عائد عميرة

تتجه العلاقة بين عبد الحميد الدبيبة الذي يقود حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا وخالد المشري الذي يرأس مجلس الدولة، إلى مزيد من التأزم، في ظل الصراع المتواصل على السلطة، ورغبة المشري في الإطاحة بالدبيبة مهما كلفه الأمر، حتى إنه تحالف مع عدو الأمس، صالح عقيلة الذي يقود برلمان طبرق لتحقيق ذلك.

لم يكتف المشري – الذي انتخب للمرة الخامسة على رأس المجلس الأعلى للدولة الليبي في أغسطس/آب 2022–  بالتحالف مع عقيلة صالح وفتحي باشاغا – الذي أوقفه مجلس النواب عن العمل كرئيس للحكومة وأحاله للتحقيق قبل أيام  بل وصل به الأمر إلى الدفاع عن عصابات الجريمة المنظمة.

عداء المشري للدبيبة ورغبته في الإطاحة به، دفعه إلى دعم العصابات المنتشرة في غرب البلاد وتعمل في التهريب وتجارة البشر، التي أثقلت كاهل الاقتصاد الليبي وأضرت بالسلم الاجتماعي في البلاد، وفق ما تشير إليه العديد من المعطيات التي بين أيدينا.

الدبيبة يهاجم عصابات الجريمة المنظمة

قبل أيام قليلة، عرفت مدينة الزاوية في غرب البلاد مظاهرات مناهضة لـوجود تشكيلات مسلحة وسط الأحياء السكنية، وممارسة بعضها عمليات إجرامية، وطالب المحتجون بضرورة إخراج تلك المجموعات المسلحة، بسبب مساهمتها في تردي الوضع الأمني بالمدينة وممارستها أنشطة تهريب الوقود وتجارة البشر.

وخلال لقائه بعدد من المتظاهرين نهاية الشهر الماضي، تعهد رئيس أركان الجيش التابع لحكومة الوحدة الوطنية، الفريق محمد الحداد، بضبط الوضع الأمني بالمدينة وإعادة الاستقرار لها، وجاءت تلك الزيارة بناء على تكليف من المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش، لوضع خطة عاجلة لمحاربة الجريمة والانفلات الأمني وتحسين الوضع المعيشي والأمني في مدينة الزاوية بدعم كامل من رئيس الحكومة في طرابلس“.

استجابت حكومة الوحدة الوطنية لمطالب الأهالي، ونفذت بداية من الخميس ضربات جوية ضد أوكار عصابات تهريب المخدرات والاتجار بالبشر في منطقة الساحل الغربي، وفق بيان نشره المتحدث باسم الحكومة محمد حمودة، وأكد المسؤول الليبي أن الضربات كانت ناجحة وحققت أهدافها المرجوة، لافتًا إلى أن الوزارة تقوم بمهمتها الوطنية بمتابعةٍ مباشرة من رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة“.

ونقل حمودة عن الوزارة تأكيدها على تنفيذ التعليمات والخطة العسكرية الموضوعة من أجل تطهير مناطق الساحل الغربي وباقي مناطق ليبيا، من أوكار الجريمة والأعمال العصابية، وأنها لن تتأخر أبدًا في أداء واجبها الوطني“.

ووفق تقارير إعلامية، طال قصف الطيران المسير مواقع بمدينة الزاوية، من بينها أحياء المطرد والحرشة والماية وأبوصرة ومحيط الميناء، وكل هذه المواقع تابعة للمجموعات المسلحة المسيطرة على المدينة.

المشري يدعم عصابات الجريمة المنظمة!

رحب الأهالي في مدينة الزاوية بتدخل الحكومة، خاصة أنه جاء لتخليص المدينة من العصابات الخارجة عن القانون التي تنشط في التهريب وتجارة البشر، لكن كان لرئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري رأي آخر.

سارع المشري إلى تأكيد رفضه الضربات الجوية التي استهدفت العصابات في الزاوية، وطالب المجلس الرئاسي بسحب صلاحيات الطيران المسيّر وقيادته من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، واتهمه باستغلاله لغايات سياسية.

برر المشري رأيه برفضه ما وصفه بـتوظيف الدبيبة بصفته وزير الدفاع، لسلاح الطيران المسير لتصفية حسابات سياسية ضد أطراف مختلفة معه سياسيًا بحجة نبيلة كمكافحة الجريمة، وفق قوله، في إشارة إلى أن العصابات التي تم قصفها تابعة لرئيس الحكومة المقال في الشرق فتحي باشاغا.

لم ير المشري أي داعي لمباركة خطط حكومة الوحدة الوطنية لملاحقة العصابات المسلحة، بل طالب بسحب صلاحيات الطيران المسير من تحت تصرف رئاسة الحكومة

يذكر أن منطقة غرب ليبيا تشهد تنامي نشاط العصابات المسلحة الخارجة عن القانون التي تنشط في مجال التهريب من وإلى تونس وأيضًا من وإلى الجزائر ومن وإلى دول منطقة الساحل والصحراء، كما تنشط هذه المجموعات في تجارة البشر والهجرة.

ويستفيد المهربون من ضعف الحكومة المركزية في طرابلس ودعم قادة الشرق لهم والانقسام الحاصل في مستوى قيادة البلاد، الذي انعكس على الأجهزة المعنية بملاحقة العصابات، فضلًا عن تراجع نشاط سفن المنظمات الإغاثية في عرض البحر المتوسط بالقرب من السواحل الليبية.

ينشط المهربون في الغرب كما هو الشأن في الشرق أمام مرأى الجميع وتحت أنظار القوات الأمنية في ظل تراخي السلطات، أو تعاميها عن تزايد هذه الجريمة، فالعديد من المسؤولين يستثمرون في مناخ الفوضى وانعدام الاستقرار.

ويهدد نشاط هذه المجموعات المسلحة اقتصاد البلاد وأمنها، مع ذلك لم ير المشري أي داعي لمباركة خطط حكومة الوحدة الوطنية لملاحقتها، بل طالب بسحب صلاحيات الطيران المسير من تحت تصرف رئاسة الحكومة، ما يفهم منه وجود دعم خفي لهذه المجموعات التي أعلن بعضها الولاء لباشاغا.

سعي وراء الإطاحة بالدبيبة

لم يكن بيان المشري دعمًا لجماعات العصابة المنظمة في المطلق التي تنتشر في أكثر من منطقة في ليبيا، وإنما دعم للجماعات التي توالي باشاغا، من منطق عدو عدوي صديقي، فهذه الجماعات تناهض حكومة الدبيبة والمشري يعارض الدبيبة ويسعى للإطاحة به مهما كلفه الأمر.

يخشى المشري أن يؤدي قصف هذه المجموعات المسلحة والحد من قوته إلى تمكن الدبيبة من منطقة الغرب وفرض سيطرته الكلية عليها، ما سيزيد من قوته ويعطيه الأفضلية على باقي منافسيه خاصة في الشرق.

ويعمل رئيس مجلس الدولة إلى جانب رئيس مجلس النواب لإقصاء الدبيبة من الحكم، وتنصيب حكومة جديدة محل حكومته، للتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية المرتقبة، الأمر الذي يرفضه الدبيبة، إذ يصر هذا الأخير على عدم تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة.

ويخشى المشري وحلفاؤه في الغرب، من تزايد شعبية الدبيبة في عموم ليبيا، خاصة أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية نسج علاقات قوية مع القيادة الجزائرية واستطاع تحييد الموقف المصري إلى حد ما، بعد أن كانت القاهرة داعم قوي لحفتر.

شعبية الدبيبة المتزايدة، تهدد مشروع خالد وعقيلة، خاصة أنه يستعمل سلاح المال الذي يجيده كرجل أعمال، ويستعمل أيضًا القوة العسكرية التي تحت تصرفه

كما نجح الدبيبة، في تحسين علاقاته مع العديد من الدول التي قررت إعادة فتح سفاراتها لدى طرابلس، أو أعلنت قرب فتحها، في إشارة لانتشار الأمن والاستقرار في العاصمة طرابلس بعد سنوات من انتشار الفوضى وانعدام الاستقرار هناك.

كما استطاع الدبيبة رفع نسبة ثقة الليبيين فيه، من خلال إقرار العديد من المشاريع والقوانين، كصندوق دعم الزواج، الذي عارضه العديد من النواب، لكنه منح شعبية لرئيس الحكومة في أوساط الشباب، ما جعل الدبيبة يمثل خطرًا على المشري وعقيلة.

فضلًا عن ذلك، استطاع الدبيبة تحسين الوضع الأمني في البلاد، وإصلاح البنية التحتية في مناطق عديدة من ليبيا، ووضع حد لمشكلة الكهرباء، والعديد من المشكلات الأخرى التي سبق أن أرقت حياة الليبيين.

شعبية الدبيبة المتزايدة، تهدد مشروع خالد وعقيلة، خاصة أنه يستعمل سلاح المال الذي يجيده كرجل أعمال، ويستعمل أيضًا القوة العسكرية التي تحت تصرفه، ما يجعل رغبة المشري وصالح في إزاحته من رئاسة الحكومة أولوية لا تقبل التأجيل تحت أي ظرف.

***

عائد عميرة ـ محرر في نون بوست

__________________

مواد ذات علاقة