قواعد عسكرية تابعة لقوات حكومة الوحدة الوطنية في مدن غرب ليبيا، وتحديداً في مصراتة والخمس شرق طرابلس.

وقالت السفارة الأميركية في ليبيا إن الوفد زار المنطقة العسكرية الوسطى وقاعدة الخمس البحرية ومختلف القوات العسكرية المهمة وقوات مكافحة الإرهاب، مضيفة في تدوينة عبر منصة إكسأن الولايات المتحدة تقدر دور هذه القوات الإستراتيجي والتزامها بالسلام، وستستمر في دعم الجهود في جميع مناطق ليبيا لتعزيز الأمن المستدام وتوحيد الجيش الليبي وحماية سيادة البلاد“.

وقف التمدد الروسي

وبعيداً من التفسيرات الأميركية للحراك العسكري المكثف في المنطقة الغربية من ليبيا والذي يحدث وسط صمت تام من حكومة الوحدة المسيطرة على هذا الجزء من البلاد، فقد ذهبت قراءات كثيرة لمحللين ليبيين ومهتمين بالشأن السياسي إلى وضعها في سياق بداية التحرك الفعلي من واشنطن لمواجهة النفوذ الروسي في الشرق الليبي والذي حذرت منه مراراً ومن أخطاره على الأمن الإقليمي في شمال ليبيا وجنوبها وفي القارتين الأوروبية والأفريقية.

وتخشى واشنطن تحديداً من تنفيذ روسيا مخططها العسكري لبسط النفوذ في القارة السمراء بتشكيل الفيلق الأفريقيالذي تصفه بالذراع العسكرية المطورة من الفرقة العسكرية الخاصة المعروفة باسم قوات فاغنرالروسية، وتقول إن قاعدته ونواته الرئيسة ستتكون في شرق ليبيا بالتعاون ما بين موسكو وقائد الجيش الليبي في بنغازي خليفة حفتر.

خطر قائم

ويرى المتخصص في العلوم السياسية الليبي جمال الشطشاط أن احتمال تطور الصراع الروسي الأميركي في ليبيا إلى المواجهة المباشرة يبقى قائماً، بعدما ظل طوال الأعوام الماضية صراعاً بالوكالة عبر وكلاء محليين وإقليميين، بسبب خشية الولايات المتحدة من تمدد موسكو داخل أفريقيا وسيطرتها على أطول سواحل البحر المتوسط وغير بعيد من الشواطئ الأوروبية، مما يمثل خطراً إستراتيجياً على مصالح واشنطن وحلفائها الغربيين“.

ومما يزيد المخاوف الأميركية والأوروبية في شأن التمدد الروسي في ليبيا، بحسب الشطشاط، أن النشاط الروسي على الصعيد الليبي يأتي بعد  إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يوليو (تموز) 2023 العقيدة البحرية الجديدة لأسطول بلاده، والتي شملت الوجود الروسي في البحار والمحيطات عبر العالم ومنها البحر المتوسط، حماية للأمن القومي أمام تمدد قوات الخصوم من دول حلف الـ ’ناتو‘ وهو ما من شأنه جر ليبيا إلى قلب المعركة الأميركية الغربية مع روسيا“.

لكن المتخصص في العلوم السياسية اعتبر أنه من المستبعد على المدى القريب لجوء واشنطن للخيار العسكري لوقف الطموحات الروسية في ليبيا وأفريقيا، فهي حتى في عز الحرب الأوكرانية لا تزال تتجنب مواجهة مباشرة مع روسيا، بخاصة أن نفوذ موسكو في الشرق الليبي لم يصل بعد مرحلة الخطر“.

وأكد الشطشاط أن روسيا لا تمتلك أسلحة إستراتيجية خطرة في ليبيا، لكن لو تطور الأمر وجلبت موسكو صواريخ قادرة على ضرب قواعد حلف الـ ’ناتو‘ والعواصم الأوروبية فسيدق ناقوس الخطر بالنسبة إلى الغرب“.

________________

مواد ذات علاقة