الحبيب الأسود

اجتماع دولي ترأسته الولايات المتحدة الأميركية بشأن ليبيا، أكد على دعم خارطة حنا تيتيه لحل الأزمة الليبية.

يتابع الشارع السياسي الليبي بكثير من الاهتمام الإشارات القادمة من وراء الأطلسي، في ظل ما رأى فيه المراقبون اهتماما أميركيا لافتا بالوضع في البلد الذي لا يزال يعيش أزمة أمنية وسياسية منذ 15 عاما.

ورغم أن الأمر لا يتجاوز أن يكون مصافحة وصورة تذكارية التقطت لرئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي مع الرئيس دونالد ترامب وعقيلته ميلانيا، خلال حفل أقيم في نيويورك على شرف رؤساء الدول المشاركين في أعمال الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن البعض أراد أن يعطيها أبعادا سياسية ، ويحولها إلى حدث كبير، وهو ما يتنافى مع الطبيعة البروتوكولية لتلك اللقطة.

لكن بالمقابل، اتسعت دائرة الاتصالات بين الإدارة الأميركية وسلطة الأمر الواقع في طرابلس والقيادة العامة للقوات المسلحة في بنغازي، ومع البعثة الأممية بحثا عن تصور متقدم للحل السياسي بالاتفاق مع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الملف الليبي.

وأعربت المبعوثة الأممية للدعم في ليبيا حنا تيتيه من موسكو، السبت، عن أملها في أن تقوم الولايات المتحدة بتنسيق تحركاتها في ليبيا مع الأمم المتحدة، لاسيما أنها عضو في مجلس الأمن، وقد صدر بيان متفق عليه من المجلس عقب تقديم خارطة الطريق الأممية، مشيرة إلى أن أي تحركات تخطط لها الولايات المتحدة في ليبيا ستتم بالتنسيق مع البعثة الأممية بهدف تحقيق الأهداف الجوهرية للخارطة والوصول إلى تسوية سياسية فعالة ومستدامة.

وقالت: “نحن منفتحون على التعاون مع روسيا، وسائر أعضاء مجلس الأمن، والدول المشاركة في مسار برلين، من أجل المضي قدما في تنفيذ خارطة الطريق السياسية، وبطبيعة الحال، نرحب أيضًا بالتعاون مع الولايات المتحدة في هذا السياق”.

وتشير أوساط مطلعة إلى أن الاتصالات التي تجريها تيتيه بانتظام مع الجانب الروسي تأتي بالتنسيق المباشر مع الولايات المتحدة، وأيضا في سياق العمل على تنفيذ خارطة الطريق التي كان قد تم الإعلان رسميا في الحادي والعشرين من أغسطس الماضي، ولا تزال تواجه عراقيل عدة بما يهدد جدواها ويشكك في جدية الجهود الأممية.

والأربعاء الماضي، أكد اجتماع دولي ترأسته الولايات المتحدة الأميركية بشأن ليبيا على دعم خارطة تيتيه لحل الأزمة الليبية.

وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، إن الولايات المتحدة وبصفتها الرئيس عقدت اجتماعا لمسؤولين كبار يمثلون مصر، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، قطر، المملكة العربية السعودية، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة رفيعة المستوى، لمناقشة بناء الأسس الاقتصادية من أجل الوحدة والأمن في ليبيا.

وأكدت الولايات المتحدة مجددًا الالتزام القوي للمجتمع الدولي بدعم تقدم ليبيا على طريق المزيد من الوحدة والأمن والاستقرار والازدهار، وشجعت المشاركين في الاجتماع على دعم جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لتطوير خريطة الطريق السياسية وتيسير حوار ذي معنى بين مجموعة واسعة من الأطراف الليبية.

وأبرزت واشنطن أهمية تكامل الأمن بين شرق وغرب ليبيا من أجل تسهيل زيادة مساهمة ليبيا في الاستقرار والأمن الإقليميين، وأشادت بدعم المشاركين في الاجتماع لتعديل حظر الأسلحة الأممي في عام 2025، مما أتاح اتخاذ خطوات أولية، بما في ذلك التدريب المشترك والمساعدة الفنية، لتعزيز التكامل الأمني بين الشرق والغرب، كما ناقش المشاركون كيفية البناء على هذه المكاسب لتعزيز قدرة ليبيا على توفير أمنها الذاتي.

كما رحبت الولايات المتحدة بدعم المشاركين لخارطة الطريق السياسية لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ولجهود الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة الرامية إلى بناء توافق بين الأطراف الليبية، وأكدت أن توحيد المؤسسات السياسية أمر حاسم لتعزيز الازدهار لجميع الليبيين، وكذلك لتمكين ليبيا من الدفاع عن سيادتها وحماية حدودها ومنع استخدام أراضيها في انتشار تهديدات مثل الهجرة غير الشرعية والاتجار بالأسلحة.

وناقش المشاركون وجهات نظر بلدانهم ومقارباتهم، وبحثوا خطوات مرحلية يمكن أن يساهم فيها الجميع لوضع ليبيا على مسار أكثر استقرارًا ووحدة، وتم التطرق إلى الملف الأمني والعسكري، ودمج القوات وتسليحها تحت إشراف الولايات المتحدة، والمساهمة في دعم الاستقرار، ودخول المشاريع والاستثمارات.

لكن غياب دولة مثل روسيا ذات الثقل السياسي والاستراتيجي في ليبيا عن الاجتماع ، طرح الكثير من الأسئلة حول جدية الجهود الأممية والدولية ، وحول ما إذا كانت بعض الدول التي تتصدر مزاعم المساهمة في حل الأزمة ، قادرة بالفعل على التأثير في الوضع الميداني مع استمرار الفوضى والانفلات بالمنطقة الغربية الخاضعة لسلطة الميلشيات ويضفي عليها المجتمع الدولي شرعية قانونية فاقدة للغطاء الشعبي والاجتماعي.

ويشير المراقبون ، الى أن الولايات المتحدة تخطط لتسجيل حضور قوي في منطقة نفوذ حكومة المنتهية ولايتها برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

وفي نفس الوقت تسعى إلى كسب ثقة الجانب الأقوى في المعادلة السياسية والميدانية وهو القيادة العامة للقوات المسلحة التي رفضت منذ انطلاق الكرامة في العام 2014 وضع كل البيض في سلة الدول الغربية وعلى رأسها على واشنطن التي طالما كانت وراء خطة التمكين لتيارات الإسلام السياسي بالمنطقة سواء بعد احتلال العراق 2003 أو على إثر ما سمي بثورات الربيع العربي التي اندلعت في العام 2011 .

وشهدت التنسيق المعلن بين جماعة الإخوان المدعومة من واشنطن ولندن وبرلين وأنقرة وقطر وبين الجماعات الإرهابية المتطرفة التي كانت العواصم الغربية تعمل على التخلص منها بتوطينها في بؤر الفوضى كليبيا وسوريا والعراق.

وبحسب المراقبين، فإن القيادة العامة بقيادة المشير خليفة حفتر اتجهت الى توطيد علاقاتها

أولا بمحور الاعتدال العربي ممثلا في مصر والامارات والسعودية والأردن والمغرب ،

وثانيا بالدول الكبرى ذات الموقف الواضح من الإرهاب وفي مقدمتها روسيا التي عرفت باحترامها لخيارات الشعوب وعدم تدخلها في الشؤون الداخلية للدول الحليفة والصديقة، ثم فرنسا التي أدركت أن الكلمة الفصل ستكون لقيادة “الرجمة”.

وأن من مصلحتها أن تقف مع المحور القوي المستند الى ارادة الشعوب لا إل محاور التطرف المستند الى الأطماع التوسعية بعض القوى الاقليمية والدولية ، والذي يعتمد على الإرهاب في تنفيذ خطته للإطاحة بالأنظمة الوطنية والاعتداء على سيادة الدول.

وفي ظل اتضاح الرؤية بخصوص التوازنات السياسية والاجتماعية والعسكرية في ليبيا، وبروز القيادة العامة للقوات المسلحة كقوة تحرر وطني ودفاع عن استقلال القرار السيادي، تمضي الولايات المتحدة إلى ضمان مصالحها الاقتصادية والتجارية مع حكومة عبدالحميد الدبيبة، من خلال استغلال ضعفها وجشع القائمين عليها ورغبة رئيسها في الحفاظ على امتيازات السلطة، واستعدادها للموافقة على أية صفقة تضمن له البقاء في مكتبه في طريق السكة لفترة أخرى ، بعد أن تحولت رئاسة الوزارة بالنسبة اليه ولأسرته وفريقه امتيازا ماليا واقتصاديا وحصانة قانونية تحفظه من أية ملاحقة قانونية قادمة.

وفي السياق، اعتبر المبعوث الأميركي السابق إلى ليبيا، جوناثان وينر، أن إدارة الرئيس ترامب تركز على الجوانب التجارية في ليبيا أكثر من سابقتها.

وأوضح في تصريحات تلفزيونية لقناة “سلام ” المملوكة لأسرة الدبيبة، أن الإدارة الأميركية الحالية تسعى إلى تحقيق نتائج تتيح فرصا للشركات الأميركية ، مبرزا أن زيارة مبعوث ترامب مسعد بولس تؤكد أن ليبيا لا تزال على جدول أعمال ترامب، حيث “من الصعب الفصل بين الجانبين السياسي والاقتصادي في مهمة بولس في ليبيا” ، لافتا الى أنه “ليس من الواضح ما هي الصفقات التي تندرج ضمن محادثات بولس في ليبيا”.

وبحسب وينر ، ” لم يُبد أي من السياسيين والعسكريين الليبيين استعداده للمخاطرة بفقدان السلطة في أي تغيير عن الترتيبات الحالية”، إذ يميلون إلى اعتبار جهود الأمم المتحدة تهديدًا أكثر منه فرصة، مشيرا الى أن هذا الطابع للنظام الليبي الحالي أدى إلى تأخير الانتخابات لأكثر من عقد من الزمن.

وفي أوائل سبتمبر الجاري، أجرى وفد من حكومة الدبيبة لقاءات مع ممثلي الادارة الأمريكية في واشنطن ، حيث قدم عرضا تفصيليا لأوجه الشراكة الإستراتيجية الاقتصادية الليبية، والمقدرة بنحو 70 مليار دولار، والتي كان الدبيبة أعلنها في يوليو الماضي من باب التقرب لإدارة ترامب.

وتشمل الشراكة المقترحة مشاريع جاهزة في قطاعات الطاقة والمعادن والكهرباء والبنية التحتية والاتصالات، بما يتيح دخولا منظما ومباشرا للاستثمار الأميركي في السوق الليبي”، وتطرق الوفد الليبي أيضا إلى مستجدات قطاع النفط، خاصة ما يتعلق بالفرص المتاحة في القطع النفطية الجديدة، سواء البحرية أو البرية، والجهود المبذولة لتعزيز الشفافية وتحقيق عوائد مستدامة في إطار استقرار قطاع الطاقة

ووفق محليين مطلعين على طبيعة المحادثات بين طرابلس والإدارة الأميركية ، فإن الدبيبة يطالب بالتمكين السياسي والبقاء في السلطة مقابل فتح خزائن البلاد لترامب وفريقه والشركات ذات العلاقة به، وهو يرفض خارطة طريق الأممية ويرى فيها إقصاء لحكومته ولمن يقول انهم أصدقاء أوفياء للولايات المتحدة، مقترحا أن يكون الحل هو بقائه على رأسه حكومة يدمج فيه وزراء من الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، كبديل عن الحكومة الجديدة الموحدة التي تنادي بها خارطة الطريق.

في المقابل، تتمسك القيادة العامة بالخيارات السيادية غير القابلة للتنازل، وهو ما أكد عليه القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر ونائبه الفريق أول صدام حفتر في مناسبات عدة من خلال الحفاظ على مسافة أمان في العلاقة مع واشنطن وتنويع العلاقات الإستراتيجية مع الدول المؤثرة اقليميا وعالميا، والاعتماد على مبدأ الثقة مع الشعب لتأمين الشرعية الاجتماعية الى جانب الشرعية الدستورية التي يمثلها مجلس النواب، وشرعية النفوذ على الأرض بتحقيق الأمن والاستقرار وتأمين المقدرات والحدود، وتنفيذ خطة اعادة الاعمار والتنمية بما يرسخ قدمها على الأرض ويعطي تلك القيادة مجالا واسعا لفرض ارادتها وتقديم نفسها كرقم صعب ليس فقط في المعادلة الداخلية وإنما في المعادة الاقليمية المتداخلة والمتشابكة والمتشعبة.

_______________

مواد ذات علاقة