بقلم عماد المدولي

صحافة المواطن أو إعلام المواطن، رغم الاختلاف على المصطلح من حيث تعريفه ومهامه وحدوده والمشاكل التي قد يثيرها؛ إلا أن هذا النوع من الإعلام انتشر بشكل كبير وأضحى حقيقة يومية يستخدمها الجمهور وتتعامل معها وسائل الإعلام،

بل أصبح مصدر قلق لأصحاب القرار الذين ما انفكوا يحاولون بشتى الطرق تطويعه والاستفادة منه.

لا يوجد تاريخ محدد لدخول هذا النوع من الإعلام إلى ليبيا، لكنه برز بشكل واضح في ثورة السابع عشر من فبراير/شباط عام 2011 وما صاحبها من توثيق لأغلب أحداثها، بل كان إعلام المواطن هو الوسيلة الأولى لنقل الوقائع في تلك الفترة نظراً لصعوبة وصول الصحفيين إلى الكثير من أماكن الاقتتال،

بالإضافة إلى عدم وجود أي وسائل إعلام محلية في ليبيا في تلك الفترة عدا التابعة لنظام القذافي.

وحتى بعد انتهاء أحداث الثورة وما لحقها من إنشاء العديد من وسائل الإعلام المحلية المختلفة لم يتوقف هذا النوع من الإعلام، بل في كثير من الأحيان تشعر أنه المصدر الأول لأخبار جُل الوقائع والحروب التي حدثت في شتى مناطق البلاد، وهذا ما يدفعنا للتساؤل عن أسباب انتشاره واستمراره بهذا الشكل في ليبيا.

كما أسلفت أن أحد أسباب انتشاره في البداية هو غياب الإعلام الحقيقي في ليبيا إبان الثورة وكما هو معروف كان يوجد إعلام واحد موجه تابع لنظام “القذافي”، ولكن بعد الثورة نشأت العديد من وسائل الإعلام الجديدة، إلا أنها فقدت خلال فترة وجيزة ثقة جمهورها بسبب الاختلافات والتوجهات السياسية لهذه القنوات التي أضحت أكثرهامجرد منابر للتطبيل لطرف معين أو مجرد منصات لتشويه أطراف أخرى.

فقدان الثقة في الإعلام الرسمي والإعلام الخاص ساهم في أن يكون لصحافة الشارع الباع الأطول وأن تكون هي المصدر المحبب والأقرب للتصديق للكثير من الجمهور، كونه عفويا وبعيدا عن غرف الأخبار وسياسات القنوات أو هكذا يظنون–  بل الأمر تجاوز حتى الجمهور العام ووصل إلى المسؤولين الذين أصبحوا يعتمدون اعتماداً كليا على هذه المصادر.

بالفعل أسهم الإعلام البديل في نقل الكثير من الأحداث والوقائع في ليبيا بشكل كبير و أظهر العديد من الأمور التي كان يستصعب على الإعلام التقليدي أن يخرجها للعلن، كما هو الحال في بعض مناطق الاشتباكات في مدينتي بنغازي ودرنة وأيضا الاقتتال القبلي الذي يحدث بين الفينة والأخرى في مناطق الجنوب الليبي والتي من الصعب أو من المستحيل إن صح التعبير–  تغطيتها عبر وسائل الإعلام الاعتيادية لحساسية وخطورة المنطقة.

أخذ الإعلام البديل مكاناته بقوة في ليبيا لما تعيشه من تسارع كبير في الأحداث، حيث يصعب توفير مراسلين في كل منطقة وكل حي أثناء وقوع أحداث مفاجئة، لذا اِعتُبر مصدرا مهما للأخبار ليس على مستوى الجمهور فقط إنما أيضاً مصدر مهم لوسائل الإعلام يضاهي وكالات الأخبار العالمية، ناهيك عن فقدان الثقة بشكل شبه كامل بوسائل الإعلام المحلية في البلاد الذي أسهم في اعتماده وتصديق كل ما ينشر عبره.

ورغم كل تلك الأسباب إلا أن هذا لا يعني أن صحافة المواطن في منأى عن  الاستغلال أو الاستخدام من قبل بعض الأطراف المتصارعة، أو اعتباره هو الحل الأمثل للحصول على الأخبار الدقيقة التي لا تدخل عليها أي تعديلات ولا توجيهات خاصة.

مع كل ما يميز الإعلام البديل كونه بعيداً عن التوجيهات في الكثير من الحالاتويحد من تدخل ما يعرف بحارس البوابة في الإعلام إلا أن كل ذلك لم يمنع من خطورته كونه يعمل بعيداً عن أساسيات المهنة وتحديد الخبر من عدمه بالإضافة إلى عدم وجود القدرة على التحقق من مصداقية الكثير مما ينشر عبره، وهذا ما حدث كثيراً في ليبيا عبر نشر وتداول أخبار غير صحيحة وشائعات أدت في الكثير من الأحيان إلى تدهور الأوضاع.

الكثير من المضامين التي يبثها إعلام المواطن تمثل تهديداً للصحافة كمهنة وللقواعد المهنية المعمول بها في الإعلام، لأنه يسمح لكل مواطن أن يصبح صحافياً يجمع الأخبار ويحررها وينشرها بغض النظر عن صدقيتها، ما يخلق واقعاً فوضوياً لتداول الأخبار والمضامين وربما الإشاعات.

وقد استغلت بعض الأطراف المتصارعة في ليبيا هذه الثغرة لنشر وتمرير أخبار وشائعات محددة لضرب شخصيات وكيانات أخرى، وللأسف كثيراً ما وقع المواطن ضحية هذه الأخبار الكاذبة، بل حتى وسائل الإعلام وقعت في ذات الفخ سواء بقصد أو دونه

ونشرت الكثير من الأخبار والمشاهد اعتماداً على مصادرها في الإعلام البديل، وانتشرت كالنار في الهشيم صفحات الأخبار في مواقع التواصل الاجتماعي التي تختص بمدن بعينها، وأخرى اختصت بالعواجل بزعمها، وأضحت تنشر الأخبار بشكل يومي دون التأكد من مصداقيتها، و لا يخفى علينا إنشاء الكثير من المنصات على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الشائعات والأخبار الكاذبة لأهداف تخدم أصحابها وهو الأمر الذي أفسد هذا الإعلام الجديد.

بالرغم من كل ذلك لا يمكننا أن ننكر الدور الإيجابي الذي قدمه الإعلام البديل في ليبيا من توثيق لأحداث مهمة والكشف عن جرائم مروعة ما كان لها أن تخرج للعلن لولا هذا الإعلام، بل ساهم أيضا وبشكل كبير في إدانة العديد من مجرمي الحرب في ليبيا على المستويين المحلي و الدولي.

حاولت بعض وسائل الإعلام في ليبيا احتواء هذه الظاهرة والاستفادة منها من خلال استخدام بعض الأخبار والأفلام التي يجمعها مواطنون وبثها بعد التثبت من صدقيتهافي برامج متنوعة، وهو ما اعتبره بعض المختصين اعترافاً من قبل وسائل الإعلام بأن إعلام المواطن أحد مصادر الإعلام وليس بديلاً عنه.

غير أن هناك توجه آخر يعتبر صحافة المواطن ليس فقط وسيلة للتعبير الحر عن الآراء؛ بل وسيلة للتغيير الاجتماعي وتمكين الفئات المهمشة، حيث يسهم في دعم مشاركة المواطنين في القضايا العامة الداخلية والخارجية، كونه لا يخضع لسيطرة الإعلان والرقابة، واعتباره نوعا من الصحافة البديلة القادر على حل مشكلات الصحافة التقليدية، بل يعتقدون أن إعلام المواطن سيحل محل الإعلام التقليدي يوماً ما.

إن تحقيق صيغ التعاون والمشاركة بين إعلام المواطن والإعلام التقليدي في ليبيا وفي جميع دول العالميتطلب تقديم تنازلات من الطرفين، من تعلم مهارات قواعد العمل الصحفي خصوصا في تحري الدقة قبل النشر واحترام قوانين حماية الخصوصية وتفهم ثقافة حق الرد للمنتقدين، كما ينبغي أيضاً أن يتعامل الإعلاميون المحترفون باحترام مع المواطنين الصحافيين والمدونين وناشطي مواقع التواصل الاجتماعي.

لزاما على المؤسسات الإعلامية أن تتقبل وجود شركاء أصغر يتميزون بالتعددية والتنوع، وربما تكون لديهم قدرة أكبر على الحركة في ظل الأزمة التي تواجه أغلب المؤسسات الإعلامية وتهدد قدرتها على الاستمرار إن استخدمت بشكل مسؤول بكل تأكيد.

***

عماد المدولي ـ كاتب وصحفي ليبي

________________

مواد ذات علاقة