منى الشاذلي
ملخص:
أصبح دعم الطاقة عبئًا كبيرًا على المالية العامة في ليبيا. وقد أدى انتشاره إلى تفشي الفساد والتهريب وتحويل الموارد عن الخدمات العامة الأساسية.
تُحدد هذه الورقة البحثية العوائق الرئيسية أمام الإصلاح، بما في ذلك معارضة جماعات المصالح الخاصة، والقلق العام بشأن التضخم وتراجع مستوى الرفاه.
ولمواجهة هذه التحديات، تقترح خطة إصلاح استراتيجية، تُركز على نهج تدريجي، وخطة تواصل شاملة، وتدابير حماية اجتماعية للتخفيف من الآثار السلبية لإلغاء الدعم.
ومن خلال اتخاذ هذه الخطوات، يُمكن لليبيا الانتقال إلى إطار عمل أكثر استدامة يدعم استقرار الاقتصاد الكلي.
أولا: يُعد دعم الطاقة في ليبيا سخيًا للغاية وغير مُوجّه بشكل جيد
نظرًا لثروة ليبيا النفطية الهائلة، دأبت الحكومات على تقديم دعم الوقود كشكل من أشكال إعادة التوزيع، مما يسمح للمواطنين بالاستفادة من الموارد الطبيعية الغنية للبلاد. ومع ذلك، لم تتغير أسعار الوقود منذ سبعينيات القرن الماضي، مما يجعل سعر البنزين في ليبيا حاليًا هو الأدنى عالميًا.
ورغم أن الدعم مُصمم لحماية المواطنين، إلا أنه عادةً ما يكون تنازليًا، ويفيد في المقام الأول الشرائح الأكثر ثراءً من السكان. وقد كان دعم الوقود في ليبيا مكلفًا، وأدى إلى فساد وتهريب واسع النطاق، مما أدى فعليًا إلى نقل فوائد الدعم إلى جماعات المصالح الخاصة والدول المجاورة.
ثانيا: يأتي هذا الدعم على حساب توافر وجودة السلع العامة
يستنزف الدعم موارد الحكومة، مما يُحول الأموال عن البنية التحتية والخدمات العامة، ومما يُعيق التنمية الاقتصادية على المدى الطويل. وهذا أمر بالغ الأهمية في ليبيا، نظرًا لأن الإنفاق التنموي على التعليم والصحة معًا يُمثل أقل من 1% من إجمالي الإنفاق، بينما يُشكل الدعم وحده أكثر من ثلث إجمالي الميزانية.
علاوة على ذلك، من خلال خفض تكلفة الوقود الأحفوري، يجعل دعم الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة أكثر جاذبية، مما يُثبط التنويع في استثمارات القطاع الخاص غير النفطية المحتملة، ويقمع النمو المستدام طويل الأجل.
ثالثا: شكّل دعم الطاقة المباشر ثلث الإيرادات و20% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 (مُعدّل ليشمل مبادلة النفط الخام).
على الرغم من أن ليبيا دولة غنية بالنفط، إلا أنها تستورد معظم احتياجاتها من الوقود نظرًا لمحدودية طاقة مصافيها المحلية وعدم قدرتها على تلبية الطلب المحلي. وقد قفزت واردات الوقود من متوسط 3 مليارات دولار أمريكي في الفترة 2016-2019 إلى 9 مليارات دولار أمريكي في عام 2024، وفقًا لديوان المحاسبة الليبي. ويعتمد توليد الطاقة في ليبيا على الغاز الطبيعي والديزل والنفط الخام المدعوم بشكل كبير.
وتدعم الحكومة قطاع الكهرباء بطريقتين:
- المساعدة المالية المباشرة لتغطية خسائر القطاع (بسبب ارتفاع تكلفة إنتاج الكهرباء مقارنةً بتعريفة الكهرباء)
- وتوفير الوقود المدعوم لتوليد الكهرباء.
وبإضافة تكلفة النفط الخام المكرر محلياً والغاز الطبيعي المستخدم في توليد الكهرباء، والمقدرة بنحو 3.9 مليار دولار و 4 مليارات دولار إضافية على التوالي، فإن إجمالي فاتورة دعم الطاقة تصل إلى 17 مليار دولار في عام 2024.
رابعا: تزامنت الزيادة الكبيرة في الواردات مع اعتماد اتفاقية مبادلة النفط الخام
قبل عام ٢٠٢١، خصصت الحكومة ميزانية لواردات الوقود، والتي كانت تُوزّع على المؤسسة الوطنية للنفط عبر مصرف ليبيا المركزي. وفي أواخر عام ٢٠٢١، بدأت المؤسسة الوطنية للنفط بتطبيق نظام مبادلة النفط الخام، والذي يُقايض النفط الخام بالوقود المُكرّر لتعويض النقص في مخصصات الميزانية.
ومنذ ذلك الحين، ارتفعت الكميات المستوردة من منتجات الوقود بنسبة 50٪. ويُشكّل البنزين والديزل الجزء الأكبر من استهلاك الوقود، حيث صارت الواردات حاليًا حوالي 90٪ و70٪ من إجمالي الاستهلاك، على التوالي.
وبموجب هذا النظام، تُحدّد واردات الوقود بناءً على المتطلبات المُعلنة لشركات توزيع الوقود والمؤسسات الحكومية (شركات الكهرباء والإسمنت)، والتي عادةً ما تُبالغ فيها، بحجة زيادة الطلب من شركة الكهرباء ومحطات الوقود.
خامسا: كما ازداد دعم الكهرباء بشكل كبير
تُعدّ تعريفة الكهرباء في ليبيا من بين أدنى التعريفات عالميًا، حيث تبلغ 0.008 دولار أمريكي للكيلوواط/ساعة، وهي أقل بكثير من تكلفة الإنتاج ومتوسط الأسعار العالمية.
وفي عام 2023، استُخدم في توليد الكهرباء 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي و5 ملايين برميل من النفط الخام بتكلفة 4.4 مليار دولار أمريكي. ووفقًا للشركة العامة للكهرباء، زادت سعة التوليد بنحو 40% بين عامي 2020 و2024، مما تطلب المزيد من الديزل والغاز الطبيعي.
ويُعدّ استهلاك الفرد من الكهرباء في ليبيا بالفعل من أعلى المعدلات في المنطقة، وبالنظر إلى أن ليبيا دولة ذات نمو سكاني متواضع ونشاط صناعي محدود، فليس من الواضح كيف يُمكن أن يزداد الاستهلاك بهذه الوتيرة.
سادسا: تُشجّع الأسعار المنخفضة للغاية على التهريب عبر الحدود.
يُرجّح أن الزيادة الحادة في الكميات “المستهلكَة” من البنزين والديزل تُعزَى إلى تزايد التهريب إلى الدول المجاورة، نظرًا للفارق الكبير في الأسعار. وتُقدّر السلطات أن ما يصل إلى 30% من الوقود المستورد يُهرَّب إلى الخارج وشبكات التوزيع هي المصدر المشتبه به لهذا للتهريب.
يؤدي غياب الرقابة القوية على نظام التوزيع إلى تحويل الديزل والبنزين المخصّص من شبكة التوزيع الرسمية إما إلى السوق السوداء داخل ليبيا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة.
…
يتبع
______________
