اعداد : د. محمد عبدالحفيظ الشيخ

تهدف هذه الدراسة الى تسليط الضوء على دور العامل الخارجي في عملية التحول الديمقراطي في ليبيا بعد عام 2011، منطلقين من فكرة مُفادها أن العامل الخارجي وفي مقدمتها تنافس القوى الإقليمية والدولية في ليبيا ساهم في توجيه مسار التحول الديمقراطي بعيداً عن طموحات الشعب الليبي،

فضلاً عن استمرار التأثير السلبي على عملية التحول لفترة ما بعد الثورة، وبالتالي بقيت عملية التحول الديمقراطي مرتهنة لمصالح القوى الخارجية وليس لمصلحة الشعب الليبي بكافة أطيافه المعنية بالتحول وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة، وهذا بدوره فتح الباب على مصراعيه لنمو وانتشار جماعات العنف والسلاح التي ساهمت في تلغيم الساحة الأمنية الليبية، حيث وجدت فيها التنظيمات المتطرفة بيئة مناسبة ومرتعاً خصباً لممارسة أنشطتها الإرهابية، مما أسهم في عرقلة مسار التحول الديمقراطي في ليبيا.

الجزء الاول

المقدمة:

اجتاحت موجات التغيير والتحول الديمقراطي، أجزاء العالم من شرق آسيا إلى شرق أوروبا وإلى أمريكا اللاتينية، وحتى بعض بلدان الشرق الاوسط كتركيا وإيران، فيما بقي العالم العربي ينظر إليه على أنه يمثل استثناء ضمن هذه الموجات، ما جعل بعض الدوائر السياسية والأكاديمية تفسّر ذلك على أساس وجود تناقض بين الثقافة العربية والإسلامية وقيم الديمقراطية من ناحية، إضافة إلى قدرة النظم السلطوية على الاستمرار والتأصل في البنية العربية، من ناحية أخرى، بدليل بقاء بعض الرؤساء والحكام والعرب في السلطة لعقود، الشئ الذي جعل المنطقة العربية بمنأى عن تلك التحولات.

كان للتحولات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية عام 2011، الأثر البارز في رسم الواقع العربي وملامحه، ونهاية الاستثنائية الديمقراطية التي تميزت بها المنطقة طوار عقود، وبدأ يلوح في الأفق عصرا جديدا يشبه إلى حد بعيد ما حدث في أوروبا الشرقية والإتحاد السوفييتي السابق إلى الطريق الديمقراطي علامة بارزة ضمن هذه الثورات الديمقراطية.

انطلقت الاحتجاجات الشعبية ابتداءً في السابع عشر من شباط\فبراير 2011، للمطالبة بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، وبدلا من أن يتفهم ويستجيب نظام القذافي لمطالب المتظاهرين واجه تلك الاحتجاجات السلمية بالعنف والاستخدام المفرط للقوة، سرعان ما تصاعدت إلى انتفاضة مسلحة بين النظام والثوار، وأدى ذلك إلى قوع انتهاكات جسيمة وخطيرة لحقوق الإنسان، ولم يكن من اليسر اقتلاع أركان نظام القذافي دون تدخلا أمميا سريعا تحت مسمى إنساني، وأصدر مجلس الأمن القرار 1973، استند فيه إلى مبدأ مسؤولية الحماية، فرضت بموجبة منطقة حظر للطيران عبر ليبيا مما فتح المجال أمام طائرات التحالف الدولي في القضاء على مقدرات النظام العسكرية ووسائل مقاومته.

وبقدر ما ساعد التدخل الخارجي على التخلص من نظام القذافي، فلقد فتح الباب على مصراعية لإثارة نزاعات وصراعات قديمة من جديد، إذ لا يمكن إغفال دور بعض القوى الخارجية الإقليمية والدولية في تأجيج الصراع بين مكونات المجتمع الليبي، الأمر الذي رسخ الانقسام واقعا جديدا على الأرض. وهو ما سيجعل عملية المصالحة الاجتماعية أكثر صعوبة، رغم أهميتها وضرورتها لإعادة الإعمار وإرساء الديمقراطية وبناء المجتمع والدولة في نهاية المطاف.

فمرحلة التحول إلى الديمقراطية عن طريق ثورة شعبية كبيرة وباهظة الثمن خطها الشعب الليبي للتخلص من نظام القذافي الاستبدادي تجعلنا نستحضر مقارنة، ومقاربة علمية لأهمية طبيعة التحول الديمقراطي والهادئ بمبادرات إصلاحية بطيئة، لكنها ربما في ظاهرها أقل كلفة التغيير الثوري ومخاطره، والتي يبدو أن الشعوب تدفع ثمنه فوضى ومعاناة لا يمكن أن نحمل التغيير الثوري كامل وزرها، خصوصا في ظل التدخلات الخارجية باهظة الحسابات.

إشكالية الدراسة:

ثمة مصاعب خارجية نتحدث عنها هي في الأصل كإشكاليات نابعة من ذات الجهات التي تدعو إلى ضرورة إجراء التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، رغم ما تطرحه هذه الجهات من أنها نذرت نفسها لدعم وحماية المثل والقيم الديمقراطية، ودعمها بكل الإمكانات المتاحة، وقد تصدر الغرب بمنظومته السياسية التي تتزعمها الولايات المتحدة هذه المهمة العسيرة والشاقة من منطلق أنها جزء وثمرة لهذه القيم بما تحمله من مزايا قطفت ثمارها الشعوب الغربية، وتريد أن تعمم مثل هذه الخيرية لبقية دول العالم.

وتأسيسا على ما سبق، تنطلق إشكالية الدراسة من التساؤل التالي:

ـ ما طبيعة وحدود تأثير العامل الخارجي في مسار التحول الديمقراطي في ليبيا بعد عام 2011؟ وهل كان هذا التأثير إيجابيا داعما أم كان معرقلا ومثبطا؟

وتنطلق هذه الدراسة من فرضية مفادها إن الأدوار الإقليمية والدولية في مسار التحول الديمقراطي في ليبيا إن لم تكن السبب الرئيس في الدفع نحو التغيير، فقد شكلت عامل تسريع لهذه العملية.

تأتي أهمية الدراسة من محاولتها الإجابة عن المشكلة المثارة في أعلاه، فالكشف عن طبيعة الأدوار الإقليمية والدولية ودرجة انغماسها في أحداث التغيير الثوري التي شهدتها ليبيا في عام 2011، لم تحظى بمعالجة كافية. صحيح أن هناك دراسات تناولت جوانب من هذا الموضوع، إلا أنها، وحسب إطلاع الباحث، لم تغطي أو تعالج جوانب متعددة هي بحاجة إلى البحث والتحليل.

وعليه، فإن أهمية الدراسة تنصرف هنا إلى معالجة ما لم يتم تناوله لتكوين صورة نأمل أن تسد الثغرات المتعلقة بطبيعة الأدوار الإقليمية والدولية في ما جرى ويجري من أحداث سياسية ومعرفة مدى جدية الأطراف الإقليمية والدولية في دعم مسار التحول الديمقراطي في ليبيا.

تهدف هذه الدراسة إلى تقييم تجربة التحول الديمقراطي في ليبيا بعد عام 2011،

بما يسمح بالوقوف على طبيعة التحول ورصد وتحليل المؤثرات الخارجية في عرقلة عملية التحول الديمقراطي بليبيا أو تعزيزها، فضلا عن معرفة حدود ومصداقية الدور الخارجي في دعم التحول الديمقراطي في ليبيا.

المقاربة المنهجية:

سوف تعتمد هذه الدراسة على المنهج النظمي كمنهج مناسب ورئيسي، من خلال دراسة الظواهر السياسية وفق نظرة شاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع الأبعاد والعناصر والمكونات للظاهرة، ومحاولة الإلمام بمجمل العوامل المؤثرة فيها. إذ يفارض أن هناك أسبابا وعوامل متعددة وراء كل ظاهرة، كما أنه لا ينظر إلى تأثير كل منها على حدة، وإنما إلى فعلها أو فعل بعضها في حالة تفاعل.

***

د. محمد عبدالحفيظ الشيخ ـ رئيس قسم العلوم السياسية، كلية إدارة الأعمال، جامعة الجفرة ـــ ليبيا

***

المصدر: مجلة العلوم السياسية والقانون : العدد العاشر ” أغسطس – آب ” سنة “2018” ـ مجلد 2. وهي مجلة دولية محكمة تصدر عن المركز الديمقراطي العربي المانيابرلين.

تُعنى المجلة في الدراسات والبحوث والأوراق البحثية عمومًا في مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية،والقانون والسياسات المقارنة، والنظم المؤسسية الوطنية أو الإقليمية والدولية.

______________

مواد ذات علاقة