إزدهار اللصوصقراطية في ليبيا

يهدد الارتفاع السريع والمستمر في معدّل الفساد والنهب والجريمة المنظمة التي يرتكبها حكام ليبيا الحاليين. استمرار المؤسسات الاساسية في الدولة، بما في ذلك قطاع النفط الحيوي. ومن المحتمل اندلاع صراع مسلح من جديد إذا لم يتم تبنّي سياسات دولية أكثر جرأة.

وينبغي لمقرّري السياسات الملتزمين بتحقيق الاستقرار والاستدامة لدولة ليبيا أن يركزوا على الحدّ من تفاقم اللصوصقراطية. ويجب عليهم تعديل نهجهم تجاه الدولة وتبنّي إطار يعطي الأولية لبناء دولة شاملة وينهي أي استرضاء للقادة الفاسدين.

تتمتع ليبيا بثروة هائلة للفرد في ضوء احتياطيات النقد الأجنبي، والموارد الطبيعية الهائلة، وعدد السكان الذي يبلغ نحو سبعة ملايين نسمة. ومع ذلك، على الرغم من استمرار النفقات الحكومية في الارتفاع، فإن هذه الثروة لا يتم توزيعها بشكل ملائم لخدمة السكان.

وتؤكد الخسائر المدمرة في الأرواح والممتلكات الناجمة عن فيضانات سبتمبر 2023 في درنة وغيرها من المناطق في شمال شرق ليبيا إهمال القادة الليبيين الحاليين لآجزاء كبيرة من اقتصاد بلادهم وعدم اهتمامهم بالبنية التحتية المتهالكة. في عام 2022، أشارت تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 24% من النساء و 30% من الأطفال في ليبيا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية هادفة، حيث تحتل ليبيا المرتبة 171 من أصل 180 دولة على مؤشر مدركات الفساد العالمي لمؤسسة الشفافية الدولية.

إن الضعف والغموض والتغليب المفرط للمصالح الشخصية في مؤسسات الدولة يوفر لروّاد الأعمال السياسيين في ليبيا، وقادة الجماعات المسلحة، وزعماء الجريمة المنظمة سبلا عدة لسرقة الموارد العامة أو إساءة استخدامها. وقد تسارع النمو في الآونة الأخيرة في القطاع اللصوصي في ليبيا.

وهذا يعني أن لييبا لا تتجه نحو تحقيق أي توازن جديد أو تبني نظام جديد، هناك خطر كبير من أن ينتهي الأمر بقادة البلاد الحاليين إلى تدمير المؤسسات الأكثر أهمية في الدولة، بما في ذلك المؤسسة الوطنية للنفط التي يُعزى أليها الغالبية العظمى من دخل الدولة.

وبالتالي، في حين يرى مقرّرو السياسات في واشنطن والعواصم الغربية الأخرى أن عدم تبادل إطلاق النار على نطاق واسع منذ يونيو 2020 يشير إلى إحراز تقدم، فإنهم لا يدركون حجم التكاليف المرتبطة بغض النظر عن فساد القيادة الليبية الحالية، وهي مجموعة صغيرة منقسمة من الأفراد معظمهم غير منتخبين.

ونظرا إلى خطورة المراحل الأكثر عنفا في الأزمة الليبية خلال الفترة الممتدة من 2014 إلى 2020، تظل واشنطن والعواصم الغربية الأخرى حذرة من العودة إلى المواجهة المسلحة. ولذلك، يغلب علي مقرّري السياسات تركيز مشاركتهم على وقف التصعيد والوساطة في الصراعات.

ومن خلال القيام بذلك، فإنهم ينظرون بشكل أيجابي إلى الجهود التي تبذلها النخبة الليبية الحالية للتوصل إلى ترتيبات غير رسمية فيما بينهم، على أمل أن تلك الصفقات الأولية تفضي إلى تحقيق الاستقرار والسلام.

ومع ذلك، لا يمكن أن تشكل اللصوصقراطية الأساس الذي تقوم عليه دولة نشطة: فالصفقة الفاسدة بين قادة ليبيا الحاليين لا تشكل بناء سلام مستدام، خاصة في ضوء عدم إحراز أي تقدم حاليا في إصلاح قطاع الأمن أو نزع سلاح الميليشيات.

وهناك تشابه بين المأزق الذي تخضع له ليبيا والمأزق الذي تشهده دول أخرى مضطربة، ويتضح بناءً على الدروس المستفادة من السودان والعراق وافغانستان ولبنان أن هناك تحذيرات واضحة حول المخاطر التي تواجهها ليبيا بسبب عجزها عن نزع سلاح الميليشيات، ومكافحة الفساد، وتوفير احتياجات مواطنيها.

