أمين أيوب
استراتيجية الأمم المتحدة في ليبيا ليست بطيئة فحسب؛ بل ساذجة بشكل خطير
إن استراتيجية الأمم المتحدة في ليبيا، المتمحورة حول “خارطة طريق” مُضنية، تمتد من ١٢ إلى ١٨ شهرًا، ليست بطيئة فحسب؛ بل إنها ساذجة بشكل خطير. فهي تعمل على افتراض وهمي بأن أي عملية سياسية هشة، مهما كانت حسنة النية، قادرة على الصمود في وجه الطموح الروسي الانتهازي المُستمر.
وبينما يعقد الدبلوماسيون الغربيون اجتماعات ويصيغون بيانات رسمية، لا تنتظر روسيا. إنها تتحرك بمنطق بارد وصارم كقوة عظمى تسعى لاستغلال الفراغ، وأفعالها بعد أوكرانيا تُمثل لمحة مُرعبة عما ينتظر ليبيا إذا لم نتحرك.
لم تُفرغ الحرب في أوكرانيا روسيا من طموحها العالمي؛ بل زادته قوةً. لقد تعلم نظام فلاديمير بوتين درسًا بالغ الأهمية من رد فعل الغرب على اعتداءاته السابقة في جورجيا والقرم: إن غياب رد فعل حاسم وموحد يشجع على اتخاذ المزيد من الإجراءات.
والآن، بينما ينصب اهتمام العالم على ساحات القتال في أوروبا الشرقية، تنفذ موسكو تحولًا استراتيجيًا مدروسًا نحو شمال إفريقيا.
والهدف ليس مجرد الحفاظ على النفوذ، بل ترسيخ بصمة عسكرية واقتصادية مستدامة وغير متنازع عليها على الجناح الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط.
يُعدّ الاجتماع الأخير بين وزير الدفاع الروسي وخالد حفتر، الشخصية المتنامية النفوذ في ليبيا، بمثابة تحذير صارخ.
فهذه ليست مبادرة دبلوماسية حميدة؛ بل هي إشارة واضحة إلى نية روسيا إضفاء الطابع الرسمي على علاقتها العسكرية مع فصيل ليبي رئيسي وتعميقها.
روسيا ليست شريكًا في الاستقرار في ليبيا؛ إنها مُفسدة بشكل ساخر، تسعى إلى ترسيخ نفوذها مع رجل قوي وإنشاء موطئ قدم إقليمي جديد.
بدعمها حفتر بالمساعدة العسكرية والتدريب وقوات “الفيلق الأفريقي” الجديدة، تتبع روسيا نهجها التقليدي: البحث عن أقوى جماعة مسلحة، وتسليحها، واستغلال حالة عدم الاستقرار الناتجة لتحقيق مكاسب استراتيجية.
تتجاوز هذه الاستراتيجية مجرد النفوذ. فروسيا تعمل بنشاط على تحويل ليبيا إلى مركز لوجستي لعملياتها في جميع أنحاء أفريقيا.
وتؤكد صور الأقمار الصناعية وتقارير الاستخبارات أن القوات الروسية تعمل بنشاط على تحديث وتوسيع قواعدها العسكرية في ليبيا، مثل قاعدة معطن السارة.
هذا ليس انتشارًا مؤقتًا؛ بل هو وجود طويل الأمد. ستسمح هذه البوابة الأفريقية لموسكو ببسط نفوذها في عمق منطقة الساحل، ودعم المجالس العسكرية في مالي وبوركينا فاسو، ومنحها ميزة اقتصادية وعسكرية في منطقة يتراجع فيها النفوذ الغربي.
إذا نجحت روسيا، ستكون العواقب كارثية، تمتد آثارها إلى ما هو أبعد من حدود ليبيا. إن سيطرة موسكو على نظام ليبي لن تهدد أمن الطاقة الأوروبي فحسب، بل ستمنحها أيضًا أداة جديدة للتلاعب بتدفقات الهجرة، مما يخلق ضغوطًا سياسية واجتماعية داخل الاتحاد الأوروبي.
إن سيطرة روسيا على ليبيا على الجناح الجنوبي لحلف الناتو ستُغير التوازن الجيوسياسي في البحر الأبيض المتوسط بشكل جذري.
ستصبح نقطة انطلاق لمزيد من المغامرات العسكرية، وملاذًا آمنًا للمرتزقة والوكلاء الروس، وتهديدًا مباشرًا لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
لا يكمن الخطر في أن تكون روسيا طرفًا فاعلًا في ليبيا فحسب، بل في أن تصبح الطرف المهيمن، محولةً دولة هشة إلى نقطة انطلاق لمزيد من زعزعة الاستقرار.
إن نهج الأمم المتحدة، ببيروقراطيته البطيئة ودعواته إلى حوار حذر، ببساطة غير مُجهز لمواجهة هذه الاستراتيجية العدوانية.
لقد حان الوقت لمسار عمل جديد. يجب على الولايات المتحدة وحلفائها التحرك بنفس الإلحاح والوضوح الاستراتيجي اللذين تُظهرهما روسيا.
لا يتعلق الأمر بتدخل عسكري جديد؛ بل يتعلق بمشاركة حاسمة وسياسية واقتصادية تحرم روسيا من موطئ قدمها.
من خلال الدعم المباشر للمؤسسات الليبية الملتزمة بدولة موحدة وذات سيادة، وتطبيق عقوبات مستهدفة ضد أولئك الذين يساعدون القوات الروسية، وتقديم بديل موثوق لشراكات موسكو الاستغلالية، يمكننا منع ليبيا من أن تصبح ضحية لعالم ما بعد أوكرانيا.
______________