بقلم د. محمد شطاطو

امتدت احتجاجات الربيع العربي في 2011 لتصل لكل أنحاء الشرق الأوسط، وأثرت على كل البلاد بأشكال مختلفة سواءً أكانت احتجاجات صغيرة ضد الحكومات، أو ثورات كبيرة للإطاحة بالمستبدين.

وكانت غالبية هتافات المتظاهرين تنادي بسقوط الاستبداد الذي سيطر عليهم سنينَ طويلة، وإحلال الديمقراطية محله. إلا أن الديمقراطية تتطلب الكثير من الوقت، والعمل، والمسؤولية لتتحقق على أرض الواقع، ولسوء الحظ لم تحققها تلك البلاد بعد. لذلك يسعى الدكتور محمد شطاطو، الأستاذ بجامعة الرباط، في هذا المقال للإجابة على هذا السؤال: هل من الممكن تحقيق ديمقراطية حقيقية في الشرق الأوسط؟

حبيبتي الديمقراطية

عندما هبَّت رياح الربيع العربي، كان المستبدون يملكون كل شيء، ولم يكن المواطنون يشاركون في العملية السياسية، إذ كان الحاكم هو «الكل في الكل»، يعين الوزراء كما يشاء دون اختيار شعبي. بل إنه في بعض البلادمثل ليبياكان المواطنون يعتمدون على حاكمهم المستبد لتنظيم الاقتصاد ومنحهم صدقات نقدية لكي يضمن أن الكثيرين ليسوا في حاجة للعمل. ما أدى لاعتمادٍ كليٍ على الحكام، لذلك لم يكن المواطنون على استعدادٍ للإطاحة بهم من السلطة.

وبعد العديد من الاحتجاجات والهتاف بإسقاط المستبدين، تمكنت عدة بلدان من الإطاحة بحكامهم. وبينما تبع ذلك انتخابات لاختيار قيادة جديدة في بعض البلدان، إلا أنها أدت لفوضى عارمة في بلدان أخرى.

كانت مصر وتونس من البلدان التي شهدت انتخابات بعد الاحتجاجات، وبينما كانت تجربة تونس ناجحة وقريبة إلى حدٍ كبيرٍ من الديمقراطية الغربية، فشلت التجربة المصرية ونتج عن ذلك احتجاجات أخرى ضد أول حكومة مُنتخبة ديمقراطيًا.

وحتى الدول التي خطت خطوة نحو الديمقراطية لم يكن نجاحها مكتملًا. لكن صحيفة ذي إيكونوميست ترى أن كلًا من المغرب وتونس يُعتبَران نموذجًا للديمقراطية في العالم العربي، إذ قالت «ينبغي أن يُشجَع النمو الديمقراطي والإصلاح الاقتصادي في تونس والمغرب. صحيحٌ أنهما بلدان صغيران، لكن الربيع العربي أثبت أن البلدان الصغيرة بإمكانها أن تصبح نموذجًا للآخرين. أما مصر، فينبغي أن يُمارَس عليها الضغط حتى تعود للطريق الإصلاحي، إذ إن واحدًا من بين أربعة من العرب مصريٌ. لذلك إذا نجحت البلاد؛ سترتقي بالمنطقة، وإذا انهارت؛ ستشكل خطرًا على الجميع، بما فيهم أوروبا».

حبيبتي الفوضى

أما الوضع في البلدان الأخرى مثل ليبيا وسوريا، فلا يزيد إلا سوءًا؛ إذ لا توجد حكومة «رسمية» في كلتيهما، ولكن توجد جماعات إسلامية تسيطر على البَلديْن. وهذا الوضع بالتأكيد بعيدٌ كل البعد عن الديمقراطية، فالواقع مفجع في البلدين، ومثلهما العراق التي لم تتوقف الحرب الأهلية فيها. أما الجماعات الإسلامية في تلك البلدان فتسعى لإيجاد قواعدها الخاصة، وهي ليست ديمقراطية، ولن تكون ذات نفع للمواطنين. علاوة على كون تلك الجماعات مؤذية للغاية لشعوب الشرق الأوسط؛ إذ يتسببون في خسائر كبيرة. والمؤسف هو أن القوى الدولية والإقليمية لا توقف تلك الجماعات عند حدها، ما يقوِّض من احتمالية قیام ديمقراطية حقيقية في المنطقة.

تحقيق الديمقراطية مهمة صعبة، وليس بالضرورة أن تأتي بالنتائج نفسها في كل بلد. فعلى الرغم من أن الدول الغربية تُعتبر ديمقراطية، إلا أن هناك ثغرات في تلك الأنظمة مثل الفساد، والدليل على ذلك قوانین بطاقات هوية الناخبين في الولايات المتحدة للحد من الاحتيال في الانتخابات، ولكنها ستؤدي لاستبعاد الأقليات في المناطق الفقيرة الذين لا يملكون بطاقات الهوية الضرورية، لذلك لا توجد ديمقراطية كاملة ومثالية في العالم اليوم.

يرى شادي حميد، الزميل بمعهد بروكينغز، أن الغرب لم يهتم يومًا بإقامة ديمقراطية في العالم العربي؛ لأسباب ومصالح أنانية، فعلى حد قوله: «دعمت الولايات المتحدة والدول الغربية الإصلاح، لكنهم لم يرغبوا في قلب أنظمة مِطواعة، أصبحت جزءًا من ترتيب استراتيجي مرن أمِّن مصالح الغرب في المنطقة، ومنها الوجود العسكري، والوصول لمصادر الطاقة، وتأمين إسرائيل. علاوة على خوف الغرب من أن يكون البديل سيطرة إسلامية راديكالية تُذكِّرنا بالثورة الإيرانية عام 1979».

هل هناك أمل؟

على الرغم من كثرة العوائق والحواجز في طريق تحقيق الديمقراطية، فهناك أمل. سيتطلب ذلك الأمل مساعدة باقي العالم، لكن الخطوة الأولى تكمن في الإطاحة بالجماعة الإرهابية التي تُحكِم قبضتها على تلك البلاد وتسعى للسيطرة عليها، وهي المهمة الأصعب، بل ومن المحتمل ألا تتم؛ لأن المُثُل قد تظل تغلي تحت السطح انتظارًا للفرصة التالية للانفجار. لكن بمجرد أن يعود الاستقرار لتلك البلدان، ستكون الخطوة التالية هي إجراء انتخابات مُراَبَة جيدًا لضمان نجاحها.

أما صحيفة ذي إيكونوميست فترى أن اتحاد الدول العربية في منظمة فوق قومية مثل الاتحاد الأوروبي قد يُمهد لديمقراطية مستقرة «يمكن أن تنجح الدول العربية إذا شكلت اتحادًا فوق قومي لفتح الأسواق وتشجيع النمو. فجامعة الدول العربية فاشلة باعتبارها منظمة سياسية. لكن الكثير من العرب يُقدِّرون الاتحاد الأوروبي بسبب سياسته مع اللاجئين العرب. كما أن العرب سيجدون في التاريخ الأوروبي عزاءً لهم، فقبل اتحاد القارة، شُنَّت حروبٌ أكثر دموية من تلك التي يشهدها العرب الآن. أما الدرس الآخر الذي بدأ البعض في تعلمه من أوروبا، فهو أن الديمقراطية هي أساس الوحدة المستقبلية».

أما الجانب الآخر لتحقيق الديمقراطية يكمن في أن يطالب بها المواطنون فعلًا. لا يعني تكون الغرب من دول ديمقراطية أنَّ الشرق الأوسط سيُقلد أنظمته. فليس من الصواب أن تسعى دولة غربية لدعم الديمقراطية في بلد لا يريدها أصلًا. لذلك تكمن الخطوة الأكبر والأهم لتحقيق الديمقراطية في أن تطلبها الشعوب أولًا، فإن طلبتها، ستكون قادرة على تخطى العقبات لتحقيقها. وقد يتطلب ذلك بعض الوقت والمساعدة، ولكنهم قادرون على فعل ذلك حقًا، وهناك حتمًا الكثير من الأمل.

***

د. محمد شطاطو ـ أستاذ تعليم العلوم في جامعة في الرباط ومحلل سياسي مغربي بوسائل الأعلام الفرنسية، والإيطالية والبريطانية. متخصص في الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط.

___________________________

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *