السنوسي بسيكري

سلم رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد ادبيبة، حكومته للاعتماد من قبل مجلس النواب، والحكومة مشكلة من 27 وزارة، و6 وزراء دولة، بالإضافة إلى نائبين لرئيس الوزراء.

وكما أوضح بيان الحكومة، فإن معايير تحديد الوزارات وتسمية شاغليها تتضمن التنوع والكفاءة والتوزيع الجغرافي، واللامركزية، ومشاركة المرأة والشباب، والعدالة في إدارة الثروة.

وسبق هذا البيان مؤتمر صحفي لرئيس الحكومة حدد فيه الملفات الحيوية التي ستكون محور عمل حكومته وهي الأمن والاقتصاد والخدمات ومكافحة الفساد واللامركزية والمصالحة والتعاون الدولي والانتخابات.

الملاحظة الأولية أن الحكومة بالشكل الذي اقترحه السيد ادبيبة هي لفترة تتعدى الموعد المقرر لإجراء الانتخابات في كانون الأول (ديسمبر) المقبل حتى يتم اختيار الحكومة الجديدة بعد الانتخابات وتتم إجراءات التسليم.

النظري وإشكال الإسقاط العملي

الحقيقية أن نهج تحديد رؤية للحكومة وتأطير مهامها ووضع سياسات ومعايير لضبط آدائها هو خيار صائب وناجع، إلا أن التحدي يكمن في الالتزام بهذه المعايير وإسقاطها بشكل دقيق على الواقع، وهو ما نرى أنه لم يكن حاضرا في تركيبة الحكومة وتحديد الوزارات.

أولى ضوابط تحديد شكل الحكومة، والذي يمثل المهمة الأساسية والرئيسية والكبرى لها هو تهيئة المناخ والظروف لإجراء الانتخابات العامة في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، وهذا المستهدف الكبير يتطلب التركيز على ملفات أساسية هي الملف الأمني، والمصالحة الوطنية وتوابعها والتي من بينها معالجة أثر الحروب والنزاعات، وقد لا يكون مستهجنا في ظل ظروف التأزيم السياسي والاجتماعي أن يكون للمصالحة والعدالة الانتقالية وزارة، فقد تشعبت الوزارات الإنسانية وتنوعت وفق مقترح السيد ادبيبة دون أن يكون هناك تركيز واضح على هذا الملف.

أيضا اقترح الرئيس 6 وزراء دولة للشؤون السياسية والاقتصادية والإنسانية وليس من بينهم من يناط به مهمة كبيرة وخطيرة وهي الصلح والعدالة الانتقالية.

فيما يتعلق بملف الخدمات، فإن الواقع الخدمي المتردي جدا والمتفاقم منذ سنوات هو من التحدي بمكان بحيث يتطلب تركيزا مقرونا بكفاءة وفعالية عاليتين، ومنع التشتت والمبالغة في التنوع الذي تضيع في خضمه الغايات والأهداف الرئيسية.

وهذا يتطلب تقليل عدد الوزارات ودعمها بكل أشكال الدعم المعادي والمعنوي لتخرج البلاد والمجتمع من قاع التأزيم الخدمي. فهل يستقيم هذا مع القائمة الطويلة من وزارات الخدمات والتي بلغت 14 وزارة؟!

وفق محددات الوضع الخدمي المتردي والإطار الزمني المحدود فإن اقتراح ثلاث وزارات للتعليم الأساسي والعالي والتقني، ووزارة للموارد المائية، ووزارة الزراعة، ووزارة الثروة البحرية، ووزارة البيئة، ووزارة الصناعة هو مؤشر على ضياع البوصلة وتغليب معيار المحاصصة واسترضاء زيد وعبيدعلى حساب معيار الكفاءة الذي جعله رئيس الحكومة أول معايير ومحددات تشكيل حكومته، فالكفاءة مفهوم يتجاوز قدرات ومهارات المرشحين إلى آداء الحكومة برمتها.

من جهة أخرى، لنا أن نسأل ما هو المعيار في عدم تخصيص وزارة للكهرباء، فانقطاع الكهرباء هو أزمة الأزمات الخدمية، بينما تكون أزمة تراكم القمامة من شواغل رئيس الحكومة الرئيسية ليخصص لها وزارة بـ حالها، ولا يقول قائل بأن البيئة تعني أكثر من جمع القمامة، فنحن لسنا اليوم في ترف ورغد عيش ليكون لنا وزارة تخطط للمحافظة على البيئة بمفهومها الحداثي.

وزراء الدولة لماذا؟

أما بخصوص قائمة وزراء الدولة، فمن الواضح أن هناك خللا في تقدير أهمية مثل هذه المناصب في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، فمع الإقرار أن منصب وزير الدولة يجدي في أوضاع التعدد الإثني والعرقي وحتى الأيديولوجي والسياسي، إلا أن المرحلة التي تمر بها البلاد والمهام المناطة بالحكومة والإطار الزمني المحدود يتطلب حكومة مصغرة يتحقق فيها التجانس والتناغم بأقصى درجة بين أعضائها، باعتبار أن وزراء الدولة لهم حق الحضور والتصويت في اجتماعات مجلس الوزراء.

ثم إن الآداء المطلوب من وزير الدولة، كونه منصب سياسي أكثر منه تنفيذي، يتطلب التركيز على مهام تناسب الظرف السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي الذي تمر به البلاد، فما دلالة أن يكون هناك وزير لشؤون الحكومة وآخر لشؤون المرأة وثالث لشؤون الهجرة ولا يكون مثلهم لشؤون المصالحة وقد وصل الانقسام إلى عظم المجتمع ومزق نسيجه، أو لشؤون الاستثمار في الخارج ولديك ثروة طائلة مبعثرة حول أربع قارات وتواجه تحديات ومخاطر جمة؟!

تبعات إضافية

إن لمثل هذه القائمة الطويلة من الحقائب الوزارية تبعاتها واستحقاقاتها، فالمحاصصة المقيتة مهما توسعت لن ترضي الجميع، وسيظل الضغط الإثني والجهوي والمناطقي قابل للتوسع في ظل ذريعة التوزيع الجغرافي العادل، ولن تكفيه حكومة من مائة حقيبة وزارية.

يضاف إلى ذلك تبعات مالية وإدارية نحن في غنى عنها في هذه المرحلة العصيبة، فالفساد الذي جعله رئيس الحكومة أحد أهم أولويات حكومته سيكون أكثر تفشيا مع العدد الكبير من الوزارات، وإن لم يكن فسادا فهو هدر للمال العام لا مبرر له، والأولى توجيه الإنفاق إلى ملفات محددة تتطلبها الظروف الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة والمعلومة حتى لأقل الليبيين ثقافة ووعيا.

أين تقف القاهرة من مخرجات الحوار السياسي الليبي؟

دعم القاهرة للمشروع العسكري الانقلابي وعرابه المشير خليفة حفتر كان استراتيجيا وأسهم في تقوية المشروع وتمكينه من رقعة واسعة من الأرض وحشد الأنصار له داخليا وخارجيا. ونجحت القاهرة في اختراق المنظومة السياسية الليبية وجرها إلى خانة حفتر، ولم يقتصر هذا على البرلمان في طبرق، بل وصل التأثير المصري إلى طرابلس، حيث حكومة الوفاق.

وكانت الأمور تسير كما يشتهي النظام المصري ومن معه في المخطط الانقلابي من الحلفاء الإقليمين والدوليين، إلى أن تدخلت تركيا على خط الصراع ونجحت في ترجيح كفة القوات التابعة لحكومة الوفاق في صدها للعدوان على العاصمة.

من هناك، ومع التغير في الموقف الأمريكي، والذي كان ليس فقط مباركا للعدوان على العاصمة بل وشريكا فيه كما كشف التقرير الخاص الأخير للأمم المتحدة، والذي أظهر أن دوائر قريبة من الرئيس ترامب متورطة في دعم خليفة حفتر في عدوانه على طرابلس بمبلغ 80 مليون دولار ومرتزقة وأسلحة متطورة.

بداية التغيير في السياسة المصرية

فشل خطة السيطرة على العاصمة بالقوة جراء التدخل التركي، وتغير موقف البيت الأبيض بسبب ضغوط المؤسسات العسكرية والأمنية من وزارة دفاع ومجلس أمن قومي ومخابرات والتي أقلقها كثيرا تعاظم الدور الروسي في ليبيا، دفع القاهرة إلى التراجع عن موقفها الداعم بشكل مطلق لحفتر ومغامراته العسكرية، والاتجاه إلى المسار السياسي والرهان على الأدوات الدبلوماسية لتحقيق بعض ما فشلت في كسبه عبر الانقلاب.

إعلان القاهرة كانت بداية التغير العلني في السياسة المصرية، فقد استند مضمون الإعلان وطريقة إخراجه على تقديم عقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق، على حفتر، قائد الجيش التابع له، وفي ذلك إشارة إلى الاتجاه صوب الحوار والمفاوضات، ولقد أدى هذا التغيير إلى جفوة بين عقيلة وحفتر بعد أن كانا حليفين، ليصل الأمر إلى تصريح عقيلة صالح بأن العدوان على العاصمة كان خطأ وأنه يتجه إلى تصحيحه.

أيضا دفع التغيير في السياسة المصرية إلى تباعد في الرؤى بين القاهرة وأبوظبي حول الملف الليبي، ليس فقط على مستوى التصريحات، فالقاهرة خطت خطوات باتجاه التقارب مع حكومة الوفاق، وها هي أول عاصمة يتجه إليها قادة السلطة التنفيذية الجديدة المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي.

محور ارتكاز السياسة المصرية تجاه ليبيا

يمكن القول إن النظام المصري يجعل محور سياسته تجاه ليبيا اليوم إخراج تركيا من البلاد وذلك بعد أن تعاظم نفوذها إبان وبعد العدوان على طرابلس. فالقاهرة تدرك أن ورقة حفتر محروقة في ظل تمترس تركيا في ليبيا، كما أن الانتقال الإيجابي في البلاد سيجعل حظوظ تركيا الاقتصادية كبيرة وعلى حساب المصالح الاقتصادية المصرية، فشركات البناء التركية لا تنافسها حتى الشركات الأوروبية، والسلع التركية هي اليوم في الصدارة في السوق الليبي، لهذا ليس أمام القاهرة إلا الرهان على إخراج تركيا ليتحقق لها التوازن الذي يخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية.

سبيل القاهرة في مناكفة تركيا وإخراجها من ليبيا أو تحجيم نفوذها هناك هو عبر التماهي مع الموقف الأوروبي والأمريكي غير الراضي عن السياسة الخارجية التركية وتدخلاتها الأخيرة في مناطق عدة ومنها ليبيا.

فبالرغم من أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا تمنح مصر مساحة نفوذ اقتصادي بحري أكبر مما تحصلت عليه من اتفاقيتها مع قبرص واليونان، إلا إنه لا يحقق لها ما تريده من تحجيم الوجود السياسي والأمني والعسكري للأتراك في ليبيا، ويضعف نفوذها إقليميا.

اتجاه القاهرة إلى التقارب مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية يخدم أهدافا عدة من بينها تأكيد النظام المصري على ابتعاده عن روسيا، الخصم اللدود للإدارة الأمريكية الجديدة، وقد كانت القاهرة في خندق واحد معها، وتحويل ثقلها السياسي والدبلوماسي إلى خيار مقبول من قبل الأمريكان وهو إخراج الأتراك من البلاد، كما سبقت الإشارة.

أما الحديث عن المصالح الاقتصادية المصرية الحيوية المتعلقة بملف العمالة والنفط والاستثمارات الليبية، فهي ذات طبيعة استراتيجية لا تناسب مهام الحكومة الجديدة والتي قد لا يتجاوز عمرها العشرة أشهر.

المجلس الرئاسي الجديد في ليبيا.. فرص وتحديات

فازت القائمة التي كانت أقل حظا في الجولة الأولى من مسار القوائم الرباعية، ولهذا دلالته، ذلك أن القائمة التي واجهتها، وهي قائمة عقيلة صالح وفتحي باشاغا، محل جدل كبير، خاصة في المنطقة الغربية، ولأن قائمة عقيلة دعمت من حزب العدالة والبناء وهو خصم العديد من أعضاء ملتقى الحوار السياسي، كان دعمهم للقائمة المنافسة حتمي.

صحيح أن القائمة الفائزة هي الأقل جدلا، لكنها لا تملك نفوذا كافيا على الأرض، خاصة في العاصمة وفي الشرق، فقد كان وجود عقيلة صالح على رأس القائمة المرشحة للفوز مطمئنا لمجاميع سياسية وعسكرية في الشرق الليبي، كما أن لباشاغا حضوره ليس فقط في مصراتة، بل في طرابلس.

وبالنظر إلى تركيبة القائمة الفائزة فإن من على رأسها محمد المنفي عضو المؤتمر الوطني عن مدينة طبرق، وممن ناصروا ثورة فبراير، ولم يدعم عملية الكرامة، وانضوى تحت سلطة حكومة الوفاق باعتباره سفيرا في دولة اليونان.

أما نائبيه، عبدالله اللافي من الزاوية، وموسى الكوني من الجنوب، وإن لما يظهرا اصطفافا سياسيا خاصة بعد الانقسام السياسي، إلا إنهما من المتحفظين على العدوان على العاصمة طرابلس، ويحوزان على تقدير داخل أوساطهما في الغرب والجنوب.

بالنسبة لرئيس الحكومة عبدالحميد ادبيبه، فهو من عائلة الدبيبة التي تملك ثروة كبيرة وتحوز على نفوذ داخل مصراتة، ويبدو لي أن تقدمه جاء كحل وسط بين مرشحي مصراتة البارزين وهما فتحي باشاغا واحمد امعيتيق، واللذين خاضا سباق تنافس كان قابلا للصدام.

المجلس الرئاسي الجديد أمامه فرصة لينجح في معالجة ملفات شائكة ويفلح في إيصال البلاد إلى الانتخابات، ذلك أن أعضاءه لم يتورطوا في النزاعات التي شهدتها البلاد ولم يكونوا جزءا من الصراع القائم منذ العام 2014م.

كما أن اتجاها دوليا قويا تقوده الولايات المتحدة وأوروبا يرى في التوافق وسيلة للحد من التدخلات الخارجية التي باتت مقلقة بالنسبة لهم بعد تعاظم دور روسيا وازدياد نفوذ تركيا في البلاد.

حظوظ المجلس وحكومته في أن يجدا تعاونا في مناطق الغرب جيدة ذلك أن الغرب أكثر تجاوبا مع التغيير كما أن هزيمة قائمة عقيلة صالح ستكون دافعا لدعم القائمة الفائزة، وقد يكون لاستبعاد العاصمة من السلطة التنفيذية تأثيرا سلبيا ليصبح ذريعة لإثارة مشاكل من قبل بعض المجموعات المسلحة، ولا ننسى أن البعد الجهوي برز وتصاعد في العاصمة خلال العدوان الذي شنه حفتر.

على الطرف الأخر من جغرافيا الصراع يكمن التحدي، فبرغم إعلان عقيلة صالح قبوله بنتيجة الاقتراع وإقراره بخسارته منصب رئيس المجلس الرئاسي، إلا أن حفتر لن يقبل بقيادة لا تدعم سلطته المطلقة على الجيش والأجهزة الأمنية.

عقيلة صالح يدرك أنه برفض النتائج يقع في ورطة حتى مع أنصاره، كما أنه سيعزز فرص استبعاده من رئاسة البرلمان، وبالتالي فقد يستخدم عقيلة صالح الموقف من المجلس الجديد كورقة مساومة للمحافظة على موقعه تحت قبة البرلمان، كما يمكن أن يحول رفضه دون ترشحه في الانتخابات القادمة.

هناك ما يؤكد عدم اهتمام حفتر بالمسار السياسي وعدم تعويله عليه، وهو ما يعني أنه لا يزال يعتمد على القوة العسكرية لفرض إرادته، وسيكون لحفتر دور سلبي محتمل إذا لم تتوافق الأطراف الدولية على المجلس الرئاسي الجديد وعلى خطته في ترتيب الأوضاع الأمنية.

خسارة قائمة عقيلة باشاغا تعكر صفو التسريبات التي تتحدث عن تجسيد هذه القائمة للاتفاق التركي المصري حول الملف الليبي، فمعلوم أن الأول يحظى بدعم مصري ويتمتع الثاني برعاية تركية، وفي حال صدقت نوايا الطرفين الإقليميين فإن معاودة التوافق ممكنة مع المجلس الجديد وسيكون السيناريو الذي يمهد لترتيبات دولية تعزز السلام وتنزع فتيل الحرب، الأمر الذي سيفقد حفتر نفوذه وقوته ويرغمه على القبول بالتماهي مع السلطة الجديدة.

أما في حال تهاونت واشنطن في احتواء الأزمة الليبية، ولم تتوافق الأطراف الإقليمية على خطة الانتقال للوصول للانتخابات، فإن التوتر سيكون سيد الموقف ليتكرر سيناريو شبيه بسيناريو الصخيرات والمجلس الرئاسي المنبثق عنه.

___________


مواد ذات علاقة