بقلم ربيعة عمار

تلجأ العديد من الفتيات الليبيات اللاتي أقمن علاقات خارج إطار الزواج إلى وضع مواليدهن في المصحات التونسية الخاصة خوفاً من انتقام العائلة أو القبيلة.

***

بعد يومين على إجراء عملية قيصرية لولادة طفلها غير الشرعي، تجلس غادة على فراشها في إحدى المصحات الخاصة بتونس العاصمة وعلى وجهها علامات الحزن والحيرة

تعترف الفتاة بصوت متلعثم بأنها أقامت علاقة خارج إطار الزواج بعد ارتباطها بأحد الشباب القادمين للعمل في منطقة الكريميةبضواحي طرابلس الجنوبية حيث تسكن.

بعد علاقة طويلة وجدت هذه الفتاة نفسها وحيدة بعدما انصرف صديقها الذي تجنب مقابلتها بعد أن علم بحملها. تقول: “لقد قصدنا تونس بحجة العلاج حتى لا يعلم أحد“.

تستر على الفضيحة

قدمت غادة لتونس برفقة والدتها التي لم تتخلَ عنها رغم كل شيء. تقول والدتها بصوت يخفي مرارة المصيبة: “لقد أخطأت، لكن لو تمت عملية الولادة بليبيا لحصلت كارثة“.

كان سيتم سجنها إن لم تقتل على أيدي أشقائها الذين لا يعلمون بموضوع حملها، فهم يعتقدون حتى الآن أن شقيقتهم تعاني ورماً وأنها ذهبت للعلاج، تضيف الوالدة لمراسلون.

تبدو علامات الحزن جلية على وجه هذه الأم التي ترافق ابنتها في معاناتها، لكن عقلها كان شارداً وهي تفكر بعمق في مصير الابن الذي ولد دون أن يكون والده حاضراً إلى جانبه.

لم تتمكن ابنتها غادة من إجراء عملية إجهاض في الوقت المناسب لذلك أخبرها الأطباء بأن عليها الانتظار إلى موعد الولادة. والآن تبحث الفتاة عن طريقة تؤمن بها حياة ابنها.

سنبحث خلال الفترة القادمة أمر الطفل فربما نجد عائلة ليبية في تونس أو في ليبيا تقوم بكفالته، تقول غادة لمراسلون.

وتنص المسودات المتتالية للدستور الليبي الذي لم تتم المصادقة عليه حتى الآن بسبب الانقسام السياسي في البلاد على أن الشريعة الإسلامية تعد أحد مصادر التشريع.

كما حظرت ليبيا في عهودها السياسية المختلفة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، إذ يعتبرها المجتمع الليبي المحافظ جريمة وفضيحة تستوجب العقاب.

ولا تعد أزمة غادة فريدة من نوعها، إذ تتعدد قصص الفتيات الليبيات حتى القاصرات اللاتي يلجأن إلى المصحات التونسية للإنجاب.

علا فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً، وافقت والدتها على أن تتحدث لموقع مراسلون بشرط السرية التامة مخافة انتقام العائلة.

تقول الأم (42 عاماً) إن ابنتها غرر بها أحد الشبان حيت انتهت بها القصة إلى الحمل بطريقة غير شرعية. وللتستر على الفضيحة وتنجو من العقاب قررتا التوجه إلى مصحة خاصة بتونس.

بمساعدة بعض معارفها استطاعت الأم أن تمكن ابنتها من وضع ابنها دون أن يعلم أحد من العائلة. وقد سلما الطفل لدار رعاية تونسية بعد التنسيق مع إحدى جمعيات حماية الطفولة في ليبيا.

تضيف الأم والدموع تنهمر من عينيها: “أشعر بالخوف من الفضيحة مستقبلاً، فربما يأتي يوم يبحث فيه هذا الطفل عن أمه وعندها سيكون الموضوع كارثياً على العائلة

وعلى عكس أمها الخائفة، كانت علا تبتسم معبرة عن قناعتها الكاملة بتطمينات قاضي الأسرة بالمحكمة التونسية الذي أكد إخفاء هوية الأم واعتبارها من المعلومات السرية.

قوانين تونسية

تعد تونس وجهة مفضلة للنساء اللاتي يلدن خارج إطار الزواج بسبب تطور القوانين التونسية وتقدمها على مثيلاتها العربية في هذا المجال.

وتمنح مجلة الأحوال الشخصية الحق للأم في إعطاء حقوق كاملة لمولودها. كما تحمي التشريعات التونسية ما يعرف بالنساء العازبات سواء أنجبن في المستشفيات العامة أو المصحات الخاصة.

وتقدر وزارة الصحة عدد التونسيات اللاتي يلدن خارج إطار الزواج في البلاد بحوالي 1500 حالة سنوياً، فيما لا توجد أرقام مماثلة في ليبيا بالنظر إلى عدم اعتراف السلطات الليبية بهذه الظاهرة.

ويمكّن القانون التونسي من اعتبار الطفل المولود مواطنا تونسياً طالما أنه ولد على الأراضي التونسية ولم تصرح أمه بنسب الأب.

تقول إحدى القاضيات العاملات بالمندوبية الجهوية بتونس العاصمة مفضلة عدم ذكر اسمها – إن دور الرعايا الاجتماعية التونسية استقبلت هذا العام 30 طفلاً غير شرعي ولدوا من أمهات ليبيات،

وتضيف: “في كافة الحالات التي وصلتنا كانت الأم معروفة الهوية، بينما تم تسجيل الأب ضمن فئة المجهول، وهو ما يجيز اعتبار الطفل مواطناً تونسياً“.

وبحسب هذه المسؤولة بلغ عدد الأطفال من أمهات ليبيات الذين ولدوا خارج إطار الزواج في تونس منذ الثورة 2011 حتى اليوم حوالي 200 طفل.

وأغلب الأمهات الليبيات فضلن الإقامة والعمل في تونس، ويرجع سبب تخليهن عن أبنائهن إلى الوضع المعيشي الصعب، فضلاً عن تخوفاتهن من الانتقام العائلي والقبلي.

وتقول قاضية المندوبية الجهوية إن هؤلاء الأطفال يجب حمايتهم من عمليات الإتجار وبيع البشر التي تزدهر في الدول التي يغيب فيها القانون“.

ويؤكد المحامي محمد البرهومي بأن القانون التونسي متطور جداً في حماية الطفولة وفي منح المرأة حق الولادة خارج إطار الزواج الشرعي ومجاناً في المستشفيات الحكومية. وهذا الحق استفادت منه أيضاً النساء الليبيات في تونس.

ويقول المحامي إن القانون التونسي يسعى لكفالة حياة كريمة للطفل المحضون لحمايته من الاستغلال الذي قد يتعرض له لصالح أفراد أو منظمات.

لكنه أوضح أن القانون يراعي الحالة النفسية للأم عند الولادة ويمنحها الوقت للعدول عن قرارها في حال الرغبة في الاحتفاظ بالطفل المحضون“.

وقد استشهد بإحدى الحالات التي تمكنت فيها أم ليبية من استلام الطفل بعدما أثبتت أن أسرتها قادرة على إعالته وتوفير حياة كريمة له والتجاوز عن خطأها.

دور الرعاية

ومباشرة بعد الولادة وإقرار الأم الليبية بتسليم الطفل، تقوم وزارة الصحة التونسية بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية بتسليمه إلى إحدى دور الرعاية في تونس وأشهرها مركز أس أو أس قمرتبالعاصمة.

وتقول ألفئة العاملة في هذا المركز لمراسلون إن هذه الدار تستقبل الأطفال غير الشرعيين المحالين إليها من المحكمة ولا نعلم عن بياناتهم الكثير“.

وإلى جانب هذه الدار، هناك دور رعاية خاصة كثيرة يقوم بتمويلها أصحاب الخير وتقدم فيها الرعاية الشاملة من سكن وملبس ومأكل ورعاية صحية ومتابعة دراسية وترفيه. وهذه المراكز تستقبل أطفالاً غير شرعيين تونسيين وغير تونسيين.

وتقول الخبيرة الليبية في شؤون الطفل بمنظمة الاتحاد الإفريقي آمال الهنقاري إنه من الطبيعي أن يكون هناك أطفال ليبيون قد تم التكتم على نسبهم في مختلف دول الجوار وليس في تونس وحدها، وطبيعي أن يكون الرقم الحقيقي أكبر من المعلن بكثير بسبب تكتم السلطات التونسية وخجل السلطات الليبية“.

وأضافت: “ما يثير الهواجس هو وجود الأطفال في دور رعاية خاصة غير حكومية، ما يعني أن هناك شبهات مستقبلية لإمكانية الإتجار بهؤلاء الأطفال“.

في المقابل أكدت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الليبية في طرابلس لمياء الزليطيني لمراسلون في حديث مقتضب على عدم ورود بلاغات رسمية عن حالات ولادة غير شرعية من قبل الجهات التونسية لذلك يصعب علينا التأكد من وجود هذه الظاهرة “.

***

ربيعة عمار ـ نشرت كتاباتها في معظم الصحف الليبية، كما أعدت وقدمت نحو 6 برامج إذاعية، وشغلت في الأعوام الأخيرة منصب المتحدث باسم وزارة العمل

______________

مراسلون

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *