علي عبداللطيف اللافي

في الجزء الأول من هذه الدراسة، تعرضنا الى مشروع”سيف القذافي” قبل 2011 وهو المعروف تحت مسمى “ليبيا الغد”، كما حاولنا الإجابة على سؤال تموقع سيف في بداية احداث ثورة فبراير 2011 وقصة أسره وسجنه في مدينة الزنتان (غرب ليبيا) وغموض مصيره بعد اطلاق سراحه المُعلن عنه في 17 يونيو 2017.

ثم بيّنا كيف أن مجموعته (التي مثلته في ملتقى الحوار السياسي) ماهي إلا جزء وليست كل (أنصار القذافي)، وفي الأخير تطرقنا الى قصة مراهنة أطراف إقليمية ودولية على شخصه خلال السنوات الثلاث الماضية وطبيعة التعاطي السياسي والاجتماعي لمجموعته واستراتيجيتها مع التطورات الأخيرة.

في هذا الجزء الثاني والأخير، نستعرض موقف ودور “سيف” ومجموعته في انتصار قائمة “دبيبة/المنفي”، كما تساءلنا أيضا عن دورهم المفترض في حكومة الوحدة الوطنية، ثم نُبيّن طبيعة العلاقة بين “سيف” و”حفتر” خاصة تتأرجح بين الالتقاء والتنافي، وفي ختام الدراسة نستعرض سيناريوهات الدور المستقبلي لـ”سيف”، وهل هو شخص ام مشروع؟

سيف” وأنصاره وحُلفائه ودورهم في انتصار قائمة “دبيبة”

الكثير من المتابعين يضخم دور سيف الإسلام في الاحداث قبل 04-04-2019 وأثناء ملتقى الحوار السياسي (أغسطس 2020 – فبراير 2021)، ويعطونه دورا كبيرا ومرتقبا في المصالحة الوطنية الليبية والتي ستكون من بين أهم أولويات حكومة الوحدة الوطنية بقيادة المقرب منه سابقا “عبد الحميد دبيبة”.

ومما لا شك فيه أن مجموعته سيف كانت حاضرة وبقوة في ملتقى الحوار السياسي كما أن بعض عناصرها قد خاضوا حوارات مُعلنة وأخرى سرية وتواصلوا مع أطراف اقليمية ودولية (الروس والأتراك والأنقليز والفرنسيين)، سواء كانت خطوات تكتيكية (تحالفات مرحلية) أو استراتيجية، ولكن الثابت أن هناك رؤيتين رئيسيتين لدى الأطراف المحلية والإقليمية في الموقف من أي دور مفترض لسيف مستقبلا:

رؤية أولى، ويتبناهاعمليا كل من باريس وموسكو، وهي تقوم على تشريك الرجل بغض النظر عن دوره المباشر، وهي رؤية تعاطت مع حفتر مثلا على أساس انه “يُلاعَبُ ولكن ليس اللاعب الرئيسي”، أي أنه وظيفي في الأخير لتمكين “سيف” ومن معه أو عل الأقل فريقه بغض النظر عن الشخصية التي ستكون في الواجهة.

والثابت أن اجتماعا عُقد بين “سيف” والمُقربين منه بغض النظر عن الشكل والتفاصيل والذي عُقد أياما قبل 4 أبريل 2019 قد توصل الى قرار أن يتم دعم واحتواء انتصار حفتر قبل ان يتم الغاء كل ترتيباته وبشكل مفاجئ حتى للمشاركين فيه وبعض مساعديهم الرئيسيين والذين أوكلت لهم مهمة التنفيذ.

ولكن بفشل حفتر وترنح قواته وعجزها عن دخول طرابلس تراجع دور مجموعة سيف في دعمه، قيل يومها أنه قد تم اتخاذ قرار مهم واستراتيجي وهو تأجيل مشروع “سيف” على الأقل لمدة أربعة سنوات (بداية من 2019).

رؤية ثانية، أقرب للإنكليز وحلفائهم، وتقوم على أن سيف يجب أن يبعدَ ويتوارى مقابل دعم أدوار وإعطاء مواقع لأهم عناصر مجموعته، وهي رؤية تجسدت فعليا من خلال قراءة تطورات الأحداث قبل وبعد ملتقى الحوار السياسي، وعمليا يدعمها على الأرض وبشكل رئيسي الأتراك والأمريكيين وبقية دول أخرى فاعلة في الملف الليبي سواء من داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه.

