محمد محمد المفتي 

الانتخابات لم تفشل لأنها لم تُعــقـد أصــلاً. وليست هناك سلطة تحمي الاقتراع وتضمن قبول نتائجه.

السبب الرئيسي لإجـهـاض الانتخابات هـو هـذا الانقسام العمـيـق في صفوف النخبة السياسية الليبية. وعلينا أن ندرك ونعـتـرف بأن عامة الناس ليست طرفاً في الصراع الدائـر الآن حول السلطة.

ولا خلاف أن أزمتنا الليبية معقـدة، وخالطتها مصالح خارجية؛ بل وتشوهات نفسية.

ثمة عـقـبات لا يمكن ولا يجب تجاهلها وهـذه بحاجة لنقاش أكثر صراحة وعمـقاً، ربما بمنهج العصف الذهني الذي اقترحــه أليكس أوزبورن في كتابه «التخـيل التطبيقي» (1953) والذي تبناه الفكر السياسي الحديث كجلسات للنقاش الحـر ودون قيود، بين صناع القرار لاستنباط أفكار ومعالجات جديدة، ففي جلسة عصف ذهني يُسمح للجميع بطرح الحلول التي تخطر ببالهم دون خوف من الانتقاد أو الرفض، ثم يتم تقـييمها للوصول إلى حلول مبتكـرة.

الهدف من العصف الذهني إذن هو تجاوز التفكير التقليدي واقتراح آراء جريئة وجديدة. وهـو ما نحن بحاجـة إليه لأن أسلوب المناورة التقليدية القائمة على المراوغـة والخــداع طيلة العقد الماضي حال دون تحقيق أي تقدم؛ بل يشدنا باستمرار إلى الخلف نحو المربع الأول على حساب متطلبات التنمية ومصير الوطن.

الســلاح:

انتشار الســلاح الذي لا يخضع لسلطة الدولة، أشبه بالوباء، فالرصاصة مثل الفيروس تخيف وتـؤذي وتـقـتـل. وللسلاح آثاره الجانبية كما للوباء، وتشمل:

  • الفساد الإداري المتفاقم الذي يشل مؤسسات الدولة من الشرطي إلى قمة القضاء.
  • التشكيلات المسلحة الجهوية والقبلية التي تُعطِّل مصالح الناس.
  • تواجد مقاتلين غير ليـبـيين.
  • تشويه المواقف الدولية، من ذلك ادّعــاء دول إقليم المتوسط بضرورة خروج المسلحين، لكنها تعيق خروجهم خشية تهديد أمنها واستقرارها.
  • تحويل أي عملية انتخابية إلى مشهد تنافسي مصطنع غير صادق.

ثمـة مـعـضـلــة مركبة ومستـعـصية إذن؟

عـدم انـعـقــاد الانتخابات أطلق فقاعات لا حد لها من الإدانات والتفسيرات واللوم. وتراجع المشهـد السياسي إلى مسرحية وراء الكواليس للجدل حول نفس العـقـبات الأسـاسية وهي:

  • أن الانتخابات لكي تكون شرعية، بحاجة إلى قاعدة دستورية ومقتـرح الدستور الذي لدينا خلافي ولا يمكن التوافق عليه.
  • انتشار السلاح سيبقى عقبة كأداء، ولا أعـتـقد أن جيلنا سيفرح برؤية طوابير مسلحين يسلمـون أسلحتهم بسلام.

هل يفيدنا العصف الذهني ؟

ـ علينا أولاً أن ندرك أنه ليس هناك نمط واحد للنظم الديمقراطية ولكل نظام ديمقراطي خصائصه التي تعكس تاريخه وما مر به من حروب وأزمات قادت إلى شتى التعديلات والإضافات. ومن العبث أن نستمر في استخراج تباديل غير عملية مهما كانت وجاهة أسمائها وبريق العواصم التي احتـضنـتها.

ـ الحقيقة الخطيرة التي تواجهنا اليوم هي ما أُهـدر من ثروات وقدرات خسرتها الأجيال، فقد أضعنا عقداً كاملاً في الجدل بل واستثمرنا وقـتـنا وثرواتنا في تجهيل الأجيال الشابة. وهل ثمة استهتار مخـزٍ أكثر من إغفال طباعة الكتاب المدرسي، ثم ألغاء مادة الحاسوب لهـذا العام نتيجة نقص المعلمين المؤهلين والمعامل.

واستكمالاً لمشهد الكوميديا السوداء (شر البلية ما يضحك) طـُلب من التلاميذ تحميل المنهج بالكمبيوتـر!!

ـ ما أراه مهما في هذه المرحلة يقتصر على ضمان استمرار إنتاج وتصدير النفط وتطويره. وتوزيع عائداته بالعدل، واستثماره في مجالات التنمية وخاصة التعليم.

تـرميم الدولة بدلاً من الجــدل الأجـوف:

هذه الحـقائق تـلح علينا بالبدء في ترميم الدولة الليبية من القاعـدة، على أن نرجئ بناء الهيكل العلوي التشريعي.. إلخ. ويكون ذلك بتــبني:

ـ نظام لا مركزي بما يتفق مع الأعداد السكانية على أن يكون لكل ولاية امتداد إلى الساحل الشمالي، ويناط بإدارات الولايات تسيير مشاريع التنمية والقطاعات الخدمية. ولا تخشوا من التقسيم فليبيا غير قابلة للتقسيم!

ـ والاحتفاظ باللجنة العسكرية (5+5)

ـ والاحتفاظ بالمصرف المركزي وديوان المحاسبة.

ـ تشكيل مجلس حكم من رؤساء الولايات، من مهامه اسـتعادة بنية الدولة.

ـ تشكيل مجلس من عمــداء البلديات ورؤساء الجامعات لمتابعة كل الكيانات السابقة.

هـذه المقتـرحات قابلة للتعديل. لكن لا بُد أن نقـر بأننا أضعـنا ما أضعنا بما فيه الكفاية، وأننا بحاجة ماسة لإعادة بناء ما دمـرنا في ساعات الغضب والجنون.

وليبقى السلاح في أيدي من يتـشـبثون به بشرط ألا يعيقوا أرزاق الناس ومستقبل أطفالهم.

ولنؤكـد للمجتمع الدولي حاجتنا لحلول تدريجية وعملية ولنضع جانبًا الاسكـتـشات التي جادت بها أقلام المبعوثين.

وليقف على المسرح السياسي من يشـاء، لكن كفانـا هذه البهـلـوانيات الخـرقــاء!!

______________

مواد ذات علاقة