أحمد التومي

مع انتهاء كل صراع مسلح في ليبيا ومع هدوء الأوضاع العسكرية في البلد، تطفو على السطح بين الفينة والأخرى الندوات والحوارات والمؤتمرات الداعية إلى المصالحة الوطنية، والتي يحاول الشباب المدني من خلالها إيصال صوت الشاب المتعلم المُطالب بالسلام والمستهجن للحروب، وبينما تعقد هذه المؤتمرات والندوات وغيرها، والتي يثمن الليبيون دورها في إرساء السلام ونشر ثقافة الحوار، فإن صوت الشباب المقاتل من كافة الأطراف غائب عن المشهد.

هناك العديد من الخطوات من المهم اتباعها وفقاً لترتيب معين وصحيح من أجل ضمان أن تكون المصالحة الوطنية شاملة، إضافة لتحقيق المرجو منها وهو إعادة النسيج الاجتماعي، الذي مُزّق بفعل الحرب الأخيرة في العاصمة الليبية طرابلس وما حولها من مدن، وأدى إلى إعادة ارتفاع النعرة القبلية في ليبيا والمطالبات بالتقسيم خصوصاً من سكان إقليمي برقة وطرابلس.

ضرورة مشاركة المهجرّين والنازحين من مختلف المدن لضمان نجاح عملية المصالحة

المهجرون والنازحون هم أكثر من دفع فاتورة الصراع السياسي والعسكري في البلد بين مختلف الأطراف، فمنهم من فقد بيته ورزقه ومأواه، ورغم ذلك فإن صوتهم مازال يعتبر ضعيفاً سواء في ملتقيات الحوار التي عقدت في مختلف الدول على مدار الست سنوات الأخيرة أو حتى في الجانب الاجتماعي، لذلك فإن إشراكهم في عملية المصالحة وإرجاع حقوقهم وتعويضهم هو واحد من أساسيات عملية المصالحة الشاملة في البلد وبدونهم ستستمر فجوة الصراع!

مشاركة الشباب المقاتل على الأرض من مختلف الأطراف

مشاركة الشباب الذي شارك في معارك القتال في مختلف الحروب مهم جداً، وخصوصاً المتطوعين منهم والذين لا يتبعون لجهات عسكرية أو أمنية بشكل رسمي، فهم في الواقع من يمثلون الأرض وهم من يقومون بالنزاعات المسلحة، وصوتهم ورأيهم مهم جداً في إنهاء الصراع المسلح والانتقال التدريجي للحوار السياسي والمصالحة المدنية.

مشاركة المكونات القبلية في المصالحة الوطنية

علينا أن نعترف ونقر بأن القبيلة والعرف الاجتماعي هو الحاكم في ليبيا بشكل كبير جداً في مختلف القضايا السياسية والجنائية وغيرها من الأمور الأخرى، ونسبة كبيرة جداً من المشاكل والجرائم التي عجز القضاء عن حلّها بشكل يرضي الطرفين، استطاعت القبائل حلّها وإنهاءها وإعادة الأمور إلى مجاريها من خلالها، لذلك دور القبيلة في العملية السياسية مهم جداً، حتى لو حاولنا الابتعاد عن الجانب القبلي والإنكار، إلا أنه موجود على الأرض فعلياً.

مشاركة الشباب المدني والنخب السياسية

أخيراً وليس آخراً يأتي دور النخب السياسية والنشطاء المدنيين في موضوع مد يد العون في عملية المصالحة، وهم موجودون على الأرض فعلاً وكذلك هم المنظمون والفاعلون ويمثلون النخبة المثقفة والأكثر تعلماً في البلد .

تعقيب أخير:

لا يمكن أن ينشأ في ليبيا حوار مصالحة وطنية شاملة بدون وجود كافة الأطراف في الموضوع، وقبيل جمع هذه الأطراف يجب عليها هي كذلك إبداء حُسن النية وتغليب مصلحة الوطن فوق مصلحة المدن، مع مراعاة المحاسبة لكل المتورطين في الدماء وصناعة الحروب ورد المظالم وضمان حق المهجرين والنازحين.

**********

أوجه التحالف الممكنة بين فبراير وسبتمبر في انتخابات ليبيا المقبلة

عبدالعزيز الغناي

إن الاختلافات بين فبراير وسبتمبر عميقة ومتغلغلة في ليبيا، ولا تبدأ بكون فبراير نهاية الشتاء، وسبتمبر نهاية الصيف، كما لا تنتهي بكونهما تيارين سياسيين متحاربين في ليبيا بينهما ما صنع الحداد.

ولادة تيار الكرامة من رحم فبراير شرعياً ولأيدولوجية سبتمبرية خلط الأوراق وقسَّم البلاد المنقسمة من الأساس لدرجة التشظِّي، فليبيا كما أسلفنا بها تيار فبراير المنقسم بدوره، وتيار سبتمبر كذلك، كما يوجد تيار الكرامة السياسي، وتيار الملكية الضعيف جداً من رأيي، وتيار الانفصاليين الذي بدأ يتموضع ولو بمستوى أقل على الساحة.

ومن الواضح أن ليبيا مقبلة على انتخابات برلمانية ورئاسية في الرابع والعشرين من ديسمبر/كانون أول المقبل، وهذا ما سيجعلنا نفكر أنه ليس من السهل الوصول إلى كرسي الحكم دون عقد تحالفات، فلدينا حفتر المحسوب على الكرامة، أو سيف القذافي المحسوب على سبتمبر، أو باشاغا ونوري بوسهمين المحسوبان على فبراير، جميعهم قد يدخلون غمار المنافسة على كرسي الحكم في ليبيا.

وبالنظر إلى الخريطة الليبية وحجم الكتل البشرية والتوزيع الجغرافي والتعقيد القبلي والسكاني والفكري والجهوي والإقليمي والأيديولوجي، فإنه ما من مرشح واضح يقف على أرضية صلبة بشكل ثابت، بل إن كل المرشحين بحاجة لعقد تحالفات وصفقات مع تيارات أخرى؛ أولاً لتعزيز الحظوظ للوصول إلى رئاسة الدولة، وثانياً لمحاولة الحصول على كتلة من النواب، بالإمكان المراهنة عليها في البرلمان المقبل الذي له صلاحيات قد تعرقل عمل الرئيس مستقبلاً.

التحالفات بين صقور فبرايروالكرامة

في ملتقى الحوار الليبي الوطني، الذي انعقد في جنيف واختار السلطة التنفيذية الحالية، ظهرت نواة التحالف حقيقة، فتشكيلة الملتقى بُنيت على عدة أساسات؛ مثل القوى الفاعلة على الأرض وممثلي كل تيار وممثلي كل جسم منتخب وممثلين عن النظام السابق والعرقيات والمكونات الثقافية والشبابية والنساء.

لكن كل هذا التنوع كان مجبراً على الاصطفاف مثلاً بين انتخاب مباشر أو غير مباشر للرئيس، أو بين اختيار قائمة باشاغا أو الدبيبة، كما جرى في فبراير/شباط الماضي.

هنا وباختصار، انصهرت الخلافات والتباينات السياسية، وأصبح لابد من الانصهار وعقد الصفقات والاصطفاف حيثما تكون المصالح.

ما حدث هو أن قائمة المنفي قد واجهت شخصَي عقيلة وباشاغا وحدهما؛ إذ تحالف ضد الأخيرين كل من الكرامة وصقور فبراير وأصحاب المصالح مع الوضع الحالي والمطالبين بتمديد الأجسام التشريعية المتهالكة، وهنا ظهرت النتيجة وانتصر المنفي المغمور مقارنة بعقيلة وجويلي وباشاغا؛

تلك الأسماء الرنانة التي لا شك أن كل الليبيين يعرفونها، وهذا فتح الباب على مصراعيه لأول مرة وبشكل مباشر لإلغاء الثوابت بين الأطراف المتنازعة والتعاون تحت الطاولة بغرض النجاح أو بين قوسين لغرض استبعاد نهج باشاغا وشبحه الذي يراودهم حول الإصلاح ومكافحة الفساد.

التحالف بين فبراير وسبتمبر

مع التأسيس لمبدأ إجراء الانتخابات وإيمان الشعب الليبي أنها مهمةرغم العزوف ونسب المشاركة المتدنيةهي من أوصلت شخصيات مثل زياد دغيم أو خالد المشري ليكون حاكماً لليبيين.

بدأ تيار سبتمبر من المعتدلين الذين يختلفون مع فبراير فقط في آلية الحكم وينبذون العنف، يستعدون للعودة للمشهد السياسي والمشاركة في الانتخابات، خاصة وتكوين كتلة برلمانية تكون بالنسبة لهم قُبلة العودة إلى الحياة ويعززون بها تواجدهم في المشهد لتقوى شوكتهم.

انقسام الخضر (السبتمبريين) ليس بالأمر البسيط فهم مقسَّمون إلى فئة ما زالت تبحث عن الثأر وعودة نظام الجماهيرية للحكم، وأخرى تريد المشاركة في بناء ليبيا وفق ثوابتها العامة، وأخرى لا تفكر إلا بالحل العسكري، وهذا ما برز مؤخراً من تحالف البعض والمشاركة في العدوان على طرابلس الذي هُزم، فقلَّ أمل وتأثير متخذي هذا الخيار على الفئات الشعبية السبتمبرية.

لماذا يتحالفان؟

وكما أن حاجة سبتمبر للتحالف مع فبراير مهمة وأساسية فالعكس الصحيح؛ لأن هذين التيارين هما الأقوى تأثيراً في الشارع.

ولعل حكومة السراج قد أسست لهذا التحالف رغم ما شابَهُ من إشكاليات، لكنها كانت أقرب الحكومات للخضر المعتدلين حتى أوصلتهم لمستوى المستشارين، ناهيك عن إنهاء عدد من الأحكام القضائية لبعض المسجونين والذين تم الإفراج عنهم بشكل فعلي، والسعي إلى عودة كثير من المهجرين دون قيود أو شروط أو ابتزاز.

في تصوري، ومن خلال قراءة المشهد، أرى أنه يمكن عقد تحالفين بين فبراير وسبتمبر؛ أولهما بقيادة باشاغا مع معتدلي سبتمبر الذين يرون في باشاغا رجلاً بإمكانه محاربة المليشيات التي حجمت دورهم، وبالإمكان عقد الاتفاق معه على ثوابت واتفاقات لن ينكص عنها، خاصة تجربته معهم حينما كان وزيراً للداخلية وقيامه بإرجاع عدد من ضباط الداخلية إلى سابق عملهم وتحجيم ومحاربة الأجهزة الموازية التي كانت تعمل تحت غطاء حكومي بإدارة مليشياوية تبتز الدولة والمسؤولين وتتحرش بالسلطة التنفيذية.

كما أن سبتمبر ترى عن طريق بعض رموزها أن باشاغا، ومن يدور في فلكه، قد يكون الأقرب لتحقيق التوازن بين طرابلس وبرقة وفزان، وبإمكانه إدارة الدولة ليضع القطار على السكة لتهيئة الأرضية لمصالحة شاملة ثم الانطلاق نحو دولة مستقرة.

تحالف آخر.. ماعلاقة مصر؟

تحالف آخر قد يبرز إلى السطح، وهو تحالف نوري أبو سهمين، رئيس المؤتمر الوطني العام السابق (البرلمان الليبي 2012- 2014) المرشح لرئاسة الدولة مع الخضر، أي بين قوسين حزب الجبهة والمال وصقور فبراير مع سبتمبر، وربما هنا تحديداً سبتمبر مصرالمتواجدون في المعسكر المصري أو صقور سبتمبر، وقد ينشأ هذا التحالف على أساس القضاء على الآخرين أو لتشتيت الأصوات أو استمرار المرحلة الانتقالية أعواماً وأعواماً، واستمرار الفراغ الإداري والحكومي والرقابي على أموال الليبيين مقابل وصول الصقور من الجهتين للحكم وإقصاء المنافسين.

هذا التحالف قد يُبنى على أرضية اتفاقات لقاء داكار بين صقور فبراير وسبتمبر الذي عقد في السنغال مايو/آيار 2018 بين أقصى المتطرفين هنا وهناك، لكن ما يعيب هذا التحالف هو ضعف مظلته الشعبية والاجتماعية، فالمنتفعون في كل طرف لا يأبهون بالحال المزري الذي وصل إليه مناصروهم من الشعب على الأرض من قلةٍ في الخدمات وشح في السيولة وتردٍ في مستوى المعيشة.

لكن الأيام علمتنا أنه، ومع صعوبة تطبيق هذا التحالف، فإنه من ليبيا يأتي الجديد دائماً، وقد يتحالف المتحالفون بلا هدف، فقط لإقصاء الآخرين، والمثال على ذلك مؤخراً قائمة المنفي الفائزة بالسلطة التشريعية، التي تتقاذفها الأمواج بين الداعمين هنا وهناك وارتداداتها تنعكس سلباً على المواطن، سوءاً في الإدارة وتشابكاً في الاختصاصات وهروباً لميدان الشهداء لمشاهدة حمائم السلام بدلاً من مواجهة التمرد.

_____________

مواد ذات علاقة