بقلم سليمة علي

نطل في هذا التقرير على زوايا وجوانب مختلفة للآثار النفسية والاجتماعية الناتجة عن الحروب جراء التهجير والنزوح. وتمهيدا لهذا العرض سنقدم تعريفا لبعض المصطلحات والمفاهيم المرتبطة عضويا بهذا الموضوع وفقا لما تم التعارف عليه تفاديا لأي لبس او غموض:

الحرب : كما تعرفها الموسوعة الحرة (ويكييديا) هى صراع يتضمن استخداما منظما للأسلحة والقوة البدنية من قبل الدول أو المجموعات الكبرى وتحتل الفرق المتحاربة الأراضي، والحرب سلسلة من الحملات العسكرية التي تشن بين جانبين متضادين تتضمن نزاعا حول السيادة والأراضي والمصادر الطبيعية أو الدين أو الايدلوجيات .

التهجير : عرّفه الباحث خليل وهدان على النحو التالي: التهجير ويسمى أيضا الاجتثاث ويشير إلى الانتقال القسري لشخص او أشخاص بعيدا عن المنزل أو المنطقة، وفى اغلب الأحيان تتضمن العنف كما تتضمن أحيانا التطهير العرقي وهى نوعان داخلي وخارجي :

 1- التهجير الخارجي : وهو أن يهجّر الناس خارج أوطانهم بقوة السلاح ويتم مصادرة ممتلكاتهم وتدمير بيوتهم وهذا أبشع أنواع التهجير.

2- التهجير الداخلي : ((النزوح)) وهو الانتقال أو ترك المكان المعتاد إلى مكان آخر أو منطقة أخرى داخل حدود بلدهم خوفا من النزاعات والحروب أو بسبب انتهاك حقوقهم الأساسية أو حماية لأنفسهم من الكوارث الطبيعية.

وحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر فان اللاجئين هم أشخاص يعيشون خارج بلدانهم الأصلية بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد . والنازحون هم الأشخاص الذين فروا من ديارهم لكن لم يجتازوا حدودا دولية.

للحروب وما حدث في بلدان الربيع العربي ومنها ليبيا، آثار نفسية واجتماعية خطيرة جدا تحتاج فترات علاج طويلة  وإعادة تأهيل نفسي كبير، ودعم دولي وحكومي محلي لأن هذه الآثار لا تقل أهمية عن الآثار المادية وإعادة البناء وانما تزيد عليها .

الآثار الاجتماعية للحروب:  

اضطرار العائلات إلى النزوح خارج منازلهم لأماكن أخرى وربما للهجرة خارج بلدانهم , فالذين خرجوا خارج حدود الوطن أصبحوا يعيشون على هامش الحياة في مجتمعات لا ينتمون إليها أو في مجتمعات لا تتقبلهم وقد تعتبرهم عبئا اجتماعيا واقتصاديا عليها , وأما من اضطروا إلى النزوح للمناطق الأكثر أمانا في نفس مدنهم فالعائلات الفقيرة منهم وجدوا أنفسهم مرغمين على العيش المشترك والسكن مع الأقارب، وغالبا ما تصاحب هذه الاقامة الطارئة في الظروف الاستثنائية مشاكل اجتماعية متعددة بسبب ضغط الظروف المادية وصعوبة التكيف المشترك في مواجهة ما صاحب كل ذلك من كوارث ومصائب.

هجرة الأدمغة والعقول والكفاءات بالإضافة لهجرة العمالة الفنية المتخصصة.

أخطر أنواع الآثار الاجتماعية للحروب هو ما تتعرض له المرأة والطفل والفئات الناشئة (وهذا ما سنتناوله بشيئ من التفصيل فى الجزء الثاني من هذا التقرير)

–  بعض الحروب قد تقلب المجتمعات رأسا على عقب (نرجو أن لا يحدث هذا في مجتمعنا)

تصاعد وتنامي ظاهرة الجرائم العنيفة نتيجة عدم قدرة الدولة على احتكار السلاح وانتشاره بين الفئات المختلفة ومنها التمثيل بالجثث وقطع الرؤوس.

انتشار ظاهرة العنف المجتمعي : الاحتكام إلى العنف لحسم الخلافات المجتمعية ويستدل على ذلك بانتشار المعارك بين العائلات بالأسلحة النارية.

الاضطرابات النفسية للحروب :

  1. الإحباط النفسي : ويحدث في الآمال والتوقعات خاصة فيما يتعلق باحتمال تحسين الأوضاع المعيشية عقب استقرار الأوضاع السياسية والأمنية وهو ما لم يتحقق نتيجة استنزاف الموارد وتداعى أركان المؤسسات السياسية والأمنية فضلا عن انتشار السلاح وتصاعد سيطرة الميلشيات المسلحة.

  2. اضطراب ما بعد الصدمة : والذي ينتج عن التعايش مع أعمال العنف والصراعات المسلحة والتعرض لمشاهدة القتل الوحشي والتعذيب.

  3.  الفزع المرضي: ينتج من أصوات القصف وهجمات الطيران ضد مواقع التنظيمات الإرهابية خاصة اذا تسبب ذلك في قتل مدنيين أبرياء فيصبحوا يعانون من الرعب المرضي من الأصوات المرتفعة فضلا عن حالات قلق الانفصال بين أفراد الأسرة الواحدة.

الأمراض العصابية :

  1.  القلق وهو مرض عصابي ينتشر وقت الأزمات حيث تسيطر على الشخص مشاعر الخوف والعجز عن اتخاذ قرارات حاسمة.

  2. الاكتئاب يجعل صاحبه تسيطر عليه الهواجس والتي تبين له انه لا نفع منه في هذه الحياة وقد يتحول هذا المرض إلى ذهاني عقلي اذا استسلم له صاحبه.

  3. الهستيريا ومن أعراضها كثرة الشكاوى الجسمية والتي يعتقد المصاب بها عجز الطب عن علاجه وكثرة هذه الشكاوى قد تصيب صاحبها بالعمى الهستيري والتشنج وفقدان الذاكرة وكل هذه تجعل الفرد مركز للاهتمام والرعاية التي يشعر انه يفتقدها.

  4. عصاب الحرب يأتي بسبب الضغوط النفسية التي يلقاها الفرد , فالجسم الانساني يقوم بما يسمى ( استجابة الاستنفار ) وفيها تستنفر الدفاعات الفيزيولوجية للجسم بشكل كبير قد لا يحتمله جسم الإنسان فيتعرض للتعب والإنهاك وتنهار دفاعاته ثم يصبح عاجزا ومعرضا للمرض

الأمراض الذهانية:

وهى ما تعرف فى مجتمعاتنا بالجنون..ومنها: مرض الفصام : صاحبه يفقد صلته بالواقع وكلماته غير مفهومة ومبهمة.

فصام الاضطهاد: يأتي من الغيرة الشديدة وكثرة الشك فى الآخرين ونواياهم فيشعر بالاضطهاد والرغبة في الانتقام.

الجنون الدوري : يتميز بنشاط المصاب وكثرة هياجه ويشعر بموجات من الحزن العميق وقد تعتريه فترات يفقد فيها ذاكرته ويصعب عليه إدراك ما حوله.

الأمراض السايكوسوماتية (النفسية الجسمية):

وتشكل النسبة الأعلى في المجتمعات التي تجرى بها الحروب، وهى مجموعة الأمراض التى تصيب الجسم او وظائفه وهى عادة تقاوم أشكال العلاج الطبي المعروفة ومن أمثلتها:

  1.  امراض الجهاز الهضمى : – قرحة المعدة وهى التهابات في جدار المعدة وعادة ما تكون بسبب ظروف نفسية وانفعالية كالخوف والغضب والتوتر والإحباط.

  2. اضطرابات الخراج وتتمثل في الإسهال المزمن او الإمساك او التبول اللاارادي نتيجة الضغوط الانفعالية والاستياء والشعور بالقلق .

  3. فقدان الشهية ويأتي بسبب الاضطرابات والصدمات الانفعالية المرتبطة بالعقاب او اللوم او الخوف.

