بقلم محمد صالح تنتوش

أصبح معروفا لدى الجميع أن الغالبية العظمى من التشكيلات المسلحة تتكون من شباب في عمر كان من المفترض أن يكونوا فيه ضمن العملية التعليمية أو في أعلى مراحل الانتاجية والعمل ، لكن مجموعة من العوامل تسبب في توجه الكثيرين منهم الى الانضمام للتشكيلات المسلحة بنسبة تزيد عاما بعد عام.

لعل أبرز هذه الأسباب تحول العمل المسلح أثناء الثورة من عمل تطوعي من أجل الوطن إلى عمل له مقابل بداية من قرار المجلس الوطني الانتقالي بتوزيع مكافآت على الثوار دون تدقيق أو تعريف من هو الثائر من عدمه ولتكون تلك أول فرصة لحصول الكثيرين على أموال مجانية مقابل فكرة العمل المسلح سواء كان الحاصل قد شارك في الثورة أو لم يشارك.

وكانت تلك أيضا فرصة لحصول الكثير من التشكيلات المسلحة على أموال تكفيها للاستمرار في عملها لفترة أطول عدا عن تشكيل مجموعات جديدة ، قبل أن يتم ضم جميع هذه التشكيلات في شكل كيانات موازية للشرطة والجيش الى وزارتي الداخلية والدفاع تحت مسميات اللجنة الأمنية العليا والدروع والحرس الوطني .

وفي مقابل التشجيع على العمل المسلح الذي أصبحت مكافآته تتجاوز ما يمكن ان يتحصل علي الجندي أو رجل الشرطة بالإضافة الى حوافز أخرى مثل تجارة الأسلحة وغيرها ؛ لم يكن هناك اهتمام ولا تطوير بالعملية التعليمية ولا بتطوير الرياضة والثقافة التي ظل روادها يعانون من تهميش الدولة لهم وغياب الدعم عنهم لتتأخر بذلك عملية دمج المقاتلين في الحياة المدنية وليتحول الأمر بدلا عن ذلك الى تشجيع المدنيين على الانضمام للتشكيلات المسلحة .

وسط تلك العملية ظلت بعض الفئات من الشباب مهتمة بالدراسة والعمل والنشاط المدني رغم كل الصعوبات ولتشكل نموذجا يحتذى به من الشباب الطموح لكن انضمام الشباب للعمل المسلح لم يتوقف اذ أن الحرب التي اندلعت خلال سنة 2014 وسعت من دائرة القتال لدوافع مختلفة ليكون عدد الضحايا في بنغازي وحدها ما يفوق 13600 قتيل أغلبهم من الشباب .

ولعل أبرز سؤال يطرح هنا بعد كل هذه النسب من الضحايا والعوامل المشجعة والمساعدة على التحول للعمل المسلح والاستمرار فيه هل يمكن للشباب أن يكون لهم دور في المصالحة ؟؟

وأعتقد أن الإجابة نعم إذا تحققت شروط معينة ، فتجربتي الشخصية في اللقاء بشباب من أطياف مختلفة تخبرني أن الشباب (خاصة أولئك الذين لم يدخلوا ميادين القتال ) لهم قابلية أكبر للتحدث بصراحة أكبر عن موقفهم من الطرف الآخر وعن أسباب النزاع وهم في ذلك أيضا أكثر شفافية لأن معادلات الحكم والسلطة والمناصب عادة ما تقع خارج حساباتهم مضافا الى ذلك الشعور العام لدى مختلف الشباب بأنهم مستغلون من قبل بعض الرموز والكيانات والأشخاص وان اختلف تعبيرهم وتحديدهم لهؤلاء .

لقد كنت شاهدا على أكثر من محاولة لجمع الشباب وكسر الجليد بينهم وأعتقد أن الاستمرار في محاولة جمع الشباب في مناشط مختلفة رياضية وحوارية والتشجيع على تمثيل أنفسهم من خلال مؤسسات مدنية حتى في الأوساط القبلية سيكون له دور كبير في تحقيق المصالحة والسلم إذ أن الخطاب الذي يمكن أن يتبناه هؤلاء الشباب سواء كانوا فرادى أو عن طريق مؤسسات سيلعب دورا كبيرا في تخفيف حدة الصراع.

وحسب ما أرى فإن السير في هذا المسار ضروري ومهم جدا ولا يجب أن ينفصل عن المسار السياسي أو المصالحات المحلية بل يجب أن يكون موازيا أو سابقا لها .

لا يجب أن ننسى هنا أن الوصول الى حالة السلم واستمرارها سيتطلب منا التفكير مسبقا في معالجة مسألة حالة الحرب التي يظل الشباب المقاتلون أو القريبون من منطقة الصراع عالقين فيها حتى بعد انتهاء الصراع والحديث هنا بالطبع عن الدعم النفسي وخطط الإدماج وهو ما يتطلب تكاملا في خطط التنمية الاقتصادية لليبيا بشكل يعتمد في أغلبه على الشباب وخاصة الشباب المقاتلين لأن عدم التفكير في طريقة مناسبة لإدماجهم في عملية التنمية والادماج من شأنه فيما بعد أن يتسبب في دخولهم الى عملية العرقلة والتدمير.

***

محمد صالح تنتوش ـ كاتب ليبي

_____________

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *