بقلم د. بلقاسم القاضي

المواطنة هي عضوية الفرد التامة والمسؤولة في الدولة، و ينتج عن هذه العضوية علاقات متبادلة بين الطرفين تسمي (الحقوق والواجبات).

أما أصل كلمة المواطنة يرجع من ناحية تاريخية إلى الحضارتين اليونانية والرومانية للدلالة على وضعية قانونية للفرد في أثينا و روما.

إلا أن معنى المواطنة تطور مع ظهور فكرة الأمة ذات السيادة وفكرة وجود حقوق أساسية للفرد.

مصطلحات مشتقة من المواطنة:

الوطنية: هي الشعور بالولاء للوطن والإخلاص له والاعتزاز به والدفاع عنه والافتخار به، وهي ظاهرة نفسية اجتماعية مركبة ترتكز على حب الوطن، أرضاً وأهلاً، والسعي إلى خدمة مصالحه و تشمل جميع النشاطات التي تساهم في تنمية حب الوطن والاعتزاز به .

الوطن  :هو المكان الذي ينتمي إليه الفرد من خلال انتمائه لجماعة هذا الوطن، واندماجه مع النسيج الاجتماعي والثقافي  لهذا البلد فينشأ بينهما نوعاً من التعلق والانتماء، والوطن بالنسبة للجماعة هي تلك القطعة من الكرة الأرضية التي تخصها دون غيرها بحيث يشعر أفراد الجماعة (المواطنين) بالانتماء إليها من خلال انتمائهم إلى الجماعة نفسها.

المواطن: هو إنسان ينتمي إلى دولة، يحمل جنسيتها، وتتم عملية تشكيل المواطن عبر جميع البيئات التي  يتفاعل معها الفرد وتؤثر فيه (الأسرةالمدرسة الجامعة المجتمع المدني بيئة العمل)، وتلعب التربية على المواطنة دوراً مهماً ليصبح مواطن بالفعل وليس بالقوة أو من خلال حصوله على الجنسية فقط .

تواجه الدولة الليبية أزمات كثيرة برزت بعد سقوط نظام القذافي أواخر سنة 2011 أخطرها (أزمة الهوية الوطنية) أي دمج المواطنين الليبيين جميعا في إطار موحد متجاوزين انتماءاتهم الجهوية والعقائدية والاثنية والقبلية والفكرية الضيقة.

هذه الأزمة تضعف انتماء المواطن إلى الوطن، وتؤدي بالتالي إلى تفتيت وضياع الهوية الوطنية، خاصة في ظل التركيبة القبلية للمجتمع الليبي ،حيث أن الدولة الليبية لازالت غير قادرة على ترسيخ مبدأ المواطنة كممارسة، وأن هذه المواطنة مفقودة إلى الآن في الدولة الليبية (دولة القبيلة) إن صح التعبير والتي أصبح فيها مبدأ ( الكل متساوون أمام القانون) مجرد شعارات فقط.

وقد أصبح اللجوء والانتماء إلى الهويات الفرعية المتعددة في ليبيا سواء القبلية أو الجهوية أو الفكرية أو الدينية وحتى العائلية هو الحل والهروب في بعض الأحيان، حيث تداخلت هذه الهويات مع الهوية الوطنية بل وأصبحت في بعض الأحيان تعلو فوق الهوية الوطنية، في حين أن دولة المواطنة يجب أن تكون قائمة على قيم إنسانية مجردة عن كل المرجعيات القبلية والعرقية أو الأيديولوجية.

فإذا لم تعالج أزمة الاستقرار السياسي وإقامة مؤسسات قوية وفعالة في الدولة الليبية فإن أزمة الهوية الوطنية ستزداد سوءاً وستكون عواقبها ونتائجها بدون أدنى شك مدمرة لمستقبل الدولة وللهوية الوطنية.

إذا أردنا بناء دولة مدنية حقيقية مستقرة، عندئذ يجب علينا من أجل ذلك أن ننجح في خلق هوية مُوحِّدة لكل الليبيين والتأكيد على القواسم المشتركة بيننا.

فالانتماء للوطن الذي نتحدث عنه هو الانتماء إلى هوية واضحة وثابتة وصالحة في كل زمان.

هوية مستقلة متميِّزة تهدف إلى خدمة الشعب الليبي وليبيا.

هوية ليس بها تعصب إلى قبيلة أو عرق أو مذهب أو أيديولوجية معينة أو تابعة إلى دولة أخرى.

هوية لا يمكن أن تأتي إلاَّ من الداخل ولا يمكن فرضها علينا من خلال التدخُّلات الخارجية.

وإنما هوية تنمو تلقائيا بداخلنا دون قيود أو شروط.

والحديث عن الهوية هنا هو الحديث عن الشخصية الوطنية.

ومن أجل تأكيد مبدأ المواطنة الكاملة الحقيقية لابد من إظهار كل الألوان والثقافات الليبية (العرب – الامازيغ – الطوارقالتبو وغيرهم).

الدولة الليبية لا تمثلها القومية العربية فقط لكي تبنى الدولة الوطنية التي تحتضن كل ثقافاتها على قدم المساواة، حيث أن التنوع الثقافي والعرقي لا يعيق الهوية وليس خروجا عن الشخصية الوطنية بقدر ما هو إثراء لهوية الدولة الوطنية ، ويتم ذلك من خلال إقرار سياسات التعددية الثقافية، وضمان المشاركة الفعلية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للجماعات المختلفة. المواطنة الحقيقية هي الضمانة الوحيدة لعدم فشل الدولة او انهيارها.

أن بناء دولة مستقرة مرهون بخلق هوية موحدة لكل الليبيين.

***

د. بلقاسم القاضي ـ استاذ الجغرافيا السياسية بكلية التربيةبني وليد

_____________

مواد ذات علاقة