نسرين سليمان

مرةً أخرى تعود الأنظار إلى الممثلة السابقة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني ويليامز، التي أشرفت على مرحلة مهمة من مراحل الانتقال إلى حل سياسي يجمع القادة الليبيين على طاولة واحدة وإن فشل حيث نتج عنه اختيار حكومة بإجماع القادة.

وليامز التي التقت بالقادة الليبيين مراراً وتكراراً قررت أن تدلي الستار مؤخراً على جملة من الانتقادات والحقائق التي حالت دون وصول ليبيا للاستقرار المنشود متهمة أطرافاً بعينها في المنطقة الشرقية والغربية بتحمل المسؤولية الكاملة.

وفي مقال نشره مركز أبحاث «بروكينغز»، قالت وليامز إن أبناء حفتر يتنافسون على خلافة والدهم، في حين يستمر والدهم في التودد إلى مجموعة من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين والمخابرات الدوليين.

وأضافت المبعوثة الأممية السابقة أن هناك إجماعاً على أن الوريث العسكري لحفتر، هو نجله صدام، الذي تمت ترقيته مؤخراً إلى رتبة جنرال بنجمتين مع شقيقه خالد، استعداداً للسيطرة على «القوات المسلحة»، وفق قولها.

ونقلت وليامز عن تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المنشور في أيلول/ سبتمبر 2023، أن عائلة حفتر سيطرت على معظم الحياة الاجتماعية والاقتصادية في شرق ليبيا، مشيرة إلى أن هناك أيضاً مؤشرات على أن صدام متورط بشكل متزايد في أنشطة تهريب البشر، حسب قولها.

كما أشارت وليامز إلى أن رحيل حفتر الأب قد يسبب بعض الاضطرابات في شرق ليبيا، إلا أن انتقال المناصب إلى الجيل القادم يمكن أن يكون سلساً نسبياً، حيث إن حفتر كان عنيفاً في قمع المعارضة وحتى استباقها، كما حصل مؤخراً مع المهدي البرغثي، بحسب وصفها.

ولفتت وليامز إلى أن لمصر مصلحة راسخة في ضمان استمرارية قوات حفتر وسيطرتها في شرق ليبيا، وهي المنطقة التي تعتبرها عمقها الإستراتيجي، بحسب وليامز.

وعن المنطقة الغربية، قالت وليامز إن الجماعات المسلحة في طرابلس تميز نفسها من خلال افتراسها لما تبقى من مؤسسات البلاد، ومن خلال مراسيم رئاسية غير مدروسة، اكتسبوا سلطات الاعتقال والمراقبة والاحتجاز التي يستخدمونها بشكل روتيني لإكراه وسجن مواطنيهم ومنع المساءلة.

ولفتت وليامز إلى ما حصل بين قوة الردع واللواء 444 والذي خلف أضراراً بشرية ومادية، مشيرة إلى أن مثل هذه الحروب على النفوذ شائعة خلال فترة عملي مع الأمم المتحدة في ليبيا بين عامي 2018 و2022. وأضافت وليامز أنه في كثير من الحالات تحصل هذه الجماعات على الرواتب من الدولة، بينما تحصل أيضاً على الأموال من خلال أي عدد من الأنشطة غير المشروعة، بما في ذلك أعمال تهريب المهاجرين، مع كل ما يصاحبها من أهوال، حسب وصفها.

وأبدت وليامز القلق بشكل خاص من قمع الحريات من قبل عناصر من قوات حفتر في الشرق والجماعات المسلحة في الغرب، مشيرة إلى أن هذا التراجع يعود إلى أيام معمر القذافي عندما مارس النظام سيطرة شبه كاملة على السكان إلى درجة أنه لم تكن هناك حرية تكوين الجمعيات، وأصبحت ممارسة إبلاغ الآخرين راسخة بعمق في المجتمع، وفق قولها.

وأشارت وليامز إلى أنه، ومع هذه النظرة القاتمة، يوجد بعض العزاء في حقيقة أن ليبيا منذ التوقيع على وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، لم تشهد استئنافاً لنوع العنف واسع النطاق الذي حدث في هجوم حفتر على الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس، حسب وصفها.

ولفتت وليامز إلى أن السلام الهش تم الحفاظ عليه أيضاً من خلال التفاهمات التي تم التوصل إليها بين روسيا وتركيا، اللتين توصلتا في منتصف عام 2020 إلى تسوية مؤقتة سمحت لقوات حفتر بالانسحاب إلى وسط البلاد ومرتزقة فاغنر بالانسحاب دون أن يصابوا بأذى من مناطق في غرب ليبيا.

وحذرت وليامز من أن أهداف روسيا بعد الوفاة المفاجئة لزعيم فاغنر يفغيني بريغوجين في آب/ أغسطس 2023، يمكن أن تعود تحت مسميات أخرى إلى طموحات أكثر توسعية بكثير، مثل البحث عن ترتيبات رسمية في الموانئ الشرقية لروسيا، طبرق أو رأس لانوف، مشيرة إلى أن شأن مثل هذه الصفقات أن تسمح لموسكو بتعزيز وجودها البحري في البحر الأبيض المتوسط وتزيد من تهديد أمن أوروبا، وفق قولها.

كما حذّرت وليامز من أن ترك الوضع الراهن للطبقة الحاكمة «المفترسة» والجماعات المسلحة المرتبطة بها، لا يبشر بالخير لزراع بذور الديمقراطية في ليبيا، لا سيما في ضوء هشاشة المجال العام، وغياب المؤسسات الخاضعة للمساءلة، وتفكك المؤسسات السياسية.

وأشارت وليامز إلى أنه يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في معالجة هذا الركود من خلال استخدام أدوات القوة الناعمة المنصوص عليها في برنامج ليبيا التابع لقانون الهشاشة العالمية، حسب قولها.

ونبهت وليامز إلى التركيز المهم على الجنوب المهمش، ومن خلال استخدام عقوبات «ماغنيتسكي» العالمية ضد الذين ينتهكون حقوق الإنسان، والمتورطين في الفساد، مضيفة أن عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج على نطاق واسع تنتظر تسوية سياسية شاملة، بحسب قولها.

وذكرت وليامز أنه ينبغي على الولايات المتحدة مع ذلك أن تستمر في دعم التدابير المتواضعة التي سبقت عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج والتي حددتها الأمم المتحدة واللجنة العسكرية المشتركة، بما في ذلك حماية المنشآت الحيوية، وفق قولها.

وبعد تركها لمنصبها لم يستطع وريثها السنغالي حتى الآن احتضان أي مبادرة أو إقناع القادة بها رغم الضغط الدولي المستمر لوضع حد للصراع في البلاد.

ولاقت مبادرة عبد الله باتيلي خليف وليامز الأخيرة انتقادات واسعة حينما حاول جمع القادة على طاولة خماسية فكل اعتبر وجود غيره غير جائز، حيث اعترض النواب على الحضور بسبب وجود حكومة الوحدة الوطنية وبسبب عدم دعوة حكومته، فيما وضع الدبيبة شروطاً للحضور أما مجلس الدولة فقد أثيرت خلافات واسعة بين صفوفه بعد اختيار الممثلين.

_________________

مواد ذات علاقة