بقلم عائد عميرة

بعد أقل من أسبوع على الحديث عن انفراج الأزمة في ليبيا، عقب لقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، في الرباط، عاد الانقسام مجددًا بين الأطراف الليبية بين داعٍ لضرورة التسريع في الانتخابات دون انتظار الاستفتاء على الدستور ومؤكد على وجوب الاستفتاء على الدستور قبل المضي إلى الانتخابات.

الانتخابات أولاً

في أثناء لقائه رئيس مجلس النواب المغربي الحبيب المالكي، دعا عقيلة صالح إلى ضرورة المضي في تعديل الاتفاق السياسي، غير أن رئيس برلمان طبرق تراجع عن هذه التصريحات مؤكدًا هذه المرة أن الاتفاق السياسي وصل إلى نفق مسدود، لينساق في مسار عرقلة جديدة برزت الأحد في القاهرة، إثر دعوة فرنسية مصرية لضرورة ذهاب ليبيا إلى انتخابات عاجلة“.

تصريحات عقيلة جاءت على هامش حضوره اجتماع المجموعة الرباعية الخاصة في ليبيا المنعقدة في القاهرة، وتضم المجموعة الرباعية ممثلين عن كل من الجامعة العربية والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، ويأتي اجتماعها في مقر الجامعة العربية بعد نحو ستة أشهر على اجتماعها الأخير الذي شهدته نيويورك في سبتمبر/أيلول الماضي.

وقال صالح إنه نتيجة للانقسام داخل مجلس النواب وأيضًا داخل المجلس الأعلى تبين لدى المجتمع الدولي أنه من الصعب الوصول لاتفاق سياسي حقيقي في الوقت القريب، وأضاف هناك قناعة بتكوين السلطة التنفيذية في ليبيا من رئيس الدولة ورئيس الوزراء حتى تتحقق متطلبات الشعب“.

وأضاف أنه نظرًا لعدم وفاء مجلس النواب والمجلس الأعلى بالتزاماتهما في مسألة تعديل الاتفاق السياسي، فلا حاجة لتشكيل مجلس رئاسي جديد، قبل الانتخابات المزمعة في سبتمبر/أيلول المقبل، وقال بالخصوص في هذه الحالة لا ضرورة لانتخاب جسم تنفيذي قبل انتخاب الرئيس، وعلينا أن نتجه لتكليف المفوضية للاستعداد لإجراء الانتخابات“.

مصر وفرنسا تدعمان

توجه صالح لإجراء انتخابات قبل الذهاب إلى الاستفتاء، يلقى دعم كل من مصر وفرنسا، حيث قال المتحدث الرئاسي المصري بسام راضي، بعد اجتماع يوم الأحد بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية الفرنسي الزائر جان إيف لودريان إن وجهات نظر مصر وفرنسا اتفقت على أن ليبيا يجب أن تسارع بإجراء انتخابات بعد حدوث تقدم نسبيفي أوضاع الدولة التي مزقتها الحرب.

وقال المتحدث الرئاسي في بيان: “اتفقت وجهات النظر على حدوث تقدم نسبي بالمشهد الليبي وهو ما يستلزم الإسراع في عقد الانتخابات قبل نهاية العام الحاليّ، وأضاف قائلاً الأوضاع في ليبيا تؤثر على أمن واستقرار منطقة البحر المتوسط بأكملها“.

وتحرص كل من مصر وفرنسا على الدفع بعجلة الانتخابات الليبية منذ إعلان المفوضية الوطنية العليا للانتخابات رسميًا، البدء في عملية تسجيل الناخبين وتحديث السجل الانتخابي مطلع ديسمبر الماضي، حين سارعت فرنسا عن طريق سفيرتها لدى ليبيا بريجيت كورمي، إلى توقيع اتفاق مساهمة فرنسا بـ200 ألف يورو لصندوق المشروع الانتخابي الليبي، وأشارت السفيرة الفرنسية، خلال حفل توقيع الاتفاق حينها، إلى أن نجاح الانتخابات مسؤولية مشتركة بين الليبيين والمجتمع الدولي.

الاستفتاء قبل كل شيء

في مقابل ذلك، يصر مجلس الدولة الذي يترأسه خالد المشري، على ضرورة تنظيم استفتاء على الدستور قبل المضي في الانتخابات وفقًا لمقترح المبعوث الأممي غسان سلامة، وتمكين الليبيين من التصويت عليه ليكون أساسًا لإنهاء ما أسماه نزيف المراحل الانتقالية والعبور بالبلاد نحو الاستقرار.

وترتكز خريطة سلامة التي أعلنها في 20 من سبتمبر/أيلول الماضي، على 3 مراحل رئيسية، تشمل تعديل الاتفاق السياسي، وعقد مؤتمر وطني يهدف لفتح الباب أمام المستبعدين من جولات الحوار السابق، وإجراء استفتاء لاعتماد الدستور، وانتخابات برلمانية ورئاسية.

وأعلن المجلس الأعلى للدولة في بيان، رغبته في إعادة هيكل السلطة التنفيذية، بالتوافق مع مجلس النواب والتعجيل بتوحيد المؤسسات، وأكد البيان استعداد المجلس الأعلى للدولة للبت في المناصب السيادية، سعيًا لحل الأزمة الاقتصادية التي يرزح تحتها الليبيون.

وتؤكد أطراف سياسية ليبية على رأسها حزب العدالة والتنمية أن الوصول إلى المرحلة النهائية لإجراء الانتخابات، يحتاج إلى خريطة طريق تمر عبر التوصل إلى اتفاق جديد، يتضمن تعديل الاتفاق السياسي الموقع في 17 من ديسمبر/كانون الأول 2015، والاتفاق على جدول زمني (بين مجلسي النواب والدولة) لتحديد تواريخ الانتخابات.

فضلاً عن عرض مسودة الدستور التي أشرفت على إعدادها مجموعة الستين (هيئة منتخبة مشكلة من 60 عضوًا)، على الاستفتاء الشعبي لإقرار الدستور الجديد للبلاد الأول من نوعه منذ سقوط نظام معمر القذافي، في 2011 الذي على ضوئه ستنظم الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

إطالة الفترة الانتقالية

تأكيد مجلس الدولة على ضرورة اعتماد الدستور الجديد قبل إجراء الانتخابات، جاء نتيجة خشيتهم من إطالة أمد الفترة الانتقالية التي تعرفها البلاد، ذلك أن إجراء الانتخابات قبل اعتماد دستور جديد سيؤدي إلى إطالة المدة الانتقالية وسريان حالة من الشك؛ بما يأتي معها من اضطراب سياسي وصراع مسلح.

ويرى خبراء في الشأن السياسي الليبي أن التوصل إلى حد أدنى من الإجماع على دستور جديد سيوحد الأغلبية الساحقة من الليبيين على شرعية سياسية واحدة، ويحل محل كل الشرعيات الفرعية التي تشكل الصراع المستمر في البلاد.

ومن شأن اعتماد دستور جديد، حسب هؤلاء الخبراء، تمهيد الطريق لحل الاضطرابات الليبية وضمان الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية، مبنية على التعددية الفكرية والسياسية والثقافية، تستجيب لطموحات الليبيين وتطلعاتهم، ويضمن لهم العدالة الاجتماعية والمشاركة في الحياة السياسية.

الذهاب إلى الانتخابات يطيل الفترة الانتقالية

وكانت هيئة صياغة الدستور قد صوتت في يوليو/تموز الماضي، على إقرار مسودة الدستور بواقع 43 صوتًا من أصل 44 حاضرين (عدد الأعضاء 60) وأحالته إلى البرلمان الليبي المنعقد في طبرق.

إلا أن عددًا من أعضاء الهيئة تقدموا بطعن بشأن عدم مشروعية جلسة تصويتها أمام محكمة البيضاء وقد رفض الطعن، قبل أن يقدم عدد من الشخصيات العامة من مدينة بنغازي، بطعن آخر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أمام محكمة القضاء الإداري بدعوى عقد الهيئة التأسيسية جلسة التصويت في يوم عطلة رسمية في البلاد، ورُفِض هذا الطعن أيضًا.

وينص الإعلان الدستوري، وهو عبارة عن دستور مؤقتلتسيير شؤون ليبيا عقب الثورة التي أطاحت بالقذافي عام 2011، على عرض هيئة صياغة مشروع الدستور المسودة التي أقرها أعضاؤها على مجلس النواب المنعقد في طبرق، إثر ذلك، يصدر المجلس قانونًا للاستفتاء تعمل من خلاله مفوضية الانتخابات على عرض المسودة على الشعب، والتصويت عليها بالقبول أو الرفض.

حرمانهم من الترشح

فضلاً عن رغبتهم إطالة أمد الفترة الانتقالية، فإن سعي نواب طبرق ومن ورائهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى الذهاب للانتخابات قبل إقرار الدستور يرجع أيضًا إلى فقدان العديد من القيادات في الشرق على رأسهم حفتر لحق الترشح للمناصب السياسية المقبلة بسبب نصوص بالدستور تحدد صراحة الشروط اللازم توفرها في متقلدي المناصب، وأقلها ألا يكون المترشح عسكريًا وألا تكون له جنسية أخرى.

وينص البند الثامن من المادة 111 لمسودة الدستور التي تتضمن شروط الترشح لرئاسة الجمهورية أن تمضي سنتان على الأقل على انتهاء خدمته قبل تاريخ ترشحه، في حال كون المترشح عسكريًا أو منتميًا للأجهزة الأمنية“.

ويعتبر هذا الدستور كارثةبالنسبة لدعاة الانقسام في ليبيا، ذلك أنه سينهي كل الأجسام الحاليّة التي جاءت نتيجة الانقسام في البلاد وتضارب المصالح والنفوذ، وسيدلي الستار على المرحلة الانتقالية ويبدأ في مرحلة دستورية دائمة تضع حدًا للميليشيات المنتشرة في ليبيا التي تتغذى من الانقسام الحاصل في هذا البلد العربي.

***

عائد عميرة ـ كاتب وصحفي تونسي

____________

مواد ذات علاقة