وهي رؤية أشرنا الى بعض تفاصيلها في الجزء الأول أو في دراستنا المنشورة “حول فاعلية وتوجهات القوى الدولية تجاه الملف الليبي في افق نهاية سنة 2021”.

وبالعودة لدور مجموعة سيف في انتصار قائمة دبيبة/المنفي، فهو في رأينا دور جزئي وليس كليا، بل يمكن الجزم أن القائمة وانتصارها يمثلان عودة لمشروع “ليبيا الغد” بثوب جديد ومختلف كليا وعبر وجوه جديدة او متجددة في قراءاتها ورؤيتها للواقع الليبي ولطبيعة التطورات بين 2018 و2021، فـ”علي دبيبة” وحتى “عبد الحميد” نفسه و”الصلابي” وكل من دعم قائمة “دبيبة/المنفي” بأشكال مختلفة هم عمليا فاعلين رئيسيين في مشروع” ليبيا الغد” خلال منتصف العقد الماضي.

ولكن المعطيات غير المعطيات ولا الزمن والظروف هي نفسها، والمؤكد أن مجموعة “سيف” لم تكن مرجحة من الأصل في رأينا في انتصار القائمة تجاه القائمة المنافسة أي قائمة بشاغا/عقيلة صالح رغم وجود فارق بأربع أصوات فقط بين القائمتين في الجولة الفاصلة ذلك أن انصار القذافي بشكل عام قد ناصروا وانتصروا لقائمة “خالد الغويل” في الدور الأول وهي التي تحصلت على 13 صوتا فقط من أصل 74 صوتا، وهو ما يعني ان عوامل عدة ومختلفة من بينها طبعا قرار مجموعة سيف التصويت لـ”دبيبة” في الدور الثاني .

أي دور مستقبلي لمجموعة “سيف” في حكومة الوحدة الوطنية؟

1- أصلا مسمى “حكومة الوحدة الوطنية” تم اطلاقها لكي تشمل الجميع ويمكن المضي في تنفيذ مشروع المصالحة الوطنية وتكريس العدالة الانتقالية، وبالتالي فان تشريك مجموعة سيف وارد وسيتدعم بمُجرد نيل الحكومة للثقة من طرف البرلمان ( أو من لجنة الحوار السياسي).

ولعل أبجديات ما وقع خلال الأيام الماضية في الشرق الليبي يُؤشر على أن أنصار النظام السابق وجزء منهم على الأقل (الأقرب لسيف)، قد بدؤوا في تفكيك تحالفاتهم السابقة والحالية مع حفتر بغاية الانضواء الفعلي تحت مربعات المصالحة الوطنية والمساهمة الفعالة والقوية فيها.

ومعلوم ان الروس وحتى الاماراتيين لهم حسابتهم الأقرب للتكتيكية مع “حفتر” والمبنية حسب رأينا على قاعدة انه – أي حفتر– “مرحلي ووظيفي لمشروع سيف أولا وأخيرا” بغض النظر ان سيف كشخص قادر على لعب أدوار في شخصه أو أنه مسموح له ان يتواجد كشخص لا عبر ممثلين – وهناك فرق بين الحالتين– (مبنيتين على رؤيتين استعرضناهما أعلاه)، بغض النظر عن الأطراف الإقليمية والدولية التي تتبنى أو ستتبنى احداهما وتدعمها.

2- تركيبة تنظيمات ومكونات “انصار النظام السابق” السياسية والاجتماعية والعسكرية، معقدة وغامضة ومتشابكة مع رؤية أطراف محلية وإقليمية وعلى علاقة بالتعقيدات والتفاصيل الاجتماعية، وهي ستكون في ترابط جزئي على الأقل مع رؤية وتدخل المصريين والجزائريين في الموضوع والملف الليبي مستقبلا، وان كان بناء الحكومة والسلطة التنفيذية الجديدة بُني على تشريك المناطق الثلاث فإنه مستقبلا سينبني على السياسي وأيضا على ثنائيات عدة على غرار”أنصار القذافي/”أنصار فبراير” و”الإسلاميين” / ”الليبراليين” و”المحافظين” / ”المنفتحين”.

والثابت أن مجموعة سيف ستكون في الواجهة اكثر وبل ستكون أكثر فاعلية واسهاما من بقية مكونات “انصار النظام السابق” خاصة وان هؤلاء هم تنظيمات وأحزاب عدة (عمليا أكثر من 10 تنظيمات)، كما تقودهم زعامات مختلفة المشارب والتوجهات ومن حيث الاصطفاف الإقليمي والدولي، كما أنهم لم يكونوا يوما وحدة متكاملة لا أمس ولا اليوم ولا غدا، ذلك أنهم حتى في عهد القذافي نفسه لم يجتمعوا إلا حوله (بل بسبب أنه كان حاكما قويا يومها ولأنه كان يملك سلطة القرار والمال والجاه والنفوذ السياسي والاجتماعي) .

3-  لا يختلف اثنان في وجود دور لـ”سيف” أو مجموعته، ولكننا نعتقد جازمين أن “سيف” لن يكون سوى مجرد شريك اجتماعي وسياسي، أو بالأحرى شخص يدعم من بعيد المصالحة الوطنية ويكون رافعة اجتماعية لها، ذلك أن صحته (بما في ذلك النفسية والعقلية) ولا طبيعة شخصيته ولا أخطائه القاتلة اثناء أحداث فبراير 2011 ولا أيضا طبيعة أنصار القذافي ستسمح له بأن يلعب أدوارا مباشرة على غرار ما يلوح به البعض أو أنه قد يترشح للرئاسيات القادمة مثلا.

ولكن تبقى تطورات الإقليم وطبيعة الصراع الدولي حول افريقيا وطبيعة الاصطفاف الاجتماعي في ليبيا خلال الأسابيع والأشهر القادمة هي المحدد الأول والنهائي لذلك، أما بخصوص وجود شخصيات مقربة من سيف وأنصار النظام السابق عموما في الحكومة سواء كوزراء أو وكلاء أو مسؤولين او كسفراء ومسؤولين مناطقيين ومحليين، أمر واقع ولا يختلف فيه اثنان ولكن من الواضح أن أولئك لن يكونوا من بين ممن تعلقت بهم مسؤوليات مباشرة ومعروفة في الفعل السياسي والأمني في حقبة النظام السابق.

سيف و”حفتر” وقصة الالتقاء والتنافي بين العائلتين

1- اذا ما فصلنا في طبيعة وتفاصيل العلاقة بين “حفتر” وابنائه من جهة وبين “القذافي” وابنائه من جهة أخرى، فإن ذلك يتطلب مجلدات ووثائق وكواليس هي غير متوفرة، وحتى ما هو متوفر اليوم لم ولن ينشر ولن يجرؤ أحد على نشره او البوح به لأنه ببساطة قد يُغير مُعادلات لا في ليبيا وحدها بل في كل الإقليم، ذلك أن العائلتين رغم ادعاء افرادهما البطولة هما على تماس وتقاطع مع مصالح وأسرار دول ومحافل وأطراف في كل العالم وهذا موضوع ثان ومعقد الثنايا والتفاصيل.

ولكن الثابت أن هناك التقاء وتقاطع بين الأطراف الإقليمية والشرق أوسطية تحديدا التي تدعم “حفتر” اليوم او بالأحرى تُلاعبه أو كانت تلاعبه خلال السنوات الماضية ولاعبته منذ بداية السبعينات، وبين من كان سندا لـ”القذافي” وحليفا له وبعضها يدعم اليوم “سيف” ومجوعته وأنصاره وبعض مقربين منه أو هم موالين له اجتماعيا وسياسيا، ولكن السؤال هل يُمكن لسيف ان يكون داعما لحفتر أو على الأقل في تقاطع معه أو ان دخول أي منهما للساحة يعني غياب الثاني أو انتفاء دوره؟

2- قد تكون الإجابة على السؤال السابق والمهم في رأينا، أن “حفتر” موضوعيا سيكون خارج مربعات الفعل والتأثير خلال الأشهر القادمة وخاصة بمجرد دخول سيف لمربعات المشاركة والتأثير، وذلك يحيلنا لسؤال ثان ومهم وهو:

هل يُمكن ان يكون “سيف” ضامنا لبقاء أبناء “حفتر” وخاصة نجليه الرئيسيين أي “خالد” و”صدام” أو أن الالتقاء غير ممكن بأي شكل من الأشكال؟

3- الثابت أن محددات الإجابة على السؤالين المطروحين في الفقرة السابقة، ليست متوفرة حالية أو هي غير معروفة ولكن بالعوامل الحالية وطبيعة المشهد فان التنافي بين الفاعلين في عائلتي “القذافي”و”حفتر” غير مُمكنة او بالأحرى فان اطراف اجتماعية وسياسية وتحالفات قائمة لن تسمح بها رغم أن “حفتر”دائما يُخفي انه كان على تواصل خفي وسري مع “القذافي” حتى عندما كان معارضا له وحتى عندما كان يقود بنفسه اللجنة العسكرية لجبهة الإنقاذ المعارضة للقذافي (عارضته بشكل راديكالي)، في ما لا يختلف اثنان انه تواصل معه بأشكال عدة بين 1993 و2011 وخاصة عبر “عبدالرحمن الصيد” ولعل قصة البيت المُهدى لعائلة “حفتر” في القاهرة اضافة لتوفير نظام القذافي لمبالغ مالية كبرى وضعت على ذمة عائلة “حفتر”في القاهرة في تلك الفترة.

أي دور لشخص “سيف الإسلام القذافي”، وهل هو شخص أم مشروع؟

1- الثابت أن المصالحة الوطنية برنامج أولوي بغض النظر عن هوية الحكومة وتركيبتها وأدوارها وبغض النظر عن مشاركة “أنصار النظام السابق” في الفعل السياسي قبل وبعد انتخابات 24 ديسمبر وسواء وقع ارجاء الاستحقاقات الانتخابية الى سنة 2022 أو لا، والثابت أن رموز نظام “القذافي” سيطلق سراح أغلبهم.

وأنه سيسمح لكل المهجرين بالعودة الى ليبيا ووضع أنفسهم على ذمة القضاء – وخاصة ممن لم يتورط في جرائم القتل والاغتصاب وسرقة أموال الشعب الليبيوأن القضاء سيكون الفيصل في بقية القضايا والشكاوى المرفوعة ضد هذا الطرف او ذاك وسواء كان من أنصار “سبتمبر” أو “فبراير” أو محسوبا على العهد الملكي أيضا وسواء كان محسوبا على تيار الكرامة أو فجر ليبيا .

2- “سيف” شخص مُثير للجدل لا محليا فقط بل أيضا بين الأطراف الإقليمية والدولية ولكن الثابت أنه سيٌسمح لكل فرد في عائلة القذافي بالتمتع بحقوقها الاجتماعية والسياسية ما لم يكن متابع قضائيا أو غير مشتكى به، وهو أمر ينسحب على “سيف”، وهو ما يعني ان سيف سيواجه أولا ما رفع عنه من قضايا والتي قد يتم ترتيب امر بعضها عبر الزمن.

وبين هذا وذاك سيبقى الرجل فاعلا ومؤثرا ولو من وراء بعض مقربين منه ولكنه لا يمكن ان يكون في افق السنوات القادمة مُتصدرا للمشهد بشكل رئيسي إلا اذا تطورت الأحداث وتماهت تطوراتها في ليبيا والإقليم ودوليا لصالحه، وهو أمر نراه وفقا لاستشرافنا للأحداث غير ممكن بل هو أمر مستحيل في أفق السنتين القادمتين.

3- المؤكد أن “سيف” مثله مثل “حفتر” هو مشروع وليس مجرد شخص وهو تواصل لمشروع ليبيا الغد وانعكاس لواقع إقليمي أولا ودولي ثانيا، ولكن الثابت أيضا أن عودة الأنظمة القديمة أمر غير ممكن ولا هو متاح في كل المنطقة العربية لأن التاريخ لا يعود للخلف أولا، وثانيا هو غير ممكن حتى جزئيا – بما يعني تصدر الأحزاب الممثلة للأنظمة القديمةخاصة في ظل الديمقراطيين والذين يدعمون بقوة تجارب الانتقال الديمقراطي.

ولكن مشاركة أشخاص محسوبين على تلك الأنظمة ممكن وخاصة عبر تمش مرحلي وبناء على تفعيل قوي لأسس العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، ذلك أن المواطنة تقوم أولا وأخيرا على ثنائية الحق والواجب والقدرة على خدمة الوطن والأمة، وهو ما يعني أن “سيف” وشركائه يُمكن لهم أن يكون طرفا في المشهد السياسي ويمكن ان يكون جزء من ائتلاف سياسي تُحدد نتائج صناديق الاقتراع أن يكون في الحكم او المعارضة.

4- تبقى التطورات في الإقليم وخاصة في مصر والجزائر وتونس والخليج، مُحددا رئيسيا في الفعل السياسي المستقبلي لـ”سيف” ومحيطه السياسي والاجتماعي ولكن وضعه القضائي والصحي والشخصي والعائلي محددا رئيسي في ان يكون فاعلا ومتصدرا او مستشارا من الخلف وداعما لأي من قيادات تنظيمه (الجبهة الشعبية) او مجموعته (بقيادة محمد العجيلي)

***

علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

_______________

المغاربي للدراسات والتحاليل

مواد ذات علاقة