إعداد إدارة البحوث والأحصاء

تقوم العديد من الدول المتقدمة منها والنامية على حد سواء بدعم أسعار السلع الضرورية في محاولة منها للتخفيف من ارتفاع أسعارها , حتى تمكن الشرائح الفقيرة من الحصول على السلع التي غالباً ما تعتبر ضرورية , حيث تخصص هذه الدول مبالغ كبيرة من مواردها لدعم دخول الأفراد سواء كان ذلك على شكل سلع منخفضة السعر أو خدمات كالتأمين الاجتماعي والصحي , أو على شكل دفعات نقدية ,

فعلى سبيل المثال تخصص ألمانيا ما نسبته 8% من ناتجها المحلي للدعم السلعي , كما تخصص السويد 10% ويبلغ الدعم السلعي في فرنسا 12% في حين بلغ في مصر 18% لعام  2010 , بينما تصل نسبة الدعم السلعي في ليبيا إلى 11.1% من الناتج المحلي الإجمالي و21.6% من إجمالي الإنفاق العام لعام 2010، غير أن الدول الرأسمالية لديها سياسة دعم سلعي متحركة تواكب حركة الاقتصاد ومستويات التضخم النقدي للمحافظة على مستويات معيشة مقبولة لشريحة محدودي الدخل .

وقد بينت التجارب الدولية تنوع وسائل الدعم والأهداف المرجوة منه باختلاف النظم الاقتصادية وباختلاف درجة التطور الاقتصادي ، وبصورة عامة فأن هذه  السياسة تمثل رزمة من الإجراءات والأسس والمبادئ التي تهدف إلى تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية أو سياسية تنعكس في ميزانية الدعم المحددة وفق برنامج معين وتكون عادتاً جزء من الميزانية الاعتيادية للدولة.

تجارب بعض الدول

قد تباينت سياسات الدعم في العديد من الدول من حيث حجم  الدعم وطريقة الحصول عليه والشرائح المستفيدة منه , فقد قامت بعض الدول بدعم أسعار بعض السلع والخدمات لتستفيد من ذلك الدعم كافة شرائح الموطنين والمقيمين بغض النظر عن دخولهم سواء كانوا من الشرائح متدنية الدخل أو متوسطة الدخل أو عالية الدخل , وتقوم بعض الدول بدعم الشرائح المتدنية الدخل فقط دون غيرها على خلفية أنها قد لا تستطيع تلبية احتياجاتها من السلع والخدمات الضرورية نظراً لارتفاع أسعارها . وقد اختلفت  أيضا الممارسات في دعم تلك السلع من الدعم المباشر لأسعار السلع إلى الدعم النقدي (إعادة هيكلة الدعم) مقابل سلة من تلك السلع، ومن التجارب الدولية في الدعم السلعي نستعرض التالي:

التجربة الاندونيسية

اتخذت الحكومة الاندونيسية رزمة من الإجراءات سعياً منها لتقديم دعم سلعي تستفيد منه الطبقات الفقيرة المستهدفة , ففي عام 2005 على سبيل المثال ضاعفت أسعار المشتقات النفطية, وفي عام 2008 رفعت أسعار المشتقات النفطية بنسبة تتراوح ما بين 33-25% وذلك بغية الاستفادة من المبالغ المتوفرة من أسعار تلك السلع ومن تم منحها في شكل تحويلات نقدية دفعت للعائلات الفقيرة حيث استفاد منها 15.5 مليون عائلة , كما اتخذت بعض الإجراءات الأخرى مثل إعفاء المنتجات الزراعية من ضريبة القيمة المضافة وإلغاء الضريبية الجمركية على السكريات , كما تم إدراج نظام التعديل الديناميكي على أسعار البنزين (تحرير أسعاره) , ويعزى نجاح سياسة الدعم للحكومة الاندونيسية إلى إمكانياتها في تحديد الطبقات المستهدفة والوصول إليها , وكذلك إلى أساليب الاتصال الناجحة المستعملة.

التجربة الإيرانية

مع نهاية عام 2010 كانت إيران أول بلد نفطي يقوم برفع الدعم عن كافة السلع والخدمات لاستبدالها بدعم نقدي لجميع أفراد المجتمع , وقد قدرت إجمالي المبالغ الموفرة من هذه الإجراءات 60 مليار دولار وقد تم توزيعها على الشكل التالي:

– 30 مليار توزع لجميع أفراد المجتمع في السنة الأولى.

– 18 مليار للمؤسسات الاقتصادية لإعادة هيكلة إنتاجها بطرق أكثر ترشيد لاستهلاك الطاقة.

– 12 مليار للحكومة لدفع تكاليف الطاقة وتطوير كفاءة استخدام الطاقة في القطاع العام.

وقد كانت المؤشرات الأولية لهذه السياسة ارتفاع الطلب المحلي, وزيادة حركة الأنشطة الاقتصادية في المناطق الريفية على الرغم من إن ارتفاع أسعار الطاقة كان لها تأثير مباشر و واضح في سلة أسعار المستهلك , ألا أن زيادة كمية الواردات من السلع وتسهيل الإجراءات الإدارية أدت إلى تخفيض أثر هذا الارتفاع , ولعل أكبر التحديات التي واجهتها الحكومة الإيرانية تمثلت في إعادة هيكلة القطاع العام والزراعي اللذان يعتمدان بشكل كبير على صرف الطاقة خلال العملية الإنتاجية , غير أن تأكيد الحكومة بدعمها عن طريق خطط متوسطة الأجل بالدعم الفني والمادي للقطاعين يبدو انه كان له أثر في التواصل مع كافة أطياف المجتمع .

الدعم السلعي في ليبيا

بدأت سياسة الدعم السلعي في ليبيا مع بداية عقد السبعينات من القرن الماضي مع صدور القانون رقم (68) لسنة 1971 بشأن إنشاء المؤسسة الوطنية للسلع التموينية كمؤسسة تابعة لوزارة الاقتصاد تُعنى بتوفير السلع التموينية والمواد والمحاصيل الزراعية بما يحقق ثبات أسعارها وتوفرها بصورة منتظمة في السوق وبكميات تكفي لسد حاجات المستهلكين .

وقد خول القانون المذكور المؤسسة بفتح فروع ومكاتب لها في أية جهة في ليبيا , كما خولها باتخاذ وكلاء ومراسلين في الداخل والخارج وذلك وفقاً لقرارات مجلس الإدارة.وفي عام 2009 م صدر قرار اللجنة الشعبية العامة رقم (451) بشأن دمج المؤسسة الوطنية للسلع التموينية في صندوق موازنة الأسعار وذلك بغية تحقيق الأهداف التالية:

–   العمل على موازنة أسعار  السلع والخدمات الأساسية.

–   دراسة واقتراح الوسائل التي تساعد على تحديد الأسعار المناسبة للسلع والخدمات.

–   متابعة الأسعار الدولية والمحلية وتوفير التقارير عليها.

–    الاحتفاظ بمخزون مناسب من السلع الأساسية المعرضة للتقلبات الحادة في أسعارها.

–    تحقيق الأسعار المناسبة للسلع والخدمات الأساسية وتوفيرها بتكلفة مناسبة للمواطنين.

–   توفير السلع والخدمات في السوق المحلي وبما يتناسب مع مستوى دخول الأفراد.

 إن الوضع الاقتصادي الذي اتسم به الاقتصاد الليبي خلال الأربعة عقود الماضية هو سيطرة القطاع النفطي على الهيكل الاقتصادي والذي جعل من الاقتصاد الليبي اقتصاد أحادي الجانب ويعتمد بشكل كبير على القطاع النفطي في تمويل الانفاق العام ناهيك عن جمود الدخول (سياسة الأجور الثابتة في القطاع العام) والزيادة المستمرة في الأسعار جعلت من سياسة الدعم السلعي ضرورة ملحة في ظل تلك الظروف بل وأصبح حجمها يتوقف على ايدولوجية الدولة والدعم الذي تراه مناسباً وقد اتخذت سياسة دعم الأسعار في ليبيا نوعيين أساسيين هما:

1-  دعم أسعار السلع الغذائية الأساسية حيث يحتل هذا الدعم  أهمية كبيرة في موازنة الدولة وذلك بهدف المحافظة على المستوى العام لأسعار السلع الضرورية والمحافظة على الدخول الحقيقية للأفراد , وكانت الدولة مضطرة لذلك بسبب سياسة تجميد الأجور في القطاع العام والتي انعكست على القطاع الخاص أيضا.

وبحسب ماذكره صندوق موازنة الأسعار  أن الدعم السلعي قد ارتفع من 357 مليون دينار ليبي عام 2002 إلى 1,046 مليون دينار ليبي في سنة 2010 م , أي إن الدعم السلعي ارتفع خلال تلك الفترة بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 12.7% مع العلم بأن معدل النمو السنوي المركب للسكان في ليبيا بلغ 1.6% ويعزى هذا الارتفاع في الدعم السلعي إلى الارتفاع في الأسعار العالمية. ولكن ما يلفت الانتباه هو أن مجموعة المواد الغذائية تشكل ما نسبته 36.6% من سلة أسعار المستهلك  وفقاً لبيانات الهيئة العامة للمعلومات والتوثيق .

 بيد أن الوزن النسبي للمواد الغذائية المدعومة بالنسبة إلى سلة المواد الغذائية لأسعار المستهلك لا تشكل سوى 1.6% من السلة , الأمر الذي يعني أن السلع الغذائية المدعومة في الحقيقة ليست ذات أهمية كبيرة للمستهلك وإنما الأمر يكمن في أن الدعم السلعي لمجموعة المواد الغذائية في الحقيقة ما هو إلا دعم وهمي أي بمعني توفر هذه السلع في الحقيقة ليس ذو أثر حقيقي على المستوى المعيشي للفرد خصوصاً إذا كانت السلعة المدعومة لها بدائل متوفرة في السوق المحلي وتتمتع بجودة تفوق جودتها في أغلب الأحيان , هذا من جهة , ومن جهة أخرى فإن إجمالي الوزن السلعي  لمجموعة السلع المدعومة في سلة أسعار المستهلك لا تشكل سوى 15.9% من السلة.

 2-  دعم أسعار المنتج المحلي سواء كان صناعيا أم زراعيا بغية تحفيز وتحسين إنتاجه من خلال رزمة من الإجراءات تتخذها الدولة بهدف زيادة الإنتاج وتمكين المنتجين أو المزارعين من تحقيق عوائد  تساهم في تطوير وتوسيع تلك الأنشطة ولعل أهم احد هذه الأنواع من هذا الدعم هو دعم أسعار الطاقة كدعم أسعار المشتقات النفطية حيث تباع بأقل من أسعارها العالمية وكذلك دعم أسعار وحدات الطاقة الكهربائية فعلى سبيل المثال يقوم المصرف الزراعي بتقديم القروض الزراعية للفلاحين بسعر فائدة مدعوم كما أن أسعار المدخلات الزراعية هي الأخرى مدعومة , وفي معرض التدليل على ذلك يتبين أن إجمالي دعم المشتقات النفطية قد ارتفع من 972 مليون دينار ليبي في عام 2002 إلى 10,153 مليون دينار ليبي في عام 2010  أي بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 30 %  تقريباً .

يمكن القول أن الدعم المقدم من قبل الحكومة الليبية ودعم الرعاية الصحية قد ارتفع من 1,329 مليون دينار ليبي عام 2002 إلى 11,199 مليون دينار ليبي في عام 2010 أي بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 27% تقريباً .

_ ____________

مواد ذات علاقة