بقلم خالد عزب

مناقشات عاصفة شهدها مؤتمر «الأمن الديموقراطي في زمن التطرف والعنف»، الذي شهدته القاهرة أخيراً وشاركت في تنظيمه مكتبة الإسكندرية، أصبح من الواضح أن هناك تبايناً كبيراً في التعامل مع الحريات العامة وصونها في ظل تصاعد التطرف وعنفه حول العالم.

فالمجتمعات الديموقراطية تقر بحزمة من الحريات الأساسية لمواطنيها، من بينها المبدأ القانوني الراسخ أن الجريمة فعل، وليست فكراً، يعاقب مقترفوها بعد الإتيان بها. من هذا المنطلق تمت صياغة الإجراءات القانونية والقضائية على نحو يضمن معاقبة مؤسسات العدالة مقترفي الجرائم بعد أن تثبت إدانتهم. إلا أن الإرهاب يشكل تحدياً مختلفاً، إذ تطالب الشعوب الحكومات بالحيلولة دون حدوث الفعل الإرهابي، وإجهاض المحاولات الإرهابية في المهد قبل أن تتحول إلى جرائم ومآسٍ في حياة الشعوب.

لعل هذا ما جعل دولاً ديموقراطية كألمانيا وفرنسا وبلجيكا والتي شهدت حوادث إرهابية خلال الشهور الماضية، تمنح صلاحيات واسعة لأجهزة الأمن في سياق مكافحة الإرهاب، ما يطرح تساؤلات أساسية حول قضايا الحرية، وكيفية تحقيق التوازن بين مقتضيات الأمن من جانب والحريات التي يكفلها الدستور والقانون للمواطنين من جانب آخر.

في هذا الصدد، تستدعي الذاكرة القانون الشهير “Patriot act” المعروف بقانون مكافحة الإرهاب، الذي أصدرته واشنطن بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وتضمَّن صلاحيات لخوض «حرب على الإرهاب» من خلال تسهيل إجراءات التحقيقات وغيرها من الوسائل. ومن هنا عرفت الولايات المتحدة الأميركية إجراءات الاحتجاز الوقائي واللجوء إلى أساليب التعذيب والقتل المنهجي من خلال هجمات الطائرات من دون طيار، ما أثار استياء الكثيرين لانتهاك هذه الأساليب فكرة حرمة دماء الإنسان وحريته.

هذا ما طرح سؤالاً جدلياً على الساحة الدولية مفاده: أين يكمن التوازن الصحيح بين الأمن والحرية؟ وهل يختلف من بلد إلى آخر؟

إن دساتير الدول المتحضرة تضمن حقوق الإنسان الأساسية لمواطنيها مثل حرية التعبير، وحرية الاجتماع، والحق في الخصوصية والحق في التظاهر، وغيرها من الحقوق التي تضمن أن يكون المواطن في مأمن من الافتئات غير القانوني على حقوقه وحرياته. حقوق الإنسان هي حقوق أساسية ينبغي أن تكون مكفولة للمواطنين في الأحوال كافة، بما في ذلك الفترات التي تشهد «الحرب على الإرهاب».

لكن في الوقت نفسه تستدعي مجابهة الإرهاب، وضع قوانين خاصة تمنح سلطات أوسع لأجهزة الأمن في تتبع وملاحقة العناصر الإرهابية، وسرعة التحرك لإجهاض العمليات الإرهابية قبل حدوثها، ما يؤدي إلى تقليص مساحات الحريات الشخصية، بل قد يقتضي الأمر تقييد تحركات سكان مدينة أو حي بعينه.

لكن ما يفيد في إحداث التوازن بين مقتضيات مجابهة الإرهاب أمنياً والحفاظ على الحريات الشخصية، هو استدعاء الخبرات الدولية، بخاصة السابقة لأحداث أيلول 2001، مثل الجيش الجمهوري الإرلندي في المملكة المتحدة، وطرق تعامل الحكومة البريطانية معه ومع أنصاره، وحركة فارك في كولومبيا، والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر بخاصة في العشرية السوداء منذ 1990 حيث وقف الكثير من دول العالم موقفاً سلبياً إزاء المذابح التي كان يتعرض لها شعب الجزائر على يد المتطرفين.

مثل هذه الخبرات ينبغي إخضاع تراكمها للدرس حتى تمكن الاستفادة مما نطرحه، في شأن مواجهة التطرف وصون الحريات في الوقت ذاته. لكن من المتفق عليه أن مجابهة التطرف أمنياً هي إجراء وقتي، إذ ينبغي درس مسببات انتشاره، ولعل أولها هو افتقاد سلم واضح للصعود الاجتماعي والاقتصادي في بعض الدول، سواء بسبب عدم أخذ عامل الكفاءة في الحسبان عند الالتحاق بالعمل وتغليب العصبية الأسرية أو القبلية أو العرق. فهذا مما يسبب حالة إحباط لدى مبدعي أو فائقي الذكاء في الكثير من المجتمعات، ويدفع هؤلاء إلى العنف انتقاماً من مجتمعاتهم، أو الحلم بجنة مفقودة على الأرض تحمل العدالة، أو البحث عن هوية متذبذبة في دول وطنية فاشلة أو مجتمعات مهجر تهمش مهاجريها.

إن للتطرف أسباباً مركبة قد يكون استخدام الدين إحدى وسائلها للتعبير، لذا فإن كبح جماح حركات التطرف يبدأ بمعالجة المشكلات التي تؤدي إليه.

***

خالد عزب ـ كاتب مصري

_______________

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *