عبدالله الكبير

 التأجيل لأكثر من مرة إعلان نتائج اجتماعات لجنة 6+6 في بوزنيقة بالمغرب، بشأن قوانين الانتخابات، ثم عقد المؤتمر الصحفي في ساعة متأخرة من يوم الثلاثاء، يؤكد مجددا أن الانتخابات عبر هذا المسار لن تنجز.

فالمؤتمر الصحفي لم يحضره عقيلة صالح وخالد المشري رغم وجودهما بالمغرب، واستمرار تفاوضهما حول بعض الشروط الخاصة بالترشح للانتخابات الرئاسية، بوساطة من الدبلوماسية المغربية التوسط للتوصل إلى حلول وسط، وانقاذ المفاوضات من الانهيار.

ولكن المفاوضات باءت بالفشل، ولم يعد التأجيل مجديا، لتمسك كل طرف بموقفه، لذلك خرجت اللجنة في المؤتمر الصحفي بحضور وزير الخارجية المغربي، وكانت مظاهر الارتباك والحرج واضحة على وجوه الحاضرين، وانعكست بشكل مباشر في توجيه رئيسي اللجنتين الشكر للمملكة العربية السعودية والمملكة الليبية، وهما يقصدان المملكة المغربية بالطبع، وفي كلمته الافتتاحية قال وزير الخارجية المغربي إن توقيع القوانين الانتخابية رسميا سيكون خلال الأيام القليلة القادمة“. 

 لا توقيع على الاتفاق من رئيسي المجلسين، ولا مباركة من البعثة الأممية في ليبيا، ولا ترحيب من أي دولة فاعلة في المشهد الليبي، يعني عدم الرضا على المخرجات التي يتفق أغلب المتابعين والمراقبين، بل وحتى أعضاء في مجلسي النواب والدولة، على عدم واقعيتها، واستحالة تنفيذها، فضلا عن الألغام المزروعة بين طياتها، والتي ستنفجر مهددة ببعث الحرب من مرقدها مرة أخرى

 وصل عقيلة صالح رئيس مجلس النواب إلى المغرب، يصحبه أحد ابناء خليفة حفتر.

لم يعد عقيلة يتحرك خارج رقابة صارمة مفروضة عليه من عائلة حفتر، وقد جرت محاولة لاسقاطه من رئاسة مجلس النواب، عقب الاطاحة برئيس الحكومة الموازية فتحي باشاغا، ولكن بعض الأطراف الإقليمية والدولية حالت دون ذلك.

ولأن الخلاف في شروط الانتخابات الرئاسية، يدور حول حملة الجنسية الأجنبية، وتمسك عقيلة بإزالة أي عوائق تحول دون ترشح خليفة حفتر، وكان آخر ما اقترحه صالح ووافق عليه المشري، هو السماح لمزدوجي الجنسية بخوض غمار الجولة الأولى من المنافسة، على أن يتخلى من ينتقل إلى الجولة الثانية عن الجنسية الأخرى.

ولكن صالح، بناء على تعليمات ابن حفتر كما تقول بعض التسريبات، طالب بتعديل هذا الشرط إلى التخلي عن الجنسية الأخرى في حالة الفوز بمنصب الرئاسة، ورفض المشري الذي لم يكن أمامه غير خيار الرفض، لأن القبول سيضعه في صدام مباشر، مع الأطراف المتمسكة بمنع العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح.

وبذلك فشلت مباحثات بوزنيقة، وإن لم يسدل عليها الستار تماما، فوزير الخارجية المغربي يتوقع استئناف المفاوضات ثم التوقيع، ولكن الوصول إلى أي تفاهمات يمكن أن تؤدي إلى انتخابات بعيد المنال.

وإزاء هذا الفشل المتكرر، تبدو أمام باتيلي فرصة سانحة، لسحب ملف قوانين الانتخابات من مجلسي النواب والدولة، والشروع في تنفيذ مبادرته، بتشكيل اللجنة رفيعة المستوي، تضم كل أو غالبية الأطراف السياسية والعسكرية والاجتماعية، عسى أن تدرك الشخصيات الوطنية في هذه اللجنة، إن قدر لها أن تلتئم، أن المرحلة لا تحتمل سوى إجراء الانتخابات التشريعية، وتأجيل الرئاسية إلى مابعد توافق مكونات الشعب على دستور دائم للبلاد.

.

.

*************

ليبيا عود على بدء

جمانة فرحات

تحوّلت الأزمة الليبية إلى مشهد مكرّر ومملّ لكثرة ما تُعاد الأحداث مع تغييرات في بعض التفاصيل، لكن النتيجة واحدة، أنه لا يمكن توقّع أي اتفاق على إجراء الانتخابات بشقّيها الرئاسي أو البرلماني.

وكلما لاحت ملامح اتفاق، عاد الوضع إلى الوراء خطواتٍ لا خطوة.

تتبدّل أسماء عديدة تتناوب المناصب منذ ما بعد انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 2011، لكن المناورات نفسها لم تتغيّر.

يبدو وكأن هناك اتفاقا ضمنيا بين الأطياف الليبية على عدم الرغبة بإجراء الانتخابات.

بقاء الوضع الحالي بما ينطوي عليه من فوضى سياسية وعسكرية وتفلت للمليشيات هو الأنسب للجميع. ولذلك ليس ما جرى أخيرا في بوزنيقة المغربية استثناء بل هو المعتاد في الحالة الليبية.

يمكن للجنة 6 + 6 أن تقول ما تشاء عن التوافق على قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لكن مخرجاتها التي لم تصل إلى أن تُعلن أو يتم التوقيع عليها ستبقى مجرّد حبر على ورق ما دامت الإرادة السياسية لتطبيقها غائبة أو متعثرة.

فجميع القوى الفاعلة في المشهد الليبي تحرص على إغداق العبارات عن الرغبة في التوافق، ولكن هوة واسعة بين الأقوال والأفعال، بما في ذلك الصادرة عن رئيس مجلس النواب عقلية صالح والمجلس الأعلى للدولة خالد المشري، اللذين عطّلا الاتفاق الأخير.

وليست هذه الهوة مدعاة للاستغراب، بل تكاد تكون مفهومة تماماً في الحالة الليبية، إذا ما جرى التعاطي معها بعيداً عن الأوهام والشعارات.

بلد مثل ليبيا، بمقدّراته النفطية والاقتصادية، يوفّر فيه الاستقرار الأمني والمسار الديمقراطي الذي يضمن عملية انتقالية سياسية إحداث نقلة نوعية في البلد على الصعيدين السياسي والتنموي.

لكن البلاد تسير منذ إطاحة نظام القذافي في مسار معاكس لهذا الاتجاه، وتبتعد عنه أكثر فأكثر.

تعاني البلاد من الانقسامات السياسية والعسكرية، إذ تسعى القوى المتنافسة للظفر بأكبر قدر من النفوذ وفرض سيطرتها على المؤسّسات الحكومية والثروات النفطية.

والنتيجة إعاقة التوافق بما في ذلك على إجراء الانتخابات، لأنها لا تصبّ في صالحها.

وإذا كانت خلافات المؤسّسات ومن يقودها غير كافية، فإن لديها ما تستند إليه من مليشيات موزّعة بطول البلاد وعرضها، ما يجعل من السهل التذرّع بصعوبة تنظيم انتخابات أو تأمينها في مناطق متعدّدة.

ولعل المحفز الأكبر لهذه الانقسامات والتباينات غياب الثقة بين الأطراف السياسية والعسكرية المتنافسة. ولا تحضر فقط الشكوك والمخاوف بشأن نزاهة العملية الانتخابية وتأثير الفساد على أي استحقاق، بل يتعاطى كل طرفٍ مع الطرف الآخر على قاعدة أنه يُضمر كل الشرور له، وأن خلف كل تحرّك مناورة في العلن أو الخفاء لإقصائه.

وبطبيعة الحال، يمكن أن تُضاف إلى ذلك كله التدخلات الخارجية في الأزمة الليبية، ما يساهم في تعقيد أي حلول، ويؤخّر التوصّل إلى تسوية أو اتفاق يدعم إجراء الاستحقاق الانتخابي.

وإذا ما تم حصر متطلبات إجراء أي انتخاباتٍ وتطبيقها على الوضع الليبي يمكن تخيّل كم يصعب تحقيق ذلك حالياً، فلا يزال التوافق السياسي على القواعد الأساسية للانتخابات معطّلاً، وما جرى في بوزنيقة المغربية خير دليل على ذلك. كما أنه من غير الممكن ضمان الاستقرار والأمن وتطبيق القانون بشكل فعال لضمان سلامة العملية الانتخابية وحرية المشاركة.

أما ذهاب بعضهم للتلويح بفرض خيارات ووجود دور أممي لتحقيق ذلك، فليس أكثر من نكتة سمجة، حتى الأمم المتحدّة لا تصدقها.

ومهما بلغت تحذيرات مبعوثها عبد الله باتيلي، فإن الأمم المتحدة تدرك جيداً أنه لا يمكن فرض أي خطوة في ليبيا، إذ وحدَه التوافق، مهما تأخّر أو تعرقل، يشكل ضمان تنفيذ أي تفاهم، وإلا فالسيناريو الآخر سيكون الاقتتال.

***

جمانة فرحات ـ صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في العربي الجديد“. عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.

______________

مواد ذات علاقة