امراض القلب والاوعية الدموية:

  1.  مرض أساسه نفسي من أعراضه الخفقان وقصر التنفس والتشنج والعوامل التي تساعد على ظهور التوتر والصداع الانفعالي.

  2. التوتر الزائد : والذى يقود إلى ارتفاع ضغط الدم .

  3. الصداع النفسي : مسبباته أيضا القلق والشدائد النفسية التي يمر بها الإنسان.

  4. الإغماء ومن ابرز أسبابه الخوف الشديد.

أمراض الجهاز التناسلي :

  1.  اضطراب الوظيفة الجنسية : أو العجز الكلى أو الجزئي ومن أوائل أسباب هذا المرض المخاوف النفسية وانعدام الثقة والتجارب النفسية السيئة .

  2. اضطرابات الوظيفة التناسلية : ويقف وراء هذه الاضطرابات عدم الشعور بالأمن والحروب ومنها: اضطراب الحمل والولادة  –  عدم انتظام الدورة الشهرية أمراض الجهاز التنفسي

أمراض الجهاز التنفسي :

  1. الربو ومن مسبباته الاضطرابات الانفعالية والتي تاتي من عدم النضج الوجداني العاطفي والحرمان من العطف الابوي بسبب الطلاق او الوفاة .

  2. السل الرئوي : أكدت البحوث ان الضغوط والشدائد النفسية لها دور كبير في اضعاف مقاومة الجسم لجرثومة السل الرئوي .

  3. الاضطرابات الهرمونية وخلل افراز الغدد. حيث يرى العالم (بيرى) أن الغدة الدرقية قد تتسمم نتيجة الخوف أو الرعب

موقف الاسلام من التهجير القسري :

يستدل من النصوص أن أحكام الإسلام قطعت دابر الهجرة القسرية كإجراء وقائي ومنعت كل هجرة قسرية وذلك لفداحة الاثار والنتائج المتولدة وقد ورد في مبادئ الإسلام الحنيف نصوص من القرآن الكريم والحديث الشريف ما تمنع الهجرة القسرية وتحد من دوافعها ومنها:

  1. القرآن الكريم: يقول الله تعالي: ” وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودون في ملتنا“(ابراهيم الاية 13)

فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون” (النمل الآية 4

فهاتين الآيتين فيهما تهديد واضح وصريح للطغاة الذين استعملوا التهجير سلاحا فتاكا ضد الأنبياء وضد من يعارضون سياساتهم المتسمة بالبطش والترحيل

يقول الله تعالي : “واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك الأنفال الآية 229

وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها الإسراء الآية 86 وفي هاتين الآيتين تهديد للرسول بالسجن أو القتل أو التهجير.

  1. السنة النبوية: ان أول ما واجهه النبي صلي الله عليه وسلم التهديد بالتهجير وقد نفذ ذلك في نفي رسولنا الكريم وبني هاشم إلى شعب من شعاب مكة المكرمة حيث عانوا فيها ويلات الجوع والحصار والعذاب الشديد مما اضطرهم للهجرة وترك بيوتهم للحبشة مرتين نتيجة للاضطهاد.. وقد هاجر الرسول الكريم الى المدينة المنورة مكرها وعبّر عن ذلك بقوله عن موطنه مكة والله انك أحب البلاد إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت” .

موقف الإسلام واضح من التهجير فإن كان الدافع ديني فالله تعالي قال لا إكراه في الدين الآية 256.

كما ان الدوافع الأخرى اقتصادية كانت او عرقية او قومية او سياسية فان مبادئ الإسلام  لا تسمح بالتهجير فالناس في نظر الإسلام أصل واحد ويقول تعالي يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” (الحجرات الآية 13)

إذن لا عرف يقبل ولا ديننا الإسلامي الحنيف يحلل أو يبيح التهجير ابتداءً، فضلا عن الجوانب الأخرى المتعلقة الأمراض النفسية والاضطرابات الاجتماعية التي تحدثها جريمة التهجير وتهدد الكيانات الاجتماعية بالتشظي والانهيار وتغرس في افراده الضغائن والأحقاد.

____________________
ايوان ليبيا

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *