بقلم المبروك الهريش

مهما حاول مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة نفي ما صرح به لوكالة ليبراسيون الفرنسية، فإنه سيفشل في تبرير ذلك خاصة وأن “ليبراسيون” مؤسسة إعلامية معروفة قلّما تقع في خطإ من هذا النوع،

علاوة على أن نفي سلامة جاء عبر تصريح على موقع البعثة حمل كلاما عامًّا دون التطرق إلى كلام الصحيفة أو المحطات والوسائل الإعلامية الناقلة عنها، وهو ما يعطي انطباعا على أن المراد بالنفي رسالة أخرى غير التي روّج لها الإعلام الموالي لحفتر.

للتوضيح، فإن المبعوث الأممي كان قد أدلى بتصريحات للصحيفة الفرنسية مفادها أن الاتفاق بين السراج وحفتر هو “أمر يمكن تصوره”، وأن حفتر اشترط تعيين مناصب في الدولة لوقف القتال، ونوّه إلى أن هجوم حفتر على طرابلس كان إهانة له ولرئيسه “الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش” في إشارة لرفض حفتر طلب جوتيريرش وقف القتال عند زيارة الأخير للرجمة في أبريل الماضي.

قبل الخوض في الموضوع ينبغي أن نضع في الاعتبار أموراً عدة:

ـ هذه التصريحات تعتبر تطورًا في موقف سلامة من حفتر، إذ تقمّص سلامة منذ بداية عدوان حفتر على طرابلس رداء الحياد، وفي بعض الأحيان الانحياز الواضح للعدوان خاصة في إحاطته أمام مجلس الأمن في نهاية يوليو الماضي.

ـ لم يتحدث سلامة عن إهانة الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش من حفتر بعد زيارته للرجمة إلا بعد 5 أشهر من الزيارة، رغم تهربه من الحديث عن هذا الأمر في أكثر من لقاء تلفزيوني أو صحفي.

ـ تنتهي فترة سلامة على رأس البعثة الأممية في ليبيا منتصف سبتمبر، وسيعرض موضوع التمديد في 12 من هذا الشهر، لهذا فالقول إن كلامه عن غوتيريش جاء من أجل مزيد من الثقة هو كلام لا يخلو من صحة.

لكن السؤال الذي يطفو على السطح هذه المرة،

لماذا كل هذه الجرأة في تصريحات سلامة؟

ولماذا غابت عنه الشجاعة للإدلاء بمثلها من قبل؟

أعتقد أن انعدام الخيارات المطروحة أمام حفتر هو ما جعل سلامة يتحدث بهذا الكلام الصريح، متناسيا خوفه من أن الانحياز لطرف قد يفقده تأثيره في المشهد، وربما يطيح به.

يعرف سلامة جيدا أنه ما من خيارات كبيرة أمام اللواء المتقاعد غير الرضوخ للحل السياسي، خاصة في ظل الجمود العسكري بل التقهقر الذي تعانيه قواته، وبالتالي فلسان حال سلامة لحفتر يقول: “افعل ما تشاء، لن تستطيع الخروج عن مسار الحل السياسي”.

تصريح سلامة يدلّ بما لا يدع مجالا للشك على فشل حفتر في السيطرة على العاصمة طرابلس، وبالتالي فشل المشروع العسكري المدعوم من دول إقليمية في ليبيا، لكنه في ذات الوقت يرمي بكرة “التفاوض السياسي” في ملعب الوفاق الرافض في تصريحات قادته السياسيين والعسكريين أي تفاوض مع حفتر.

ثمة رأي آخر يقول إن تصريح سلامة له دلالات أخرى تكمن في تخفيف الضغط على حفتر أمام المجتمع الدولي قبل مؤتمر نيويورك الذي ترعاه البعثة، كون اللواء المتقاعد حسب سلامة هو من أفسد العملية السياسية في ليبيا، وكونه قد سبب ارتباكاً لدى داعميه الدوليين بسبب الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان التي تقوم بها قواته.

خلاصة القول، ربما يكون سلامة بهذا التصريح قد حصل على تأشيرة بقائه لفترة أخرى على رأس البعثة الأممية في ليبيا، لكن الأهم هو أن مسار الأحداث في ليبيا قد وصل إلى طريق مسدود عسكريًّا، ما يعني بطبيعة الحال الاتجاه نحو الحل السياسي.

كما أن حفتر عندما يُسِرّ إلى سلامة اشتراطه “الحصول على مناصب” لوقف القتال، فإنه يعني ضمنيا قبوله بالحل السياسي، وعلى معسكر الوفاق، وتحديدا المجلس الرئاسي صياغة رؤية واضحة للدخول في المفاوضات السياسية، تجعله قادرًا على صون المبادئ العامة المتمثلة في مدنيّة الدولة،

كذلك ضمانات حقيقيّة من المجتمع الدولي برعاية العملية السياسية وضمان تنفيذها ومنع عرقلتها.

***

المبروك الهريش ـ كاتب صحفي ليبي

__________

مواد ذات علاقة