تعزي حرب السودان القائمة، التي اندلعت في أبريل 2023، بشكل جزئي إلى السماح لكلا الفصيلين المتحاربين الرئيسيين بتوسيع إمبراطورياتهما اللصوصية في السنوات الأخيرة.

وقد انهار الاقتصاد اللبناني، في حين يسعى القادة واللصوصقراطيون الذين أفلسوا الدولة إلى التنصل من المسؤولية. وفي العراق الغني بالنفط، أخفقت الصفقات غير الرسمية التي تدعم حكام الدولة الحاليين في تحقيق أي نتائج إيجابية: وفي ظل الحكم الضعيف، ظل الاستقرار الدائم بعيد المنال، ولم تتراجع سيادة الجماعات المسلحة، واستمرت المعايير الاجتماعية والاقتصادية للبلاد في التآكل.

وفي أفغانستان، يعزى انهيار الحكومة المدعومة من قبل الغرب في عام 2021 بشكل جزئي إلى انتشار الفساد خلال السنوات التي سبقت قرار واشنطن بالإنسحاب واستيلاء طالبان لاحقا على السلطة. ويمكن للمستويات المرتفعة للفساد أن تزيد بشكل كبير من احتمالية اندلاع صراعات جديدة، مما يثير الشكوك حول الافتراض القائل بأن تقسيم الغنائم يمكن أن يكون حلا مستداما.

في ما يتعلق بليبيا، ستظل الدولة قابعة في أيدي من يستغلونها إذا واصلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والحكومات المماثلة لها ـ فضلا عن المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والهيئات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي ـ أتباع نهجها الحالي.

تعد المساومات المتعلقة بالمعاملات بين وسطاء السلطة الحاليين الذين ليس لديمهم تفويض شعبي هش للغاية ومبهم ويفتقر إلى الشرعية السياسية اللازمة لتحقيق مصالحة حقيقية أو تحسين النتائج للسكان بمستوى ملائم. يتمثل رد الفعل الأول للنخبة الحاكمة في الحفاظ على مناصبهم في أو تحسين النتائج للسكان بمستوى ملائم.

يتمثل رد الفعل الأول للنخبة الحاكمة في الحفاظ على مناصبهم في السلطة وضمان قدرتهم على اكتساب الثروة من القطاع العام. وقد ضعفت المؤسسات نتيجة تفاقم الأنشطة اللصوصية في ليبيا. ومع تضخم الأنشطة اللصوصية في ليبيا، تزداد المؤسسات ضعفا وتتطور دوافع جديدة للاشتباكات العنيفة تختلف عن تلك التي حدثت في الفترة بين 2014-2020.

في حين أن الخلاف بين السلطات السياسية المتنافسة معروف جيدا، فإن تقييم الصراع في ليبيا من منظور اللصوصقراطية يبرز أيضا الحاجة إلى فهم تعقيدات القطاع المصرفيّ ونمو السوق السوداء. يستخدم اللصوصيون الليبيون ـ الذين يتمتعون في كثير من الأحيان بدعم دول أجنبية ـ المصارف التجارية الليبية

ومؤسسات الدولة الرسمية كقنوات لإعادة تدوير أموالهم غير المشروعة محليا أو لإرسالها إلى الخارج دون التعرض لأي عملية تدقيق حقيقية. ويساهم حاليا الانقسام بين الشرق والغرب الذي شهده النظام المصرفي في الدولة منذ عام 2014 في الحفاظ على مخططات إثراء النخبة.

وبالتالي، فإن عدم توافر المعلومات للجمهور، وهي مشكلة تسود في شرق البلاد بشكل أكبر مقارنة بالغرب. وبالتالي، فإن عدم التماثل المؤسسي السائد بين شرق ليبيا وغربها يضلل تصورات العديد من مقرّري السياسات بشأن الأنشطة غير القانونية في البلاد.

لذا يتعيّن على مقرّري السياسات الذين يسعون إلى تجنب خطر تفاقم حالة عدم الاستقرار في ليبيا أو عودة إندلاع الصراع المسلح أن يعالجوا على وجه السرعة الإنفجار اللصوصي الذي تشهده الدولة. لا تقتصر أضرار اللصوصقراطية في ليبيا على السكان فحسب، بل تمتد لتهدد أيضا البلدان المجاورة ويمكن أن تطال أوروبا والولايات المتحدة.

وبالتالي، فإن الأولوية يجب أن تكون إصلاح ثقافة الإفلات من العقاب الراسخة، وهو ما ينبغي تحقيقه من خلال تعزيز الضوابط والتوازنات في نظام الإدارة الاقتصادية في ليبيا وزيادة تكلفة التربح من الفساد الجريمة.

يتبع

_____________

The Sentry

مواد ذات علاقة